
في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها سوق العمل ومتطلبات التنمية المستدامة، برزت المدارس التكنولوجية كأحد البدائل الحديثة للتعليم التقليدي في مصر، مقدّمة نموذجًا جديدًا يربط بين التعليم والتدريب العملي واحتياجات الصناعة، لم تعد الثانوية العامة هي المسار الوحيد نحو المستقبل، بل أصبحت المدارس التكنولوجية تمثّل خيارًا واعدًا للشباب الباحثين عن تعليم تطبيقي يفتح أمامهم آفاق العمل المباشر وفرص التطور المهني، وبين ترحيب من الخبراء وتخوف من بعض أولياء الأمور، يظل هذا النموذج محور نقاش واسع حول جودة التعليم وجدوى مخرجاته في بناء جيل قادر على المنافسة محليًا وعالميًا.
نقلة نوعية مهمة في مسيرة التعليم الفني
وفي تصريحات خاصة لـ“البورصجية” اكد الدكتور عاصم حجازي أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، ان التعليم الفني شهد تطورات متلاحقة في الفترة الأخيرة وتعتبر مدارس التكنولوجيا التطبيقية نقلة نوعية مهمة في مسيرة التعليم الفني وهناك العديد من الأسباب التي تجعل هذه المدارس منافسا قويا للثانوية العامة

منها أنها تقدم تعليما مواكبا لسوق العمل المحلي والدولي يجمع بين الجوانب الأكاديمية والمهنية والتكنولوجية، وأن مناهجها أعدت وفقا للمعايير العالمية وبذلك أصبحت الشهادة التي يحصل عليها الطالب تحظى بقبول واعتراف دولي، أنها تؤهل لمسارات أكاديمية ومهنية جامعية متميزة فمسارات التعليم الجامعي المتاحة أمام طالب مدارس التكنولوجيا التطبيقية أصبحت أكثر من ذي قبل ومؤخرا اتخذ قرار بالسماح لخريجي هذه المدارس بالالتحاق بكليات الذكاء الاصطناعي أيضا وهو ما يعني تقليص الفوارق الأكاديمية بين التعليم الفني والعام .
مميزات المدارس التكنولوجية
واكد حجازي ان هناك العديد من المميزات الأخرى التي تمنحها المدارس التكنولوجية لخريجيها حيث إن الطالب بتخرجه من مدارس التكنولوجيا التطبيقية يكون حاصلا على المؤهل الدراسي وشهادة خبرة مهنية في المجال الذي درسه، وذلك بالإضافة إلى مميزات أخرى كثيرة تقدمها هذه المدارس.
ونتيجة لكل ما سبق قال الخبير التربوي: فقد حظيت هذه المدارس بقبول واسع في أوساط الطلاب وساهمت في تغيير نظرة المجتمع السلبية للتعليم الفني، ولطالب الشهادة الإعدادية أن يختار ما يناسبه فإذا كان ممن يميلون إلى المهارات المهنية والجانب التطبيقي ولديه ذكاء حركي مرتفع فيمكنه أن يلتحق بمدارس التكنولوجيا التطبيقية وإذا رغب في إكمال دراسته الجامعية فسيجد مسارات عديدة مهنية وأكاديمية متاحة أمامه.
ومن جانبه أكدت داليا الحزاوي، مؤسسة ائتلاف أولياء أمور مصر والخبيرة الأسرية، لـ“البورصجية” على الأهمية المتزايدة للتعليم الفني، خاصة في ظل توجه الدولة نحو تحقيق التنمية المستدامة، موضحة أن التعليم الفني يلعب دورًا حيويًا في إعداد كوادر مؤهلة تخدم قطاعات متعددة، كما يفتح أمام الطلاب مسارات بديلة للنجاح بعيدًا عن النمط التقليدي للتعليم.

وأشارت الحزاوي إلى أن المدارس التكنولوجية أحدثت تحولًا ملموسًا في نظرة المجتمع للتعليم الفني، حيث أصبحت تؤهل الطلاب للالتحاق بالجامعات التكنولوجية، وتوفر مجموعة متنوعة من التخصصات التي تتناسب مع ميولهم واهتماماتهم، كما أنها تمنح الخريجين فرصًا حقيقية للانخراط في سوق العمل فور تخرجهم، سواء داخل مصر أو خارجها، بل وتمكن البعض منهم من تأسيس مشروعاتهم الخاصة.
كما نوهت الحزاوي إلى أهمية الدور الذي تقوم به الدولة في دعم هذا النوع من التعليم من خلال التوسع في إنشاء المدارس التكنولوجية، مؤكدة أن هذا التوجه سيشجع المزيد من الطلاب على الالتحاق بها، مؤكدة أن هذه المدارس تمثل نموذجًا ناجحًا للربط بين التعليم النظري والتطبيق العملي وفقًا للمعايير الدولية.
حملات توعوية تعريفية
وشددت على ضرورة إطلاق حملات إعلامية توعوية وتسويقية موسعة للتعريف بتخصصات المدارس التكنولوجية، وتوضيح مدى توافقها مع احتياجات سوق العمل المحلي والدولي، فضلًا عن شرح فرص استكمال التعليم الجامعي، موضحة أن الكثير من أولياء الأمور بحاجة إلى هذه المعلومات لاتخاذ قرارات مبنية على وعي عند اختيار المسار التعليمي الأنسب لأبنائهم.
وانتقدت الحزاوي الصورة النمطية السلبية التي يقدمها الإعلام عن خريجي التعليم الفني، مشيرة إلى أن الإعلام يساهم أحيانًا في ترسيخ نظرة طبقية تقلل من قيمة هذا النوع من التعليم، وأكدت أن للإعلام دورًا محوريًا في تغيير هذه النظرة من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح لخريجي التعليم الفني، وتقديم صورة إيجابية تدفع الطلاب وأولياء الأمور للإقبال عليه.
كما طالبت وزارة التربية والتعليم بضرورة مراجعة معايير قبول الطلاب في بعض المدارس الخاصة، التي تشترط مؤهلًا عاليًا للوالدين كشرط للقبول، واعتبرت هذا الأمر تمييزيًا وغير مبرر.
وفي سياق متصل، أشادت الحزاوي بقرار المجلس الأعلى للجامعات بالسماح لعدد من خريجي المدارس التكنولوجية، مثل مدرسة تكنولوجيا المعلومات بالإسماعيلية، ومدرسة I-TECH، ومدارس WE للتكنولوجيا التطبيقية بتخصصات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات، بأداء اختبارات للالتحاق بكليات الحاسبات والذكاء الاصطناعي، بشرط حصولهم على 75% فأكثر في الدبلوم. وأضافت أن هذه الفرصة، التي تبدأ من دفعة 2025، وتمتد لعامين بعد التخرج، تُعد نقلة نوعية حقيقية لهؤلاء الطلاب.