مصر

منتدى غاز شرق المتوسط يواجه تحديات كبيرة بسبب الحروب والتوترات الصباحي ل “البورصجية”: مستقبل قطاع الطاقة في المنطقة “ضبابي

قال الدكتور محمد الصباحي، أستاذ هندسة مصادر الطاقة بقسم الهندسة الميكانيكية بكلية الهندسة، جامعة قناة السويس، أن منتدى غاز شرق المتوسط يلعب دوراً حيوياً في تعزيز أمن الطاقة على المستويين الإقليمي والعالمي مستنداً إلى مبادرة طموحة تهدف إلى إنشاء سوق إقليمي للغاز تهدف هذه السوق إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب بأسعار تنافسية وذلك عبر تنمية الموارد بكفاءة والاستفادة القصوى من البنية التحتية الحالية. والمستقبلية كما يسعى المنتدى إلى تأسيس منظمة دولية تدعم حقوق الأعضاء في مواردهم الطبيعية وتشجع التعاون بينهم وبين الدول المستهلكة ودول العبور مع التركيز على إقامة شراكات اقتصادية وتجارية مستدامة وبالإضافة إلى ذلك تولي المبادرة اهتمامًا خاصًا لضمان الاستدامة البيئية في عمليات إنتاج الغاز وتعزيز التكامل مع مصادر الطاقة المتجددة مستفيدة من الاكتشافات الغازية الواعدة في منطقة شرق المتوسط.
تحديات كبيرة
وأشار الدكتور محمد الصباحي، في لقاء مع “البورصجية” إلى أن المنتدى رغم أهميته في تعزيز التعاون الإقليمي في قطاع الطاقة إلا أنه يواجه تحديات كبيرة بسبب غياب إطار قانوني فعال وهيكل حوكمة مناسب كما يفتقر المنتدى إلى قواعد ملزمة تضمن تجارة طاقة أكثر حرية ونقل آمن للطاقة وتعزيز الاستثمارات والتوسع في الطاقة المتجددة وحماية البيئة كذلك تنقصه آلية تتيح جعل قراراته ملزمة لأعضائه لتحقيق هذه الأهداف لافتًا إلى أن الأمر يتطلب صياغة وإنفاذ اتفاقية إقليمية للطاقة توفر البنية القانونية اللازمة.​

أسباب معقدة

وفيما يخص الأسباب التي تمنع توسيع قاعدة المشاركين في المنتدى وانضمام دول أخرى إلى أعضائه الحاليين يرى الدكتور محمد الصباحي، أن تغييب بعض الدول بشرق البحر الأبيض المتوسط مثل لبنان وليبيا وسوريا وتركيا عن منتدى غاز شرق المتوسط يرجع إلى عدة أسباب معقدة فلبنان وليبيا ليس لديهما علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني “إسرائيل” في حين أن سوريا والكيان في حالة حرب مستمرة منذ عام 1948 أما تركيا فتعاني من نزاعات مستمرة مع اليونان وقبرص وقد رفضت إنشاء المنتدى معتبرة أنه يتجاهل مصالحها وينتهك حقوقها البحرية في المنطقة مشيرًا إلى أن معظم أعضاء منتدى غاز شرق المتوسط كانوا في مراحل مختلفة من النزاع مع تركيا بما في ذلك مصر التي تستضيف مقر المنتدى ومع ذلك يمكن للتقارب الحالي بين مصر وتركيا أن يفتح آفاقًا جديدة للتعاون في المنطقة بما في ذلك منتدى غاز شرق المتوسط ومن المحتمل أن تلعب القاهرة دور الوسيط في تسوية القضايا الخلافية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة أخرى لافتًا إلى إن استمرار التصعيد الإسرائيلي وتوسعه في المنطقة يؤدي إلى حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل قطاع الطاقة في شرق المتوسط هذه الحالة من عدم الاستقرار تلقي بظلالها السلبية على فرص التعاون الإقليمي وتوسيع قاعدة المشاركين في المنتدى كما تعيق الطموحات المستقبلية في قطاع الطاقة.

