مصر

تعديل قانون التعليم إصلاح أم ارتباك؟.. البرلمان يناقش والشارع يترقب

ناقشت لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، مساء أمس الأربعاء الموافق 2 يوليو 2025، تفاصيل مشروع تعديل قانون التعليم، خلال جلسة حضرها وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف، وعدد من كبار المسؤولين بالحكومة والبرلمان، في خطوة أثارت اهتمامًا واسعًا في الأوساط التعليمية وأولياء الأمور.

حضور رسمي رفيع المستوى

شارك في الجلسة كل من المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية، والدكتور سامي هاشم، رئيس لجنة التعليم، والدكتورة ماجدة بكري، وكيل اللجنة، والنائب إيهاب الطماوي، وكيل اللجنة التشريعية، إلى جانب الدكتور مصطفى رفعت، الأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات، كما حضر من وزارة التعليم عدد من القيادات، من بينهم الدكتور أحمد ضاهر نائب الوزير، والدكتور أحمد المحمدي، مساعد الوزير للتخطيط، والمستشار القانوني للوزارة أشرف السيد.

 

مجانية التعليم حق دستوري لا تفاوض فيه

أكد وزير التعليم أن “مجانية التعليم حق دستوري لا يقبل النقاش أو التفاوض”، مشددًا على أن نظام الثانوية العامة سيبقى دون تغيير، وكذلك نظام شهادة البكالوريا المصرية، والذي سيظل مجانيًا في محاولته الأولى. وأضاف أن تكلفة الاختبار الثاني (التحسين) ستكون اختيارية لمن يرغب، مع استمرار إعفاء الفئات غير القادرة من أي رسوم.

 

البكالوريا المصرية… ونهاية ضغط الفرصة الواحدة

أوضح الوزير أن إدخال نظام البكالوريا يوفر فرصة ثانية للطلاب، مما ينهي ما وصفه بـ”ضغط الفرصة الواحدة”، الذي طالما أربك الأسر المصرية. ولفت إلى أن الوزارة أجرت حوارًا مجتمعيًا موسعًا حول النظام الجديد، شارك فيه خبراء تعليم، نواب، إعلاميون، ومعلمون، في محاولة لتحقيق توافق وطني.

 

استمرار المعلمين حتى نهاية العام الدراسي

أحد التعديلات البارزة شملت تعديلًا يقضي بعدم خروج المعلمين للمعاش خلال العام الدراسي، وهو ما اعتبره الوزير “تكريمًا لجهودهم واستقرارًا للعملية التعليمية”، كما تناولت التعديلات تنظيم التعليم التكنولوجي الثانوي، وتوسيع دور مدارس التكنولوجيا التطبيقية، باعتبارها مستقبل التعليم الفني في مصر.

 

لا لصلاحيات مطلقة للوزير

نفى الوزير سعي الوزارة لأي صلاحيات مطلقة ضمن التعديلات المقترحة، مشددًا على أن الباب مفتوح للنقاش والتعديل بما يضمن التوافق البرلماني والمجتمعي، وأبدى حرصه على التعاون مع مجلس النواب للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة للقانون الجديد.

 

رئيس اللجنة البرلمانية: نعمل لتحقيق التوازن الدستوري

من جانبه، أكد الدكتور سامي هاشم أن لجنة التعليم تسعى لتحقيق توازن بين متطلبات الدولة واحتياجات المواطن، موضحًا أن اللجنة تدعم أي تعديلات تهدف إلى تحسين جودة التعليم دون المساس بالحقوق الدستورية للمواطنين.

 

آراء مجتمعية ترحيب مشروط وتحفظات جادة

تعديلات مهمة ولكن هناك مخاوف

وفي السياق ذاته، أشارت داليا الحزاوي، مؤسسة ائتلاف أولياء أمور مصر والخبيرة الأسرية، إلى أن تعديلات قانون التعليم تمثل ضرورة في إطار سعي الوزارة لتطوير التعليم قبل الجامعي ليتماشى مع السياسة التنموية للدولة، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن بعض البنود الواردة في التعديلات أثارت جدلًا كبيرًا بين أولياء الأمور.

داليا الحزاوي داليا الحزاوي
داليا الحزاوي داليا الحزاوي

وقالت الحزاوي إن من الإيجابيات التي تضمنها مشروع تعديل قانون التعليم مد فترة التعليم الإلزامي إلى 12 سنة لتشمل المرحلة الثانوية، وهو توجه ضروري لإكساب الطالب المهارات والمعارف المطلوبة في العصر الحديث، حيث لم تعد تسع سنوات كافية.

