أكدت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي، أن مصر تشارك بفعالية في صياغة خارطة الطريق إلى المستقبل لتحفيز وتطوير نشاط مجموعة البنك الدولي لبناء القدرة على الصمود ودعم جهود التنمية والنمو من أجل وضع حلول أكثر فاعلية لإنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك من خلال تعزيز التنمية المستدامة والمرنة والشاملة
وألقت وزيرة التعاون الدولي، كلمة خلال إطلاق الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة المصرية ومجموعة البنك الدولي، جاء فيها:
أود في البداية أن أرحب بحضراتكم في هذا المحفل الهام بتشريفكم وبحضور دولة رئيس مجلس الوزراء السيد الدكتور مصطفي مدبولي ، وفريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي لشئون منطقة الشرق الأوسط بغرض إطلاق الاستراتيجية الجديدة للتعاون الانمائي بين جمهورية مصر العربية ومجموعة البنك الدولي عن الفترة من 2023-2027.
ترتبط جمهورية مصر العربية ومجموعة البنك الدولي بعلاقات تاريخية وثيقة يتم البناء عليها عاما تلو الآخر، حيث أن مصر هي أحد البلدان المؤسسة للبنك منذ عام 1945، ورغم تحديات واختلافات البدايات الا أنه عبر السنوات تطورت علاقات التعاون الإنمائي بين مصر ومجموعة البنك الدولي وتنامت ونجحت حتى أصبح البنك الدولي أحد أهم شركاء التنمية متعددي الأطراف لدى مصر فضلا عن مساهمته بشكل دائم وفعال في دعم الأولويات الوطنية التنموية في مختلف المجالات، علما بأن البنك الدولي قد شارك في أكثر من 175 مشروعا بالمحافظات المصرية المختلفة منذ تأسيسه بإجمالي تمويلات تتخطى التسعة عشر مليار دولار.
ومن ناحية أخرى، شغل العديد من الخبراء والرواد المصريين مناصب رفيعة المستوى بالبنك والجهات التابعة له، ومنهم من يشرفوننا بالحضور اليوم ، وشاركوا بشكل مباشر في تطوير مجموعة البنك الدولي من الناحية المؤسسية والتنفيذية، ولعل أبرز تلك الأسماء هو المفكر المصري والفقيه القانوني والاقتصادي العلامة الدكتور إبراهيم شحاتة، والذي تقلد منصب النائب الأول لرئيس البنك الدولي من عام 1983 وحتى عام 1998. وساهم في تأسيس العديد من مؤسسات التمويل العربية والدولية وكرمه العالم نظرا لاسهاماته القيمه كما أطلقت مجموعة البنك الدولي اسمه الخالد على أحد أهم القاعات بالبنك عرفانا باسهاماته الجليلة في مجال التنمية .
وتستمر جهود معالجة قضايا التنمية في المضي قدما حتى يومنا هذا، حيث تشارك مصر حاليا بفعالية في صياغة خارطة الطريق إلى المستقبل لتحفيز وتطوير نشاط مجموعة البنك الدولي لبناء القدرة على الصمود ودعم جهود التنمية والنمو من أجل وضع حلول أكثر فاعلية لإنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك من خلال تعزيز التنمية المستدامة والمرنة والشاملة وبما يتماشي مع رسالة البنك الرئيسية وتتزامن تلك الجهود مع تعيين أجاي بانجا الرئيس الجديد لمجموعة البنك الدولي ويسعدني في هذا الصدد تهنئته ودعمه في مهمته الجديده مع أهمية التأكيد علي ضرورة تعزيز دور مجموعة البنك الدولي لمعالجة التحديات المتنامية والمتسارعة التي تواجه الدول متوسطة الدخل و تخفيف الأعباء علي الدول النامية والأقل نمواً .