تطوير المنظمة

وحول نجاح المنتدى في تنسيق الجهود بين مختلف اللاعبين في قطاع الغاز يقول الدكتور محمد الصباحي أن منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط يواجه تحديات في تحقيق نجاح شامل في تنسيق الجهود بين مختلف الأطراف المعنية حيث يقتصر دوره الحالي على مناقشة قضايا الطاقة بدلًا من أن يكون كيانًا مؤثرًا وقادرًا على تنظيم قطاع الطاقة في المنطقة وذلك لأن القرارات في المنتدى تُتخذ بالتوافق مما يعني أنه لا يمكن فرض أي التزام على أعضائه إلا إذا وافقوا جميعاً ولكي يصبح منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط أكثر فعالية وقوة يجب تحويله إلى منظمة قوية تضع القواعد وتؤثر على صنع القرار في مجال الطاقة ولتحقيق هذا التحول يتعين على أعضائه بذل جهود مشتركة والتوصل إلى اتفاق على استراتيجية مشتركة لتطوير المنظمة فقط من خلال هذه الجهود المتضافرة يمكن للمنتدى أن يحقق تأثيرًا ملموسًا في تنظيم وتوجيه قطاع الطاقة في المنطقة.

استفادة مصر

وحول مدى استفادة مصر من الأزمة الجيوسياسية التي شهدتها أوروبا والمتمثلة في الحرب بين أوكرانيا وروسيا يقول الدكتور محمد الصباحي أنها أدت إلى أزمة طاقة كبيرة في أوروبا وتزامنت مع اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط مما جعل من موضوع استخراج ونقل الغاز الطبيعي من المنطقة إلى أوروبا حلًا محتملًا لأزمة الطاقة ووسيلة لتنويع مصادر الغاز ونتيجة لذلك اختارت أوروبا استيراد الغاز الطبيعي من البحر الأبيض المتوسط كما يتضح من مذكرة التفاهم بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل بشأن التعاون في التجارة والنقل وتصدير الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي والتي تم توقيعها خلال اجتماع لمنتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط في القاهرة لافتًا إلى أن هذه المذكرة تؤكد أهمية المنتدى كمنصة لتعزيز التعاون في مجال الطاقة وتسلط الضوء على إمكانية أن تلعب المنظمة دورًا رئيسيًا في تسهيل تصدير الغاز الطبيعي من البحر الأبيض المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي.

تراجع ملحوظ

وأشار الدكتور محمد الصباحي إلى أنه نظراً للطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في أوروبا وسياسة تنويع مصادر الغاز إلى جانب الاحتياطيات الكبيرة لهذا المورد في المنطقة من المتوقع أن تتزايد أهمية أنشطة منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط في السنوات القادمة موضحًا أنه فيما يتعلق بمصر فقد شهدت تراجعًا ملحوظًا في صادرات الغاز الطبيعي المسال وصولًا إلى وقف التصدير بل واستيراد شحنات من الغاز لسد العجز بين الإنتاج والاستهلاك المحلي ومع ذلك لا يحد هذا من دور مصر كمركز لتصدير الغاز المستورد من حقول الدول المجاورة إلى الاتحاد الأوروبي بعد خضوعه لعمليات إسالة في المحطات المحلية.

زيادة التعقيدات

وفيما يتعلق بتأثير الأحداث الراهنة في المنطقة على إمدادات الغاز والأضرار التي وقعت على المنتدى بسببها يقول الدكتور محمد الصباحي أن منطقة شرق المتوسط تشهد تحولات كبيرة في مجال الطاقة وزادت التعقيدات بسبب الأحداث الراهنة وخاصة العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وأحد الآثار المباشرة لهذه الأحداث هو تخفيض إسرائيل لصادرات الغاز إلى مصر وهذا الوضع يكشف عن هشاشة التعاون الإقليمي في مجال الطاقة حيث يمكن للغاز أن يصبح أداة في الصراعات السياسية لافتًا إلى أن التوترات الناتجة عن العدوان على غزة ولبنان تسببت في إلغاء زيارة وزير الطاقة التركي إلى إسرائيل وإعلان تركيا تعليق جميع خططها للتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة مثل التنقيب المشترك عن الغاز وتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا وهذه القرارات تعكس تأثير الأحداث الجارية على الاستثمارات في قطاع الطاقة في شرق المتوسط حيث تراجعت ثقة المستثمرين مما يجعل من الصعب جذب الشركات الكبرى للاستثمار في قطاع الغاز الطبيعي ويؤدي إلى تأخير عمليات الاستكشاف والإنتاج.

النزاعات البحرية

وتحدث الدكتور محمد الصباحي عن التحديات التي تواجه قطاع الغاز في المنطقة مشيرًا إلى أنها تحديات كبيرة أبرزها النزاعات حول الحدود البحرية التي تعرقل استكشاف واستغلال احتياطيات الغاز الطبيعي وهذه النزاعات تعود إلى التداخلات في المناطق الاقتصادية الخاصة بين الدول حيث تعقد الاتفاقيات المتعلقة بالحدود البحرية بموجب قانون البحر الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 واتفاقية عام 1994 لكن عدم تصديق بعض الدول مثل تركيا وسوريا والكيان الصهيوني على هذه الاتفاقية يعقّد تحديد الحدود بدقة مما يزيد من التوترات ويؤثر على استقرار المنطقة كما أن غياب تعريف واضح للحدود البحرية قد يؤدي إلى عدم اليقين والتوتر بين هذه الدول والدول المجاورة بشأن بحرها الإقليمي والمناطق الاقتصادية الخاصة والأرصفة القارية نتيجة لذلك غالباً ما تضطر دول شرق البحر الأبيض المتوسط إلى اللجوء إلى أساليب بديلة لحل النزاعات البحرية مثل المفاوضات أو الوساطة التي قد تكون أكثر تعقيدًا وتكلفة واستغراقًا للوقت والتي غالبًا ما تفشل في حل النزاع.

التعاون الإقليمي

وأضاف الدكتور محمد الصباحي قائلًا: أن البعض من دول شرق المتوسط لجأ إلى التفاوض لحل هذه النزاعات على سبيل المثال وقعت قبرص ومصر أول اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في 2003 تلتها اتفاقية بين قبرص ولبنان في 2007 إلا أن لبنان لم يصدق عليها وفي عام 2010 أبرمت إسرائيل اتفاقية مع قبرص بعد اكتشاف حقول غاز ضخمة كما تم التوصل إلى اتفاق بوساطة الولايات المتحدة بين لبنان وإسرائيل في 2022 لحل نزاعهما الحدودي البحري رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما ورغم هذه الاتفاقيات ما زال العديد من النزاعات البحرية غير محلولة مما يعرقل التعاون الإقليمي ويؤثر على تطوير البنية التحتية واستغلال موارد الغاز.

إطار قانوني

وأشار الدكتور محمد الصباحي إلى أنه بالإضافة إلى التحديات التي تواجه قطاع الغاز في شرق المتوسط فإن منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط يواجه تحديات خاصة به أحد أبرز هذه التحديات هو افتقاره إلى إطار قانوني ملزم إذ لا يمتلك المنتدى سلطة فرض قواعد أو تنظيمات على أعضائه فيما يتعلق باستكشاف الطاقة والتجارة والنقل في المنطقة كذلك لا يملك المنتدى آلية فعالة لحل النزاعات بين أعضائه مما يحد من قدرته على التعامل مع قضايا الطاقة بفعالية وعلى الرغم من وجود أعراف دولية وعرفية فإنها غالباً ما تكون غير كافية لمعالجة جميع المسائل الطاقوية المعقدة في البحر الأبيض المتوسط لافتًا إلى أن منظمة التجارة العالمية واتفاقياتها بالرغم من تناولها لبعض الجوانب المتعلقة بتجارة الطاقة إلا أنها ليست متخصصة في هذا المجال ولا تغطي احتياجاته الخاصة بالكامل كما أن المنتدى يفتقر إلى حماية شاملة للاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة نظرًا لعدم وجود اتفاقيات ثنائية للاستثمار (BITs) بين العديد من أعضائه وهذا النقص يحد من الأمان القانوني ويقلل من جاذبية المنطقة للمستثمرين الدوليين مما يعيق تطوير القطاع بشكل مستدام.

إمكانات هائلة

ودعا الدكتور محمد الصباحي إلى النظر في توسيع نطاق المعاهدة لتشمل الطاقة المتجددة لما للمنطقة من إمكانات هائلة للطاقة المتجددة خاصة في مجالات الطاقة الشمسية والرياح وفرص توليد الهيدروجين الأخضر وأيضاً دمج الطاقات المتجددة يحسن استدامة البيئة ويمكن المنتدى على كسب مزيداً من الاحترام والشرعية على المدى الطويل خاصةً في ظل تحول العالم نحو استخدام مصادر طاقة أكثر نظافة وأقل تلويثًا وسيترتب على ذلك جذب مزيد من الاستثمارات والتعاون من دول أخرى ومنظمات دولية مهتمة بقطاع الطاقة المستدامة مشيرًا إلى أن تطوير مشاريع الطاقة المتجددة يمكن أن يدعم النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل جديدة مما يعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *