في يوليو الماضي، اشتكت وزارة الكهرباء، من تفاقم ظاهرة سرقة التيار الكهربائي وتطوّر أساليبها، على نحوٍ صار يُهدر ما يقارب ثلث إنتاجها.
هذا التطور في حيل سرقة الكهرباء، وصفه المتحدث باسم الوزارة، أيمن حمزة، بـ”الفظيع”، موضحا أن “سرقة الكهرباء سابقا كانت تتم بوضع كيس ملح فوق العداد التقليدي، أما الآن ومع تطور التكنولوجيا ووجود العدادات المسبقة الدفع، فقد تطورت طرق السرقة، إذ يمكن أخذ توصيلة من وراء العداد، ويمكن اختراق العداد نفسه”.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، صرّح بأن التقرير الدوري الذي يتلقاه من وزير الكهرباء، يظهر أن حالات السرقة تبلغ مليون حالة كل شهر”، مضيفا أن عدد حالات السرقة التي رصدتها الأجهزة الأمنية على مدار ثماني سنوات يقارب 70 مليون واقعة”.
وفي تصريحات سابقة، قال وزير الكهرباء السابق محمد شاكر، إن “المتوسط السنوي في السنة الأخيرة في غرامات سرقة التيار، وصل إلى ملياري جنيه مصري”. في حين قدّر مصدر مسؤول بوزارة الكهرباء، الخسائر الناتجة عن سرقة التيار الكهربائي، بما يتجاوز 15 مليار جنيه سنويًا.
ولفت المصدر إلى أنه بالإضافة إلى الخسائر المباشرة التي تنتج عن سرقة التيار، هناك أيضًا خسائر غير مباشرة تتضمن تلف المعدات والمحولات وزيادة في الأعطال الكهربائية في المناطق المتأثرة.
وأوضح أن هذه الخسائر غير المباشرة تنجم عن وجود وصلات غير فنية وتعديلات غير قانونية على الشبكات الكهربائية، مما قد يؤدي إلى حوادث كهربائية خطيرة مثل الحرائق وتلف الأجهزة الكهربائية داخل المباني والمنشآت، ويضعف جودة التيار الكهربائي المقدم للمواطنين والشركات على حد السواء.
عدادات ذكية
إزاء هذا التطور، وجه رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، بضرورة العمل على مواجهة سرقات الكهرباء، ولهذا، قررت الحكومة التصدي لهذه الظاهرة من خلال حملات توعية على مواقع التواصل ووسائل الإعلام، وتركيب عدادات ذكية لحساب كمية الفاقد بدقة بكل منطقة، وإعداد تشريع جديد لتغليظ العقوبة على سارقي التيار.
وأوضح مصدر مسؤول أن الحل الوحيد والمضمون للقضاء نهائيًا على ظاهرة سرقة التيار هو استكمال خطوات بناء شبكة توزيع ذكية شبيهة بشبكة التليفون الأرضي حيث لا يمكن لأحد سرقة خط الهاتف أو التهرب من دفع فواتير الخدمة.
وأشار المصدر إلى أن الوزارة نفذت بالفعل هذا المشروع التجريبي، حيث تم تركيب 250 ألف عداد ذكي على شبكة متكاملة في مختلف مناطق الجمهورية، بمنافسة بين العديد من الشركات العالمية المتخصصة، وبمشاركة شركات محلية.
وقال وزير الكهرباء محمود عصمت، إن الوزارة تعمل على استخدام عدادات متطورة بأماكن التوزيع لتحديد الفاقد من الناحية الفنية، مشددا على أن التشريع الجديد سيتضمن تغليظ العقوبة على سرقة التيار.
وأكد البدء في تركيب عدادات حساسة للجميع للقضاء على الفاقد الذي يصل إلى 25% و30%، مؤكدًا أن هذا الأمر لن يستمر وأن الوزارة ملتزمة بتحسين الخدمة وتقليل الفاقد إلى أقل درجة ممكنة.
من جهته، قال نائب رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، محمد السيسي، إن الشركة تعمل على معالجة مشكلة سرقة الكهرباء من خلال تركيب عدادات ذكية لمراقبة استهلاك الكهرباء.
