لا تزال أزمة الدواء بمصر تبحث عن علاج لها، فمنذ أشهر وقائمة الأصناف الناقصة في تزايد مستمر، إذ أعلن رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، علي عوف، أن عدد النواقص بلغ ألف نوع تقريبا.
ووقعت سوق الدواء التي تقدَّر بنحو 300 مليار جنيه حسب بيانات رسمية، فريسة لأزمة الصرف ونقص الدولار منذ سنوات، ما أثر سلبا بشدة في مدخلات الإنتاج والمواد الفعالة التي تستورد مصر 90 بالمئة منها من الهند والصين لقلة التكلفة، ما نتج منه ارتفاعات كبيرة في أسعار الدواء واختفاء كميات كبيرة إما بالتخزين والتلاعب، وإما بالتهريب إلى خارج البلاد.
الدكتور عوف، أشار في تصريحات متلفزة، إلى أن السوق المصرية بها 14 ألف نوع من الأدوية، بينها 4 آلاف نوع هو الأكثر شيوعا، وعلى رأس هذه الأدوية الأكثر شيوعا يأتي الألف نوع الناقص.
الأزمة لم تعد تعتمد تأخيرًا أكثر من ذلك، ما دفع رئيس شعبة الأدوية إلى مطالة الحكومة وهيئة الدواء المصرية بالتدخل العاجل لدرء هذه الأزمة التي تهدد صحة المصريين واقتصاد البلاد.
حافة الانهيار
واعتبر عوف أن هذا التحرك العاجل من شأنه “إنقاذ قطاع الدواء من شبح التوقف”، فزيادة تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع سعر الصرف واعتماد قطاع الدواء على استيراد 90 بالمئة من مدخلات الصناعة بالعملة الصعبة مع زيادة سعر الصرف، قد يدفع القطاع إلى حافة الانهيار.
وأضاف أن تكلفة إنتاج بعض أصناف الدواء ارتفعت 300 بالمئة نتيجة تغير سعر الصرف، مؤكدًا أن هذا التغير كان له أثر كبير على صناعة الدواء.
وانتقد رئيس شعبة الأدوية بطء هيئة الدواء في حسم ملف النواقص على الرغم من إرسال التصور والمطالبات من شركات الأدوية خلال الأشهر الأخيرة.
“في كل مرة ترد الهيئة بأنها تدرس الأمر، دون أن تصدر قرارات تؤدي إلى حل الأزمة، التي زادت بشكل رئيسي مع اختفاء أدوية الضغط والسكر خلال الأشهر الأخيرة وهي لعلاج أصحاب الأمراض المزمنة”، على حد قوله.
أصل أزمة الدواء في مصر، وفقا لرئيس جمعية “الحق في الدواء” محمود فؤاد، ينبع من كونه سلعة تخضع لما يُعرف بـ “التسعيرة الجبرية” التي تضعها الحكومة، باعتبارها سلعة استراتيجية مهمة، لا يجوز التخلي عنها، أو تركها لقوى العرض والطلب.
هذه التسعيرة لم تتغير منذ عام 2017، عندما كان سعر الدولار داخل البنوك 18 جنيها، وهناك أكثر من 100 شركة أدوية مُسجَلة لدى البنك المركزي، تنتظر دورها لتوفير الاعتمادات الدولارية اللازمة لها، لتمويل صفقات شراء الأدوية، أو المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من الخارج، بحسب تصريحات صحفية لفؤاد.
الدكتور عوف، قال كذلك إن الدواء من ضمن 3 سلع مسعرة إجباريًا في السوق المصرية، مؤكدا أن سبب الأزمة هو تدبير العملة الأجنبية، وهو ما سبب خسائر للمصانع الكبيرة للأدوية.
وأشار إلى أن بعض شركات الدواء تقدمت بالفعل، بطلبات لهيئة الدواء لرفع الأسعار، في إطار البحث عن حلول للأزمة، مضيفًا أن الهيئة لديها آلية مختلفة لتسعير الأدوية.
كما قال عوف إن زيادة تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع سعر الصرف واعتماد قطاع الدواء على استيراد 90 بالمئة من مدخلات الصناعة بالعملة الصعبة مع زيادة سعر الصرف، قد يدفع القطاع إلى حافة الانهيار.
وأضاف أن “تكلفة إنتاج بعض أصناف الدواء ارتفعت 300 في المئة نتيجة تغير سعر الصرف، مؤكدًا أن هذا التغير كان له أثر كبير على صناعة الدواء.
