
إصلاحات أسّست لمستقبل أكثر استدامة..
تحرير سعر الصرف وهيكلة الدعم والتوسع فى مشروعات البنية التحتية والطاقة
لم يكن الواقع الاقتصادي قبل 30 يونيو 2013 مبشرًا؛ إذ اتسمت تلك الفترة بتراجع معدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة، وضعف الاحتياطي النقدي، وغياب الرؤية الاقتصادية الواضحة. وسجل النمو حينها مستويات دون 3%، فيما ارتفعت نسب البطالة إلى ما يزيد عن 13%، وتراجعت الثقة في المناخ الاستثماري نتيجة الاضطرابات السياسية والاقتصادية.
على الجانب الآخر، عانت مؤشرات المالية العامة من تفاقم العجز وارتفاع مستويات الدين، وانخفضت إيرادات الدولة، في حين ارتفعت النفقات، وتقلصت قدرة الحكومة على تمويل التنمية. هذه الصورة الشاملة دفعت الدولة، عقب ثورة 30 يونيو، إلى تبني مسار اقتصادي مختلف يرتكز على الإصلاح والتوسع والاستدامة.
إصلاح اقتصادي شاملة
بدأت مصر في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل بدعم من المؤسسات المالية الدولية، حيث تم تحرير سعر الصرف، وإعادة هيكلة الدعم، ورفع كفاءة إدارة الموارد، إلى جانب التوسع في مشروعات البنية التحتية والطاقة. كانت البداية صعبة لكن حاسمة، إذ مهدت الطريق نحو تعزيز الثقة الدولية في قدرة الاقتصاد المصري على التعافي والنمو.
وبلغ معدل النمو الاقتصادي في ذروته 6.6% في العام المالي 2021/2022، رغم التحديات المرتبطة بجائحة كورونا والأزمات الجيوسياسية العالمية. كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي تدريجياً، ومن المتوقع أن يصل إلى نحو 345.9 مليار دولار بحلول عام 2025.
تعافي الموارد النقدية
لعبت قناة السويس دورًا محوريًا في دعم موارد الدولة من النقد الأجنبي، خاصة بعد تنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة، الذي رفع من كفاءة الممر الملاحي وزاد من حركة العبور. وارتفعت إيرادات القناة من نحو 5.3 مليار دولار في 2013/2014 إلى ما يقارب 10 مليارات دولار في 2022/2023، وهو ما ساهم في دعم ميزان المدفوعات وتعزيز الاحتياطي الأجنبي.
بالتوازي، استعادت السياحة المصرية جزءًا كبيرًا من زخمها، إذ تجاوزت الإيرادات 15 مليار دولار في عام 2024، مستفيدة من تنوع المقاصد السياحية، وارتفاع عدد السائحين إلى 15.8 مليون زائر، في ظل تحسن البيئة الأمنية والاستقرار السياسي.
تحويلات المصريين دعامة رئيسية للاستقرار النقدي
مثّلت تحويلات العاملين بالخارج عنصرًا حيويًا في دعم الاقتصاد المصري. فمن نحو 18.5 مليار دولار في 2013/2014، قفزت التحويلات إلى أكثر من 32.6 مليار دولار بحلول نهاية فبراير 2025، مما ساهم في تحسين الحساب الجاري وتعزيز قدرة الدولة على تغطية الالتزامات الخارجية.
كما انعكس تحسن تلك الموارد على الاحتياطي النقدي، الذي ارتفع إلى أكثر من 48 مليار دولار، مقارنة بـ25.8 مليار فقط قبل 12 عامًا، في إشارة إلى تحسن الاستقرار المالي وقدرة الدولة على مواجهة الأزمات العالمية.
خفض البطالة وتحفيز بيئة التشغيل
بفضل المشروعات القومية، وتوسيع نطاق الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والقطاع الصناعي، انخفض معدل البطالة تدريجيًا من 13% إلى 6.3% في الربع الأول من عام 2025، وهو أدنى مستوى تاريخي مسجل.
هذه التحولات جاءت نتيجة توجه الدولة إلى دعم القطاعات كثيفة التشغيل، وتحفيز بيئة ريادة الأعمال، وتمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب خلق فرص جديدة عبر الاستثمار العام والخاص.
طفرة في الاستثمار الأجنبي
سجلت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت من 3.1 مليار دولار في 2013/2014 إلى 46.1 مليار دولار في 2023/2024. يعود هذا التقدم إلى تنفيذ سياسة واضحة لطرح الأصول العامة، وتفعيل وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي تستهدف تقليص دور الحكومة في بعض القطاعات وتعزيز دور القطاع الخاص.
كما ساهمت التعديلات التشريعية وحزم التحفيز في تحسين مناخ الاستثمار، وجعل مصر مركزًا جاذبًا للمستثمرين في مجالات الطاقة النظيفة، الصناعة، الاتصالات، والسياحة.
الصناعة ركيزة التنمية
شهد القطاع الصناعي تطورًا لافتًا، حيث ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي إلى نحو 17%، مع خطة للوصول إلى 20% بحلول عام 2027. وبلغ الإنتاج الصناعي نحو 76 مليار دولار في 2024، مع استهداف 170 مليار دولار في 2030.
ارتفع عدد المصانع الجديدة بشكل ملموس، وبلغ عدد المصانع التي تم إنشاؤها منذ 3 يوليو 2014 أكثر من 4,300 مصنع، كما توسعت الدولة في إنشاء المجمعات الصناعية، والمدن المتخصصة مثل مدينة الأثاث بدمياط، والروبيكي للجلود، ومدينة الدواء.
الصادرات المصرية نحو 100 مليار دولار سنويًا
عملت الدولة على دعم التصدير عبر برامج رد الأعباء، وتحسين البنية اللوجستية، وتوسيع نطاق التواجد في الأسواق الأفريقية والعربية، وهو ما انعكس على أرقام الصادرات غير البترولية، التي ارتفعت من 18.6 مليار دولار في 2015 إلى نحو 44.9 مليار دولار في 2024.
تستهدف الدولة مضاعفة هذه الصادرات لتصل إلى 100 مليار دولار سنويًا، عبر دعم التصنيع المحلي وتعميق المكون الصناعي في المنتجات المصدرة.
بنية تحتية تدعم التحول التنموي
لم تقتصر جهود الدولة على الجوانب المالية والنقدية فقط، بل توسعت في تطوير البنية التحتية، من خلال إنشاء آلاف الكيلومترات من الطرق، وتحديث السكك الحديدية، وبناء محاور لربط المحافظات، وتطوير الموانئ، إلى جانب مشروعات كبرى مثل قناة السويس الجديدة، والعاصمة الإدارية، ومبادرة “حياة كريمة” لتطوير الريف.
تُعد هذه البنية أحد أهم عوامل جذب الاستثمار وتحسين تنافسية الاقتصاد المصري، بما يسهم في تعزيز الإنتاجية وتيسير حركة التجارة الداخلية والخارجية.