ليس المسار الوحيد الذي تعمل عليه مصر لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة
قال الدكتور حافظ سلماوي أستاذ هندسة الطاقة بكلية الهندسة جامعة الزقازيق الرئيس الأسبق لتجمع منظمي الطاقة لدول حوض البحر المتوسط أن منتدى غاز دول شرق المتوسط كان يسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهدافه ولكن ماحدث في الفترة الأخيرة من التوترات السياسية عطله كثيرًا فرغم أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا كان من نتائجها أن أوروبا بحثت عن مصادر بديلة للغاز الروسي وكان أمام دول منتدى غاز شرق المتوسط فرصة تاريخية لاستغلال ذلك إلا أن الكميات القليلة المتوفرة من الغاز لدى دول المنتدى لم تساعد على ذلك إضافة إلى أن بعض المصالح لأمريكا وقفت أمام مد خط غاز دول منتدى شرق المتوسط الخارج من إسرائيل سواء لإرضاء تركيا أو لتحقيق مصالح اقتصادية لأمريكا التي تريد تصدير غازها إلى أوروبا بحيث لا يكون هناك منافسون لها خصوصًا وأن أمريكا تصدر غاز مسال وهو أرخص من غاز شرق المتوسط الذي يصدر من خلال الأنابيب.
وأوضح سلماوي في لقاء مع “البورصجية” أن المصالح والتوجهات السياسية تؤثر على الدور الذي يلعبه المنتدى حيث أن مشاركته في سوق الغاز العالمي أصبحت متواضعة وفي سوق الغاز الأوروبي أكثر تواضعًا فما تمرره إسرائيل لنا في حدود 5 ملايين متر مكعب ونحن كنا نصدر في حدود 5 ملايين متر مكعب في عام 2022 وكان يتوقع أن يزداد هذا الرقم لو أضيف إليه الغاز المستخرج من غزة ومن لبنان وهذا الرقم بالنسبة لأكثر من 155 مليون متر مكعب تستوردها أوروبا ضعيف جدًا وبالتالي لا يمكن للمنتدى أن يكون لاعبًا أساسيًا في سوق الغاز العالمي والأوروبي مشددًا على أن الظروف الراهنة والتوترات الحالية في المنطقة أثرت قطعًا بالسلب على دور منتدى غاز شرق المتوسط وبالتالي أثرت على سعي مصر في أن تصبح سوقًا لتحديد أسعار الغاز مثل سوق هولندا وسوق بريطانيا.
وأشار سلماوي إلى أن التوقعات كانت تشير إلى المضي قدمًا في تنمية موارد الغاز الموجودة في غزة باعتبار فلسطين عضوًا في المنتدى وكذلك استغلال الغاز في سوريا ولبنان مع ترسيم الحدود بينهما وبين إسرائيل حيث يوجد بهما احتياطات واعدة من الغاز الطبيعي إضافة إلى استكمال مشروع ربط خط الغاز بين إسرائيل واليونان إلا أن الظروف الإقليمية في المنطقة أثرت على ذلك وتعطلت الكثير من المشاريع والأفكار وتراجع الدور الذي كان يأمل أن يقوم به المنتدى لافتًا إلى أنه عندما تتحسن الأمور مستقبلًا وتهدأ الأوضاع السياسية والأمنية وتبدأ الشركات الدولية في التعاقد والبحث والتنقيب واستخراج الغاز ربما يسترد المنتدى قوته ويحقق أهدافه التي يصبو إليها.
وأكد سلماوي أن المنتدى بإمكانه أن يلعب دورًا في المستقبل على المستوى الإقليمي في ظل إمكانيات الغاز الكبيرة التي تتمتع بها دول شرق المتوسط والتي لم تكتشف كلها بعد ويحتاج التنقيب عليها واستخراجها إلى تذليل العقبات والتعامل مع التهديدات الأمنية والظروف السياسية مع أهمية أن يسمح لدولة مثل فلسطين العضو في المنتدى أن تستفيد من غازها الموجود على أرضها لافتًا إلى أن هذا قد يتأخر جدًا وعليه العديد من علامات الاستفهام حتى إمكانية انضمام لبنان إلى المنتدى في المستقبل القريب بعد ترسيم حدودها مع إسرائيل أصبح في ظل الحرب والأوضاع الراهنة والتوترات على الحدود بين البلدين بعيد المنال إضافة إلى المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها منشآت الغاز نتيجة هذه الصراعات والتهديدات.
ويرى سلماوي أن فكرة المنتدى ليست شراء وبيع الطاقة وإنما أن تكون مصر لاعبًا رئيسيًا ومركزًا إقليميًا للطاقة في مجال الغاز الطبيعي وأن تصبح نقطة تجميع وربط بين دول شرق المتوسط وهذا الدور نجحت مصر في تحقيقه مشيرًا إلى أن اختيار القاهرة مقرًا للمنتدى أضاف إلى وزن وثقل مصر في المنطقة كذلك أصبح لها حصة في تصدير الغاز وإن لم تكن كبيرة لافتًا إلى وجود مشكلة تواجه مصر في الوقت الراهن في موضوع الغاز تتعلق بعدم استقرار الإنتاج والتوجه نحو شراء الغاز بسبب الحاجة الشديدة إليه وهذا الوضع ربما يستمر فترة من الزمن وهذا يؤثر على دور مصر وأهدافها التي تسعى إلى تحقيقها من عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط.
وفيما يتعلق باستفادة مصر من الأزمة الجيوسياسية التي شهدتها أوروبا بعد نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا قال سلماوي أن هذا حدث في عام 2022 وامتد خلال عام 2023 حيث حدث تطور في صادرات مصر للاتحاد الأوروبي من خلال المنتدى خصوصًا في ظل الدعم الكبير الذي كان يقدمه الاتحاد الأوروبي وأمريكا للمنتدى الذي كان أحد أهدافه ادماج إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا بين دول المنطقة ولكن خلال العام الحالي 2024 وبسبب النقص في إنتاج الغاز والمشاكل الفنية في عمليات الإنتاج والتخوف من عدم القدرة على تلبية الاحتياجات التصديرية قلت استفادة مصر ودول شرق المتوسط من التصدير المباشر للغاز أو تمريره والحصول على رسوم وإعادة تصديره لافتًا إلى أن مصر كما هي منتج كبير للغاز الطبيعي فهي أيضًا مستهلك كبير.
ولفت سلماوي إلى أن أوروبا استقرت في قضية الغاز وتجاوزت الأزمة التي تسببت فيها الحرب بين روسيا وأوكرانيا كما أنها وصلت إلى قناعة بأن المستقبل ليس للغاز وأنهم يستخدمونه لفترة من الزمن باعتباره أقل تكلفة من البترول ولا يريدون التوسع في التعاقد على استيراده وإنما يسعون إلى الطاقة المتجددة وخصوصًا الهيدروجين الأخضر الذي نشأت فكرته وتشكلت استراتيجيته عام 2020 بعد فكرة إنشاء غاز شرق المتوسط عام 2019 حيث لم يكن الهيدروجين مطروحًا بهذه القوة لافتًا إلى أن التطور الذي حصل في التركيز على الهيدروجين الأخضر فرض تحديًا كبيرًا على منتدى غاز شرق المتوسط ولا بد أن نقر ونعترف بذلك وإن كان المنتدى كانت أهدافه موزعة مابين الاقتصادية والسياسية فهو اطار سياسي لإحداث نوع من التعاون الاقتصادي وأعتقد أنه يواجه صعوبات في تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية.
وشدد سلماوي على أن منتدى غاز شرق المتوسط ليس هو المسار الوحيد الذي تعمل عليه مصر لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة ودورها لا يتوقف عليه حيث هناك مسارات أخرى فمصر لديها إمكانيات ضخمة لتصدير الطاقة المتجددة أكبر من الغاز الطبيعي منها إنتاج وتصدير الطاقة الكهربائية من خلال الخطط الخاصة بالربط بين مصر واليونان وإيطاليا وأيضًا الخطة الاستراتيجية للهيدروجين الأخضر التي أقرت العام الحالي حيث تسعى مصر لأن تصبح لاعبًا عالميًا وتتجاوز حصتها من 5% إلى 8% من إجمالي السوق العالمي للهيدروجين الأخضر وهذا مسار تتحرك فيه مصر موضحًا أن مصر تحتاج إلى خط ربط وأنابيب لنقل الهيدروجين لأن فكرة إسالته مثل الغاز في المحطات المتخصصة عملية مكلفة جدًا خصوصًا للمسافات القصيرة لافتًا إلى تحقيق الطموحات المصرية فيما يخص الهيدروجين الأخضر يحتاج بعض الوقت حيث أن الاستراتيجيات الأوروبية الخاصة بالهيدروجين الأخضر ماتزال في بداية تشكيلها فالنوايا موجودة والإجراءات قيد البحث والتنفيذ.
وحول الأسباب التي تمنع مشاركة دول أخرى في المنتدى وتوسيعه قاعدته قال سلماوي أن هناك دولًا كثيرة مرشحة للانضمام إلى المنتدى في المستقبل مع حدوث الاستقرار السياسي والأمني مثل لبنان وسوريا فالمنتدى من أهم أهدافه التعاون بين الدول ويرحب بانضمام أي دولة تؤمن بأهدافه وتلتزم بشروطه لتحقيق منافع مشتركة داعيًا إلى تطوير فكرة منتدى غاز شرق المتوسط ليشمل الهيدروجين الأخضر إلى جانب الغاز أو خلط الغاز الطبيعي بالهيدروجين الأخضر للتصدير وبالتالي يمكن للمنتدى الاستغناء عن بعض الدول التي لا يحتاج إليها ولا يوجد لديها هيدروجين أخضر وضم دول أخرى تساعده في النجاح وتحقيق أهدافه.