السيدات والسادة الحضور
يمثل إطار الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة المصرية ومجموعة البنك الدولي، والذي نحن بصدد إطلاقه اليوم، قيمة جديدة لإرساء سبل التعاون التنموي خلال الخمس سنوات المقبلة، وذلك بالتوافق مع الأولويات الوطنية الممثلة في استراتيجية التنمية المستدامة للحكومة المصرية (رؤية مصر 2030)، وبرنامج عمل الحكومة (مصر تنطلق)، والبرنامج الوطني للإصلاح الهيكلي (NSRP)، استراتيجية تغير المناخ (NCCS) 2050 ، برنامج تنمية الأسرة المصرية والاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية والاستراتيجيات القومية القطاعية، وتهدف تلك الاستراتيجية الانمائية إلى دعم الجهود الوطنية المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة والقادرة على الصمود أمام الأزمات والتحديات المختلفة، وتحسين المستوى المعيشي لسكان الدولة المصرية، بما في ذلك المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، وتسريع وتيرة التعافي والبناء بشكل أفضل بعد وباء كوفيد-19، والتغلب على تداعيات الأزمة الروسية-الأوكرانية وغيرها من التحديات المتعاقبة.
ويضع إطار الشراكة المواطن المصري في صميم هذه الاستراتيجية سعياً لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: (اولاً) زيادة الفرص التوظيفية اللائقة بالقطاع الخاص من خلال خلق ودعم بيئة تمكينية للاستثمارات التي يقودها القطاع، مما ينعكس بشكل إيجابي على توافر الفرص المناسبة والمستدامة لقوى عاملة تنافسية وممكنة وقادرة على التأقلم مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة.
(ثانياً)، تعزيز الاستثمار في القدرات البشرية وتحسين مخرجات رأس المال البشري في جميع المحافظات من خلال دعم وتوفير خدمات مميزة دون تمييز بالقطاعات المختلفة، مثل الصحة، والتعليم، والنقل، والإسكان، بالإضافة إلى إتاحة برامج حماية اجتماعية فعالة وشاملة ومنصفة. (وأخيرا وليس اخراً)، يسعى إطار الشراكة إلى تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات من خلال تحسين إدارة الاقتصاد الكلي وتعزيز قدرات التكيف مع التغيرات المناخية.
وبالإضافة إلى الأهداف الرئيسية الثلاثة، يشتمل إطار الشراكة علي محورين مترابطين لدعم تلك الأهداف وهما: تمكين المرأة والفتيات ، وتعزيز الحوكمة التشاركية والشفافة. هذا وسيسعى إطار الشراكة إلى إقامة شراكات مع شركاء التنمية كوسيلة لتعميق التنسيق وتعظيم الأثر بالمجالات المختلفة.
وقد حرصت وزارة التعاون الدولي على تطوير سبل اسهام ومشاركة الجهات الوطنية المختلفة بالإضافة إلى الأطراف ذات الصلة من القطاع الخاص، والمجتمع المدني، ونخبة من الأكاديميين وأصحاب الفكر، في بلورة وإعداد الاستراتيجية القطرية بالتعاون مع الفريق الفني للبنك الدولي، وكان ذلك بهدف تعظيم الملكية الوطنية والمسئولية المشتركة لجميع أصحاب المصلحة، كما أنه تم الأخذ في الاعتبار نتائج وتوصيات أعمال التقييم والمتابعة للبرامج والمشروعات التي تم تنفيذها في اطار الاستراتيجية السابقة ، وكل ذلك إعمالا بمباديء الشراكة العالمية من أجل التعاون الإنمائي الفعال GPEDC والتي تستند الي المحاور التالية : ملكية الدولة وأولوياتها، التركيز علي النتائج ، الشراكات الشاملة ، الشفافية والمساءلة المتبادلة .
وتشمل محفظة التعاون الجارية بين مصر ومجموعة البنك الدولي 15 مشروعا في مختلف القطاعات منها التعليم، والصحة، والنقل، والتكافل الاجتماعي، والبترول، والإسكان، والصرف الصحي، والامن الغذائي، والتنمية المحلية، والبيئة، بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 7 مليار دولار، إلى جانب 23 مشروعًا للدعم الفني والاستشاري وبناء القدرات.
وأود أن أشارككم أمثلة للمشروعات الإنمائية التي ننفذها بفعالية مع مجموعة البنك الدولي – والتي أتوجه بالشكر اليها ولفريق العمل علي ما بذل ويبذل من جهود في هذا الخصوص – والتي توضح الأثر الإنمائي المباشر للتعاون الدولي والتمويل التنموي مثل مشروع توصيل الغاز الطبيعي للمنازل والذي ساهم مباشرة في مد شبكة الغاز الطبيعي لأكثر من ١١ محافظة علي مستوي الجمهورية واستفادت منه أكثر من ١٥ مليون وحدة سكنية ، وكذلك برنامج تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية (تكافل وكرامة) ، ومشروع الإسكان الاجتماعي ، ومشروع تطوير خدمات الصرف الصحي بالمناطق الريفية ، ومشروع تعزيز سلامة السكك الحديدية وتحسين مستوى الخدمة ، بالإضافة إلى مشروع دعم التنمية المحلية في صعيد مصر ، وبرنامج تطوير النظام الصحي في مصر ، وبرنامج تمويل إطار سياسات التنمية ، ومشروع نظام التأمين الصحي الشامل ، وبرنامج إدارة تلوث الهواء وتغيير المناخ في القاهرة الكبرى، ومشروع الاستجابة الطارئة لمكافحة كوفيد.
ومن ناحية أخرى، فقد حاز القطاع الخاص على أولوية ملحوظة بتعاملات كافة مؤسسات مجموعة البنك الدولي في مصر وذلك وفقا للأولويات الاستراتيجية لدى الجمهورية الجديدة، ومن أهمها تمكين القطاع الخاص وخلق بيئة تحفيزية تمكنه من المشاركة الفعالة في سياق تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، علماً بأن توجيهات السيد رئيس الجمهورية الراهنة بشأن إمكانية قيام مجموعة البنك الدولي بإجراء تقييم شامل للإجراءات الحكومية وفعاليتها على أرض الواقع من وجهة نظر دولية واتخاذ اللازم نحو كافة العوائق أمام بيئة الاستثمار في مصر كانت قد جاءت في نفس ذات السياق ، حيث بلغت المحفظة الاستثمارية لدى مؤسسة التمويل الدولية IFC، وهي ذراع البنك الدولي لتمويل القطاع الخاص، حوالي 1.3 مليار دولار في العديد من القطاعات ذات الأولوية( سنشاهد أمثلة لها اليوم ) مثل الطاقة المتجددة، والإنشاءات، والقطاع المالي، والصناعة، والتعليم، والصحة. ومن أبرز التمويلات التي أتاحتها مؤسسة التمويل الدولية مؤخرًا هي تمويل السندات الخضراء للبنك التجاري الدولي ، ومشروع محطة بنبان للطاقة الشمسية، كما تقدم المؤسسة خدمات استشارية ودعم فني للقطاع الخاص.
كما بلغت محفظة ضمانات الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (ميجا) للقطاع الخاص نحو480 مليون دولار ( سنتعرف علي بعض أنشطتها أيضا اليوم ) ومن بينها ما تم مؤخرا من ضمانات لدعم استثمارات شركة سكاتك العالمية لتنفيذ عدة مشروعات الطاقة المتجددة في مصر.
وفي سياق حرص وزارة التعاون الدولي على تحقيق الأهداف الوطنية الخاصة بخلق ودعم مجتمع العلم والمعرفة ، شاركت الوزارة، بالتعاون مع كافة الجهات الوطنية المعنية، في إطلاق مجموعة البنك الدولي للعديد من التقارير التشخيصية مثل التقرير التشخيصي الخاص بالاقتصاد المصري SCD ، تقرير تشخيص القطاع الخاص في مصر عام 2020، وتقرير مراجعة الإنفاق العام في مصر لقطاعات التنمية البشرية عام 2022 ، كما قام البنك الدولي بإطلاق التقرير الديموغرافي بالتعاون مع الحكومة المصرية عام 2022، ويهدف التقرير إلى تحليل الاتجاهات والتغيرات الديموغرافية في مصر على مدار السنوات الماضية، والتوابع الاجتماعية والقطاعية الناتجة عن ذلك، وانعكاسات تلك التوابع على الوضع الاقتصادي بالبلاد، بالإضافة إلى إبراز بعض النماذج الدولية الناجحة في مواجهة التغيرات الديموغرافية.
وفي إطار رئاسة مصر لمؤتمر المناخ COP27 والذي أقيم في شرم الشيخ نهاية عام 2022، ، تم اطلاق تقرير المناخ والتنمية الخاص بمصر (CCDR) والذي تم اطلاقه بحضور دولتكم (دولة السيد رئيس مجلس الوزراء)، ويشير التقرير إلى سلسلة من الإجراءات على مستوى السياسات وتوفير فرص الاستثمار التي يمكن، إذا تم تنفيذها في غضون 5 سنوات، أن تؤدي إلى زيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، والحد من آثار تغير المناخ، وتعزيز قدرة مصر على المنافسة في الأسواق العالمية.
كما أن مجموعة البنك الدولي تساهم بجانب شركاء التنمية في دعم عدد من المبادرات الرئاسية التي تم اطلاقها علي المستوي الدولي مثل دليل شرم الشيخ للتمويل العادل بهدف ضمان التوازن بين المسئولية التاريخية الخاصة بالتعهدات لزيادة التمويلات الموجههة لعمل المناخ ، وضمان الوصول العادل الي التمويلات التي تراعي مطالب واحتياجات الدول.
وكذلك المشاركة والتعاون في اطار المنصة الوطنية المصرية لبرنامج نُوَفِّي ، كأول منصة تتبناها الحكومة المصرية في سياق تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 وتلقي هذه المبادرة الرئاسية دعما دوليا لدورها الفعال في جذب التمويلات الإنمائية وأدوات التمويل المختلط المحفزة لمشاركة القطاع الخاص في مشروعات عمل المناخ ، ويشارك البنك بشكل مباشر في تنفيذ عدد من مشروعات تلك المنصة ومنها مشروعي “إنشاء نظام إنذار مبكر للتعامل مع آثار تغير المناخ وانعكاساتها على جودة الإنتاج الزراعي” ، ومشروع ” تكيف إنتاج المحاصيل في وادي النيل والدلتا”.
السيدات والسادة الحضور، ما نأمل في إبرازه لسيادتكم اليوم هو مدى توافق استراتيجية التعاون الانمائي بين جمهورية مصر العربية ومجموعة البنك الدولي مع الأهداف والأولويات الوطنية، وحرصنا علي البناء علي ما تم تحقيقه من إنجازات خلال الفترة الماضية انطلاقًا من الإصلاحات الاقتصادية والمشروعات القومية التي تم تنفيذها منذ عام 2016، بالإضافة إلى ما أقرته الحكومة من إصلاحات هيكلية وتشريعية حفزت دور القطاع الخاص في التنمية ومكنت مؤسسات التمويل الدولية من المساهمة بدور أكبر في تمويل القطاع الخاص ونتج عنها تنمية الاقتصاد الوطني وتعزيز النمو الشامل والمستدام، كما أن وزارة التعاون الدولي تحرص دائما على أن يتم صياغة الاستراتيجيات بين مصر وشركاء التنمية الثنائيين ومتعددي الأطراف وفقًا لمنهجًا تشاركيًا وشفافًا يعكس قيم التكامل والملكية الوطنية والمسئولية المشتركة، ولذلك أود أن أختتم كلمتي بالتأكيد على أن قيمة التعاون الدولي والتمويل الإنمائي تتمثل فيما تبقيه من أثر واضح العيان حولنا لما يؤَسّس ويبذل من جهود لبناء الانسان ،والاعمار في الأرض، والاستثمار لتحقيق حياة تكفل العيش بكرامة . وكما يقول الشاعر المصري عزيز أباظة في قصيدته الخالدة ” قصة السد” وبما يعكس دور رؤية وإرادة الشعوب في إرساء دعائم التنمية :
قالها من صميم أفئدة الشعــــب
فكانـــت أقوالــه … أعمـــــالا
وإذا هَبَّت الشعوبُ إلى الغايات
شُقـــــت لنيلهــن الجبــــالا