“هناك طلبات بتحريك أسعار ألف نوع دواء، ولا بد أن توافق هيئة الدواء على تحريك الأسعار”، كما يعتقد الدكتور عوف، الذي جدد تعهده السابق بأنه الأزمة ستنتهي خلال أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر.
تهريب الأدوية
تصريحات رئيس شعبة الأدوية أيضا جددت التحذير من أزمة داخل الأزمة، وهي “تهريب الأدوية”، إذ حذّر من أن نقص الأدوية سيؤدي إلى زيادة الأدوية المهربة والمغشوشة، ما يهدد صحة وسلامة المواطنين، مؤكدا أن قطاع الدواء يمثل أمنًا قوميًا، وأن أي تهديد له سيكون له تبعات غير مسبوقة على صحة المصريين.
وأضاف أن السوق تعاني من تهريب الأدوية خارج البلاد، بسبب تدني الأسعار مقارنة بالأسعار العالمية، مشيرًا إلى أن هامش ربح الشركات من الأدوية يصل إلى 20 بالمئة تقريبًا.
وكان عوف سلط الضوء على هذه المشكلة في فبراير الماضي، ذكر فيها أن تهريب الدواء المصري إلى الخارج “ليس وليد اليوم، بل طالما حدث، وليس فقط إلى السودان وليبيا، بل إلى دول الخليج”.
وشدد على أن صناعة الدواء لها ضوابط، وتتم تحت رقابة هيئة الدواء، بداية من المادة الخام، وحتى إنتاج الدواء وتوصيله للصيدليات، مؤكدا أن التهريب لا يؤثر على مخزون الدواء، إلا أنه عاد ليؤكد في تصريحاته الحاليّة أن السوق المصرية تعاني من التهريب.
وقال عوف حينها أيضا إن “الفترة الماضية شهدت رصد كميات من الأدوية المجهولة المصدر يتم تبادلها في دول الجوار”، موضحًا أنّ هيئة الدواء على علم بكل جرام من الأدوية في مصر، وإذا لاحظت أي معدلات سحب لأي موزع أو مصنع أو صيدلية، فإن تجري تفتيشًا فوريا وتتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن.
“الأدوية التي تباع على الأرصفة في دول السودان أو ليبيا، من الممكن أن تكون غير مهربة من مصر، ولكن قد تكون مغشوشة المصدر” على حد قوله.
تدمير ممنهج
من جهته، أكد الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة الصيادلة، أن معظم الشركات وفرت السيولة اللازمة لسداد ثمن فرق سعر الصرف للإفراج عن المواد الخام، مشيرا إلى أن ذلك ساهم في توفير الدواء.
وقال في تصريحات متلفزة إن أسعار الدواء في مصر لا تزال الأرخص في العالم، وذلك مقارنة بأسعار دول العالم، مع أن 90 بالمئة من المواد الخام للأدوية تأتي من الخارج.
لكنّ الأمين العام للشعبة العامة للصيدليات في الاتحاد العام للغرف التجارية، الدكتور حاتم البدوي، حذر في تصريحات متلفزة من تدمير ممنهج لسوق الدواء، إذ إن “النواقص الكبيرة” تؤدي إلى تعثر أغلب الصيدليات وتهدد استمرارها.
وانتقد البدوي أداء هيئة الدواء الرقابي، إذ تركت السوق دون ضوابط، على عكس وزارة الصحة التي كانت تقوم بالرقابة والإشراف في السابق، معتبرًا أن المُصنِّع والموزّع دمروا اقتصادات الصيدلي تحت أعين الجهة التنفيذية (هيئة الدواء).
وذكر أن الأسعار أخذت تتزايد فيما كان رأس مال الصيدلية يتآكل بشكل كبير، فكل صيدلي يضخ شهريا أموالا إضافية ليحافظ على المخزون لديه، وما فاقم المعاناة أن ذلك يتزامن مع ارتفاع الأجور والإيجارات ومصروفات التشغيل، بجوانب النواقص القائمة.
“الصيدليات ليس فقط تعاني لكنها أيضا تئن، وهذه المعاناة مستمرة منذ 2017، وقت أن صدر قرار بيع الدواء بأكثر من سعر. الأدوية سلعة أمن قومي ويجب أن يُباع بسعر واحد، لكنّ الدواء حاليا يمكن أن يُباع بأكثر من ثلاثة أسعار” وفق قوله.