وتساعد هذه العدادات في تحديد مواقع سرقة الكهرباء واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقفها، وفقا للسيسي الذي كشف عن وضع خطة لخفض نسبة الفقد غير الفني للكهرباء والتي تُعزى بشكل رئيسي إلى سرقة التيار من 17% حاليًا إلى 12% خلال العام المقبل.
وأشاد الدكتور محمود عصمت بنموذج “عداد الخفير” الذي تستخدمه شركة اللإسكندرية لتوزيع الكهرباء منذ عام 1994 لمواجهة سارقي التيار.
وعداد الخفير أو العداد المجمع كما يطلق عليه، هو عداد يُستخدم بالعقارات المخالفة التى تعتمد على وصلات غير قانونية أو بالمناطق التى يرتفع بها نسبة الفقد التجاري.
ويوضع العداد داخل لوحة التوزيع الخاصة بكل عقار ليحسب الفرق بين الطاقة المستهلكة فعليًا والطاقة المحتسبة، ومن هنا يعرف الفاقد الذي أهدر بطريقة غير قانونية.
حملات توعية
أطلقت وزارة الكهرباء والشركة القابضة للكهرباء، في يوليو، حملة مكثفة تحت شعار “علشان كل ما تقل السرقات، هنشوف النور أكتر”، لتوعية المواطنين بأهمية الإبلاغ عن حالات سرقة الكهرباء ودورهم الفعال في تقليل هذه الظاهرة التي تؤثر سلبًا على استقرار النظام الكهربائي.
وشددت الوزارة على سرية البيانات التامة للأفراد الذين يبلغون عن حالات السرقة، حيث يتم التواصل معهم عبر رسائل على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة.
وقد لاقت هذه الحملة تفاعلا واسعا من المواطنين، إذ كشفت وزارة الكهرباء عن تلقيها أكثر من 10 آلاف بلاغ منذ انطلاق الحملة.
ويُعاقب كل من يستولي بغير حق على التيار الكهربائي بالحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين.
ورأى رئيس “جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك” السابق في مصر، حافظ سلماوي، أن تشديد عقوبات سرقة الكهرباء “إجراء مطلوب للتصدي للظاهرة”، لكنه “غير كافٍ، ويجب أن يأتي بعد تفعيل الإجراءات الفنية لمواجهة وقائع السرقة وتطوير آليات ضبط المخالفين”.
وطالب سلماوي، بتطوير آليات مراقبة استهلاك الكهرباء من خلال “زيادة تركيب العدادات الذكية، وتكثيف حملات (كشافي) الكهرباء، وتشديد حملات الرقابة والضبطية القضائية في المناطق السكنية الشعبية”.
لكنّ عضو مجلس النواب، محمد بدراوي، يعتقد أن تشديد عقوبات سرقة التيار الكهربائي “إجراء كافٍ لمواجهة الهدر في الإنتاج، بجانب الإجراءات الأخرى المتعلقة بالرقابة على الاستهلاك”.
وطالب بضرورة “تكثيف حملات التوعية الشعبية للمواطنين بأضرار سرقة الكهرباء”، مشيراً إلى أن “الحكومة تنظم بعض الحملات، ويجب أن يصاحبها وعي شعبي لمنع إهدار الكهرباء”.
أسباب السرقة
عن الأسباب التي تدفع المواطنين إلى سرقة التيار، قال عضو المجلس، محمد الجبلاوي، إن سبب انتشار هذه الظاهرة يعود إلى تزايد أسعار السلع والخدمات على المواطنين محدودي الدخل بشكل دفع بعضهم إلى حيل لسرقة التيار.
وأكد الجبلاوي في الوقت نفسه أنه ليس هناك مبرر للسلوكيات الخاطئة، ومن الأفضل العمل على ترشيد الاستهلاك؛ خاصة أن تكلفة إنتاج الكهرباء في مصر مرتفعة، وتباع للمواطنين بأسعار ما زالت مدعومة رغم ارتفاعها.