 

وأضافت أن اعتبار مادتي التربية الدينية واللغة العربية والتاريخ الوطني من المواد الأساسية في جميع المراحل الدراسية، وفقًا للمادة 24 من الدستور، يُعد أمرًا إيجابيًا ومهمًا، لا سيما في ظل تراجع الهوية الوطنية وقيم الانتماء والسلوكيات لدى الأجيال الجديدة، مؤكدة أن للمدرسة دورًا كبيرًا في بناء شخصية الطالب.

 

ورحبت الحزاوي أيضًا بالتعديلات الخاصة باستبدال نظام التعليم الثانوي العام والفني ليحل محله التعليم الفني والتقني التكنولوجي (3 سنوات)، وكذلك استبدال التعليم الفني المتقدم بنظام التعليم التكنولوجي المتقدم (5 سنوات)، لما تحققه من مواءمة مع متطلبات سوق العمل، مع التأكيد على أهمية تأهيل المعلمين لمواكبة هذا التحول.

كما اعتبرت أن استحداث بند يسمح باستمرار أعضاء هيئة التعليم حتى نهاية العام الدراسي في حال بلوغ سن التقاعد يمثل عنصرًا داعمًا للاستقرار داخل المدارس.

لكنها حذرت من عدد من النقاط المثيرة للجدل، من بينها منح الوزير صلاحية تغيير البرامج والمناهج دون العودة لمجلس النواب، ما قد يؤدي إلى تغييرات متكررة وعدم استقرار في السياسات التعليمية، وقالت: “أين دور المجلس الوطني للتعليم والتدريب الذي تقرر إنشاؤه لرسم السياسات التعليمية؟”.

وانتقدت فرض رسوم على التحسين ضمن نظام البكالوريا، مؤكدة أن ذلك يتناقض مع نص الدستور الذي يكفل مجانية التعليم، ويقضي على مبدأ تكافؤ الفرص، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الأسر.

واختتمت الحزاوي تصريحها بالتأكيد على أهمية إحالة التعديلات لمزيد من الدراسة والحوار المجتمعي، لتفادي القلق والارتباك الناتج عن تغييرات متكررة في النظام التعليمي.

 

مقترح البكالوريا لم يُناقش بشكل كافٍ

وفي حوار خاص لـ”البورصجية”، أكد الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، أن هناك اعتراضات كثيرة لا تزال تلاحق مقترح البكالوريا، الذي لم يحظَ بنقاش علمي جاد.

عاصم حجازي.
عاصم حجازي

وأشار إلى عدة ملاحظات جوهرية، أولها أن تخفيف الأعباء الدراسية لا يجب أن يأتي على حساب البنية المعرفية للطالب، محذرًا من تسطيح المحتوى التعليمي تحت مبرر تقليل الضغط. وأضاف أن التعليم، عبر العصور، كان ولا يزال نشاطًا يتطلب جهدًا من الطالب وأسرته، وأن الحل لمشكلة الدروس الخصوصية يجب أن يكون عبر تقوية دور المدرسة، لا تقليص المقررات.

كما تحفظ حجازي على فكرة التحسين مقابل رسوم، قائلاً إن تعدد فرص التقييم يجب أن يكون متاحًا دون تحميل الطلاب أعباء مالية، واقترح أن تكون هناك امتحانات فصلية أو سنوية بدون مقابل، أو السماح بالتحسين فقط لأصحاب الأعذار القهرية.

 

وأكد أن النظام التعليمي يجب أن يهيئ الطالب نفسيًا لتحمل الضغوط، وضرب مثالًا بالطبيب الذي قد يواجه موقفًا حاسمًا لا يتكرر لإنقاذ مريض، متسائلًا: “إذا لم يتعلم الطالب التركيز وتحمل المسؤولية في المدرسة، فمتى سيتعلمها؟”.

 

وأضاف أن أولويات الوزارة تبدو غير واضحة، معتبرًا أن المدرسة والمعلم يجب أن يكونوا في خدمة العلم، وليس العكس، وأن الهدف الأسمى للنظام التعليمي هو بناء منظومة معرفية متماسكة.

 

كما انتقد حجازي ما اعتبره تهميشًا لدور المجلس الأعلى للتعليم والابتكار والبحث العلمي، الذي أُنشئ لضمان استقرار السياسات التعليمية، لكنه لم يظهر تأثيره في مناقشة التعديلات.

واختتم بالتحذير من غياب المعايير والموضوعية في بعض عناصر النظام الجديد، مثل التحسين والاختيارية في تطبيق البكالوريا، مؤكدًا أن التعليم يجب أن يكون منضبطًا، موضوعيًا، وعادلًا في كل مكوناته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *