مصر

سامي أبو العز يكتب: الأنفاق تاريخ من الانتصارات العسكرية عبر الأزمنة

الأنفاق.. كلمة سر كبيرة في المعركة بين اليهود والغزيين، ورقم فاصل في حسم مصري المعركة، بل إنها مدرسة جديدة في تكتيكات الحرب أفقدت إسرائيل صاحبة العتاد والعدة وترسانة الأسلحة العسكرية، التوازن وأطالت أمد المعركة التي باتت على مشارف شهرها الخامس، وكبدت الاحتلال خسائر كبيرة كون جيشه النظامين غير معتاد على الحروب داخل الأنفاق.

أنفاق غزة وليدة العصر الحديث أوجدتها الحاجة والصراعات، لكن المؤرخين يؤكدون أن هناك العديد من الأنفاق عبر الأزمنة الفائتة وعلى الرغم من اختلافهم على أقدمها إلا أننا نعرض بعضها خلال السطور التالية، لكن اللافت أن فلسطين مدينة الأنفاق احتلت رقما مميزا في الصدارة التاريخية ويبدو أن المدينة الباسلة سيبقى اسمها مقرونا بالأنفاق على مر التاريخ حتى وإن اختلفت الأسباب.

«بلعما» يعد أقدم نفق في العالم وفقا لبعض المؤرخين، ويزين المدخل الرئيسي لمدينة جنين شمال الضفة الغربية، وظل الموقع لسنوات طويلة مكبا للنفايات إلى أن أعيد ترميمه ووضعه على الخريطة السياحية في فلسطين، ويعد نفق بلعما المائي من أقدم القنوات المائية على مستوى العالم وتعود حقبته التاريخية لعام 1300 قبل الميلاد، ويبلغ طوله 115 مترا.

في الصين القديمة استخدمت الهندسة المدنية لبناء الجسور والأنفاق، كما استخدموا تقنية «القطع والتغطية» لبناء الأنفاق، ويتضمن ذلك حفر نفق عبر الصخور الطبيعية أو التربة ثم بناء هيكل دعم مؤقت لدعم الصرف أثناء حفر النفق، وبمجرد اكتماله تتم إزالة هيكل الدعم وإغلاق النفق، كما استخدم الصينيون القدماء مواد البناء بما في ذلك الأخشاب والطوب والحجر لإنشاء هياكل قوية ومتينة تتحمل لأكبر فترة ممكنة.

وقد لعبت الأنفاق دورا حاسما في تاريخ البشرية، فكان لها أكثر من استخدام، حيث كانت بمثابة قنوات للنقل والاتصالات والتجارة، كما استخدمت لأغراض عسكرية وطرق هروب سرية أو أماكن للاختفاء.

استخدمت بعض الأنفاق للتنقل مثل سراديب الموتى الشهيرة في باريس، والتي كانت في الأصل عبارة عن محاجر ثم تحولت إلى موقع لدفن ملايين الأشخاص، وهناك أنفاق استخدمت للاتصالات في فيتنام، حيث استخدمها الفيتكونغ أثناء حرب فيتنام للتواصل والاختباء من الأعداء، كما استخدمت بعض الأنفاق لأغراض دينية مثل المعابد الموجودة تحت الأرض في كابادوكيا بتركيا، والتي تم نحتها في الصخور البركانية منذ آلاف السنين.

وقد لعبت الأنفاق دورا كبيرا في تطور الحضارات القديمة خاصة في الوصول إلى مصادر المياه والعمل كممرات سرية، كما استخدمت لأغراض دفاعية وقت الحرب وممرات سرية لنقل القوات والإمدادات، فمثلا تحتوي مدينة دير ينكوبو القديمة في تركيا على شبكة معقدة من الأنفاق كانت تستخدم كملجأ أثناء الحرب.

وفي العصور الوسطى استخدمت الأنفاق لأغراض الهروب والتهريب وممرات سرية للنبلاء وأنشأت لتكون طرق بديلة للتنقل بعيدا عن أعين العدو، كما استخدمت الأنفاق لإخفاء الكنوز والأشياء الثمينة وقت الحرب.

عموما تم اكتشاف العديد من الأنفاق المحفورة في حقب تاريخية مختلفة ومؤخرا منذ سنوات اكتشف أقدم نفق للسكك الحديدية في العالم بإنجلترا، كما شهدت الحضارات القديمة كالبابلية والرومانية إنشاء أنفاق يدوية الصنع منذ آلاف السنين، وكان أول تطور جذري في التقنيات المستخدمة قد سجل في فرنسا حيث استخدم البارود لعمل نفق مائي عام 1681.

وفي العصر الحديث تطور حفر الأنفاق بصورة مذهلة عبر استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لشق شبكات أنفاق متكاملة ومترامية الأطراف تحت المدن للمترو وغيرها.

باختصار.. فكرة الأنفاق قديمة تمتد إلى جذور البشرية وعبر الحضارات والعصور المختلة من حقبة تاريخية إلى أخرى حتى يومنا هذا، وفي كل الأزمنة يوجد قاسم مشترك وهو استخدامها في العمليات العسكرية والهروب والمناورة والهجوم على العدو ومباغتته وهو ما يحدث في غزة الآن، حيث لعبت الأنفاق دورا مؤثرا في مسار المعارك، فصاحبها غالبا يكون أكثر ثباتا وقوة فوق الأرض وتحتها ويستطيع أن يحارب في مسار مزدوج ويوقع خسائر كبيرة في جيش العدو.

وسوف تثبت الأيام القادمة أن أنفاق غزة الورقة الرابحة في حربها المشتعلة مع الاحتلال منذ أكثر من 110 أيام عقب اندلاعها في السابع من أكتوبر الماضي.

تبقى كلمة.. الأنفاق عالم خفي وحياة مختلفة لا يشعر سكانها بشعاع الشمس ولا ضوء القمر، لكن الحياة داخل الأنفاق التي تصل أحيانا إلى ضيق القبور تجعل من هؤلاء رجال أولي بأس وعزيمة أشداء لا يرهبهم الموت ولا يعجزهم جحافل العدو فأقصى ما يستطيعون فعله هو إرسالهم إلى المقابر التي اعتادوا الحياة فيها ويعتبرونها ثمنا زهيدا في مشوار الحفاظ على الوطن.

يذكر أن إجمالي طول الأنفاق داخل غزة وفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حوالي 400 كيلو متر، إلا أن كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين يعتقدون أن طولها الفعلي يتراوح بين 560 إلى 720 كيلومترا منها 160 كيلو متر في خان يونس أنشأت بكلفة قدرت بملايين الدولارات.. نأمل من الله أن تتحول هذه الأنفاق إلى مقابر جماعية لجيش الاحتلال وداعميه الذين دنسوا بقعة مباركة من أطهر بقاع الأرض بأقدامهم النجسة.

samyalez@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *