رأى مراقبون أن محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مؤشر على أن الديمقراطية الأمريكية وصلت إلى حالة صعبة.
وتقريبًا اتجهت كل وسائل الإعلام والمعلقين الأمريكيين، في تعليقاتهم على محاولة الاغتيال، إلى القول إن ما جرى يشكل تهديدًا للديمقراطية الأمريكية، بحسب وسائل إعلام محلية أمريكية.
ورغم تأكيد العديد من المسؤولين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري أن “العنف لا مكان له في الولايات المتحدة، وأن ما جرى ليس له تأثير على الديمقراطية الأمريكية”، إلا أن كثيراً من المحللين الأمريكيين يحذرون من أن السياق والأجواء المتوترة هذه، تضع الديمقراطية تحت السؤال المصيري: “إلى أين؟”.
مخاطر العنف السياسي تتصاعد
وتعالت أصوات ديمقراطية وجمهورية تدعو إلى نبذ العنف السياسي في الولايات المتحدة ردًا على حادثة محاولة اغتيال الرئيس دونالد ترامب في بنسلفانيا، والتي أعادت إلى الذاكرة حقبة تاريخية من العنف السياسي كانت أودت بحياة عدد من الرؤساء والشخصيات السياسية في الولايات المتحدة.
وتسلط محاولة اغتيال ترامب الضوء على التهديد القائم الذي يخيم على منصب الرئيس ومن يتولاه أولئك الذين يسعون إليه. كما تنهي فترة ظن خلالها الكثيرون أن خبرة جهاز الخدمة السرية قللت بشكل كبير من احتمالية وقوع مثل هذه الفظائع.
ووقف التاريخ الأمريكي مشاهد العنف السياسي المروعة بمقتل 4 رؤساء أثناء وجودهم في مناصبهم، وحالات اعتداء بالرصاص على نواب منتخبين ومسؤولين سياسيين وحتى على المؤسسات السيادية في البلاد كالهجوم على مبنى الكابيتول من قبل أنصار ترامب نفسه قبل نحو 3 سنوات.
قاتل بلا دوافع
من جهته، أفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بأنّ مُطلق النار تحرّك بمفرده، موضحا أن المحقّقين لم يُحدّدوا حتى الآن “توجها أيديولوجيا” لديه، بحسب بيان.
وقال ريفن روجيك عنصر الشرطة الفيدرالية في بنسلفانيا “تفيد المعلومات التي لدينا بأنّ مطلق النار تحرّك بمفرده”، مشيرًا إلى أن السلاح الذي استُخدم هو بندقية نصف آلية طراز “إيه آر 556” تم شراؤها في شكل قانوني.
من جهته، قال روبرت ولز، مساعد مدير قسم مكافحة الإرهاب في “إف بي آي”، “نحن نحقّق في (الواقعة) باعتبارها محاولة اغتيال، لكننا نحقق فيها أيضا باعتبارها عملا إرهابيا داخليا محتملا”
ماذا حدث؟
ووقعت الحادثة بينما كان الرئيس السابق يُلقي خطابا أمام حشد من مؤيّديه في تجمّع انتخابي في ولاية بنسلفانيا السبت، ما من شأنه أن يزيد حدّة التوتر السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة في نوفمبر.
وسارع عناصر جهاز الخدمة السرّية إلى اصطحاب ترامب (78 عامًا) إلى خارج موقع التجمّع، بينما كان الدم يسيل على وجهه. وأثناء إخراجه، رفع المرشح الجمهوري قبضته أمام الحشد في إشارة تحدٍّ، وقال لاحقا “أصِبتُ برصاصة اخترقت الجزء العلوي من أذني اليمنى”.
وقُتل أحد الأشخاص الموجودين في الموقع، بينما أصيب اثنان من الحاضرين بجروح بالغة، فيما قُتل المشتبه به.
وأشار حاكم ولاية بنسلفانيا إلى أن القتيل هو إطفائي سابق اسمه كوري كومبراتور ويبلغ 50 عامًا.
حل الخلافات بالاقتراع لا بالرصاص
ودعا جو بايدن ودونالد ترامب الأمريكيين إلى الوحدة بعد نجاة الرئيس الجمهوري السابق من محاولة اغتيال خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا قال مكتب التحقيقات الفدرالي إنه يعتبرها “عملا إرهابيا داخليا محتملا”.
إلى ذلك شدد الرئيس الأمريكي جو بايدن على الحاجة إلى ” خفض درجة الحرارة في سياستنا”، داعيا الأمريكيين إلى “أن يتذكروا، في حين أننا قد نختلف، إلا أننا لسنا أعداء”، وذلك في أعقاب الهجوم على منافسه الجمهوري دونالد ترامب.
وقال بايدن في خطاب إلى الأمة من البيت الأبيض ليل الإثنين: “في أمريكا، نحل خلافاتنا عبر صناديق الاقتراع، وليس بالرصاص”.
وتابع بايدن: “إن القوة لتغيير أمريكا يجب أن تكون دائما بين يدي الشعب، وليس في أيدي قاتل محتمل”.
وأضاف “كما تعلمون، فإن الطريق إلى المستقبل من خلال الرؤى المتنافسة للحملة يجب أن يتم حله دائما بشكل سلمي، وليس من خلال أعمال العنف”.
كان يفترض أن أكون ميتًا
فيما قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مقابلة مع صحيفة “نيويورك بوست” بعد نجاته من محاولة اغتيال السبت خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا “كان يفترض أن أكون ميتا” مشيرا إلى أنها كانت تجربة “سريالية”.
وأضاف ترامب للصحيفة من طائرته في طريقه إلى ميلووكي لحضور المؤتمر الوطني العام للحزب الجمهوري حيث من المقرر أن يؤكَّد ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر “لم يكن من المفترض أن أكون هنا، كان يفترض أن أكون ميتا”.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب روى “تجربة سريالية” وهو يضع ضمادة بيضاء تغطي أذنه اليمنى.
وتابع ترامب أنه لو لم يمل رأسه قليلا إلى اليمين لقراءة رسم بياني حول المهاجرين غير النظاميين أثناء إلقاء خطابه في التجمع الانتخابي، لكان مات.
وقال “بفضل حسن الحظ أو بفضل الله، كثر يقولون إنني ما زلت هنا بفضل الله”، مشيدا بعناصر جهاز الخدمة السرية لقتلهم مطلق النار.
وأضاف “أردوه برصاصة واحدة بين عينيه. قاموا بعمل رائع. إنه أمر سريالي بالنسبة إلينا جميعا”.
صورة ترامب تحتل صحف العالم
واحتلت صورة ترامب رافعا قبضته بعد إطلاق النار عليه فيما كان عناصر من جهاز الخدمة السرية يرافقونه، عناوين الأخبار في كل أنحاء العالم وانتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال الرئيس الجمهوري السابق للصحيفة “يقول كثر إنها الصورة الأكثر تميزا التي رأوها على الإطلاق. إنهم محقون وأنا لم أمت. عادة يجب أن تموتوا للحصول على صورة مميزة وشهيرة”.
وقال ترامب إنه يعكف على إعادة كتابة الخطاب الذي أعده لإلقائه في مؤتمر الحزب الجمهوري بعد محاولة اغتياله، موضحا أنه أعد “خطابا قاسيا جدا” عن “إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن الرهيبة. لكنني رميته” لاستبداله بخطاب يأمل بأن “يوحد بلادنا”.
إلا أنه أضاف “لكنني لا أعرف إذا كان ذلك ممكنا. الناس منقسمون جدا”.
صدمة دولية
وأثارت محاولة الاغتيال صدمة في أنحاء العالم. وعبّر قادة العديد من الدول في العالم والمنطقة عن الغضب والصدمة، فيما دان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش “بشكل قاطع، عمل العنف السياسي هذا”.
وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج “أدين الهجوم. العنف السياسي لا مكان له في ديمقراطيّاتنا”.