أثار إعلان الحكومة عن نيتها تشكيل لجنة “تصفية الأصول” بهدف تحقيق عوائد مالية للخزينة العامة من خلال بيع الأصول المملوكة للدولة، جدلا واسعا ومخاوف من عواقب هذه الخطوة.
وتختلف اللجنة المقرر إنشاؤها عن برنامج “الطروحات الحكومية” الذي تعهدت فيه الحكومة بطرح حصص في 32 شركة (حكومية) للبيع، في 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا.
وبحسب وثيقة “ملكية الدولة”، تستهدف الدولة إنشاء لجنة لتصفية الأصول تتبع وزارة المالية تستهدف تحقيق ما بين 20 إلى 25 مليار جنيه سنويًا للخزينة من عائدات التخارج خلال الأعوام المقبلة.
ويكشف برنامج عمل الحكومة عن نيتها توجيه ما يعادل 1 بالمئة من الناتج المحلى الإجمالي من حصيلة برنامج الطروحات والتخارج من الأصول إلى خفض الدين الحكومي، إذ تقول الحكومة في برنامجها إنه ضمن خطتها لتحرك الدين العام في مسارات قابلة للاستدامة فإنها تعتزم الاستمرار فى توحيه حصيلة الفائض الأولى واستخدام جزء من حصيلة التخارج وبرنامج الطروحات الحكومية لزياة إيرادات الموازنة لخفض حجم الاقتراض الحكومى.
وأكد البرنامج عدم استخدام الحصيلة المتحققة من بيع الأصول في إنشاء شركات جديدة تكون ملكيتها للدولة وأجهزتها أو لزيادة القاعدة الرأسمالية للشركات المملوكة للدولة.
ماذا عن “الطروحات”؟
الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد وافق عام 2022، على وثيقة “ملكية الدولة” التي تتيح للحكومة الدولة التخارج من 62 نشاطا، فيما سيتم تثبيت أو تخفيض الاستثمارات الموجهة لـ 56 نشاطا، و76 نشاطاً سيتم تثبيت أو زيادة الاستثمارات الموجهة لها.
الوثيقة اشتملت كذلك على عدد من بدائل تنفيذ سياسة ملكية الدولة، وتشجيع القطاع الخاص ومن بينها طرح الأصول المملوكة للدولة من خلال البورصة المصرية؛ لتوسيع قاعدة الملكية، سواء بشكل كلي أو جزئي، وضخ استثمارات جديدة للقطاع الخاص في هيكل ملكية قائم للدولة عبر دخول مستثمر استراتيجي، أو زيادة مشاركة القطاع الخاص في هيكل الملكية.
وبالفعل تخارجت الحكومة من أصول بنحو 5.6 مليار دولار قبل عامين منذ إطلاق برنامج الطروحات في مارس 2023، وفق ما قاله وزير المالية السابق محمد معيط، الذي أوضح أن الحكومة تستهدف عوائد تصل إلى 6.5 مليار دولار من البرنامج بنهاية 2024.
وقال الوزير إنه سيتم توجيه الفائض الأولي ونحو 50 في المائة إيرادات برنامج الطروحات لخفض الدين وخدمته بشكل مباشر وبدء مسار خفض دين الحكومة وأعباء خدمته؛ بما يتسق مع مستهدفات وضع معدل الدين للناتج المحلي في مسار نزولي وبدء خفضه لأقل من 80 في المائة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وتستهدف الحكومة الانتهاء من صفقتين على الأقل من صفقات بيع حصص في شركات تابعة لها ضمن برنامج الطروحات الحكومية قبل نهاية العام الحالي، وفقا لمسؤول حكومي قال لشبكة “سي.إن.إن”، إن من المستهدف جمع ما يزيد على مليار دولار من الصفقات الحكومية المخطط التوصل إليها، لكنه يعتقد أن “من الصعب الآن الوصول إلى المستهدفات السابقة والخاصة بجمع نحو 6.5 مليار دولار خلال العام الحالي”.
وفي تصريحات تلفزيونية، أمس الخميس، قال المتحدث باسم مجلس الوزراء المستشار محمد الحمصاني، إن برنامج الطروحات الحكومية مستمر في إطار الحرص على تنفيذ وثيقة سياسية ملكية الدولة، وتحقيق أرباح للدولة.
في أعقاب الإعلان عن تشكيل “لجنة تصفية الأصول”، انتشر مقطع صوتي يتحدث عن اعتزام الدولة بيع قناة السويس مقابل تريليون دولار، إلا أن الحكومة نفت ذلك في بيان رسمي قالت فيه إن قناة السويس ستظل مملوكة بالكامل للدولة وتخضع لسيادتها، سواء في إدارتها أو تشغيلها أو صيانتها.
وأوضحت هيئة قناة السويس، أنه لا يمكن المساس بالقناة أو أي من مرافقها المُصانة دستورياً بموجب المادة 43 من الدستور المصري التي تنص على “التزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها والحفاظ عليها بصفتها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة باعتباره مركزا اقتصاديا مميزا”.
مخاوف من آثاره
أثار الحديث عن لجنة “تصفية الأصول” مخاوف عدة، من أنها قد تشكل خطرا على مستقبل البلاد أكثر مما تنفع الاقتصاد، وفي ذلك قال الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن في منشور على منصة “إكس” مرفقا معه خبر تشكيل اللجنة “نبيع لحمنا الحي، وكنا في غنى عن ذلك، ولو لم ندر ظهرنا للعلم والرشد”.
وفي تصريحات سابقة، اعتبر نائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشيوخ، طارق عبد العزيز، أن “بيع الأصول ليس اقتصادًا”، قائلا إنه “لا يمكن لدولة أن تعيش على بيع أصول، فهذا ليس اقتصادا، زمان كان عندنا في الفلاحين في البطاقة كان يقول لك صاحب أعيان أو صاحب أطيان، مهنة ليست بمهنة مستحيل أقدر أعيش على بيع الأصول”. كشف الدكتور مصطفي مدبولي حقيقة بيع اصول الدولة، مؤكدًأ أن الحكومة اعلنت عن سياسة ملكية الدولة في الفترة الماضية واستغلال الاصول غير المستغلة مشيرا الي ان الدولة تستغل هذه الاصول ولا تبيعها.
أما النائب أيمن محسب، فقد ثمن اتجاه الحكومة نحو تصفية الأصول، بما يمكنها من تحقيق عوائد تقدر بـ٢٥ مليار جنيه سنويا لصالح الخزانة العامة للدولة، مشيرا في تصريحات صحفية إلى أن قضية الدين العام من القضايا الحساسة لما لها من تأثير مباشر على الأجيال الحالية والقادمة لذلك من الضروري توفير الموارد الحكومية اللازمة لخفض عجز الموازنة ومن ثم لا تضطر الحكومة للاستدانة.
من جهته قال النائب مصطفى بكري، إن الدكتور حسن الخطيب وزير الاستثمار، أكد أن هدف الوزارة ليس بيع أصول الدولة؛ بل تعظيم العائد على الاستثمارات من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، أو عبر خصخصة الإدارة. وأضاف أن الخطيب شدد على ضرورة الحفاظ على الأصول الاستراتيجية للدولة والاحتفاظ بها للأجيال المقبلة.
وإزاء بعض الانتقادات من النواب، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي “إننا ندخل في شراكات مع القطاع الخاص وليس بيع هذه الأصول لاستغلالها فقط وإعادة تشغيلها مع القطاع الخاص للحصول علي عائد وأرباح وتوفير فرص عمل”، مؤكدا أن اعتراض بعض النواب علي البرنامج شيء صحي جدا.
ويربط الباحث في الاقتصاد السياسي، وائل جمال، لجوء الدولة إلى تصفية أصولها بحاجتها الماسة إلى سيولة نقدية رغم التدفقات المالية الكبيرة التي تلقتها مؤخرًا، فالفجوة التمويلية ضخمة، والتدفقات المالية لا تصل في يوم وليلة وإنما على دفعات. كما يعتقد أن ذلك يعني تخلي الدولة عن مسؤولياتها تجاه الخدمات المقدمة للمواطن بأسعار مناسبة.