سوق المال

30 يونيو.. بداية إصلاح غيرت خريطة الاقتصاد المصري

شهد الاقتصاد المصري منذ ثورة 30 يونيو 2013 تحولات جذرية، نقلته من وضع هشّ وغير مستقر إلى مسار إصلاحي مدعوم بإرادة سياسية ورؤية استراتيجية، في ظل بيئة إقليمية ودولية اتسمت بالتقلبات الحادة والتحديات المتكررة.

ففي الوقت الذي كان فيه الاقتصاد يعاني من اختلالات حادة وتراجع في مؤشرات الأداء قبل 2013، انطلقت الدولة بعد الثورة في تنفيذ خطة إصلاح اقتصادي شامل، استهدفت تعزيز النمو، وتحفيز الإنتاج، وجذب الاستثمارات، وتحقيق التوازن المالي.

أوضاع متدهورة قبل الثورة

قبل ثورة 30 يونيو، كانت المؤشرات الاقتصادية تعكس حالة من التراجع الشامل. معدل النمو الاقتصادي لم يتجاوز 2.9% في العام المالي 2013/2014، في ظل حالة من الجمود السياسي والاقتصادي. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي في تلك الفترة حوالي 2.13 تريليون جنيه، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 13%، وتراجع الاحتياطي النقدي إلى 25.8 مليار دولار فقط.

الميزان التجاري كان يعاني من اختلال واضح، نتيجة اعتماد الاقتصاد على الواردات وتراجع حجم الصادرات. كما انخفضت إيرادات الدولة العامة، وارتفعت المصروفات، بما أدى إلى اتساع العجز المالي وتآكل الثقة في مناخ الاستثمار.

خارطة إصلاح بعد الثورة

انطلقت الدولة بعد ثورة 30 يونيو في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي طموح، شمل تحرير سعر الصرف، وإعادة هيكلة منظومة الدعم، وتوسيع الاستثمارات العامة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والزراعة. وبحلول العام المالي 2021/2022، سجل معدل النمو الاقتصادي نحو 6.6%، رغم التحديات المرتبطة بجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لمصر حوالي 345.9 مليار دولار في عام 2025، مع تسجيل معدل نمو متوقع يبلغ 4.1%.

موارد استراتيجية تضاعف العائدات

شهدت قناة السويس، أحد أهم موارد العملة الأجنبية للبلاد، طفرة ملحوظة في الإيرادات، خاصة بعد افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، الذي ساهم في زيادة حركة العبور والتجارة. ففي حين بلغت الإيرادات حوالي 5.37 مليار دولار في عام 2013/2014، ارتفعت إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار في العام المالي 2022/2023.

قطاع السياحة كذلك حقق تعافيًا كبيرًا، حيث قفزت الإيرادات من 5.1 مليار دولار في 2013 إلى 15.3 مليار دولار في 2024، بعد استقبال نحو 15.8 مليون سائح. كما ارتفعت الإيرادات السياحية خلال النصف الأول من العام المالي 2024/2025 إلى 8.7 مليار دولار، مقابل 7.8 مليار في الفترة نفسها من العام السابق.

دعم قوي من تحويلات العاملين بالخارج

تحويلات المصريين العاملين بالخارج أصبحت أحد الأعمدة الرئيسية للاستقرار النقدي، إذ ارتفعت من 18.5 مليار دولار في 2013/2014 إلى نحو 32.6 مليار دولار خلال الفترة من مارس 2024 حتى نهاية فبراير 2025، بزيادة تقدر بـ13.7 مليار دولار.

في المقابل، قفز الاحتياطي الأجنبي إلى أكثر من 48 مليار دولار مؤخرًا، مقارنة بـ25.8 مليار في 2013، ما يعكس تحسن قدرة الدولة على إدارة النقد الأجنبي وسداد الالتزامات الدولية.

انخفاض البطالة وتحفيز الاستثمار

تراجع معدل البطالة بشكل تدريجي، حيث انخفض من 13% في 2014 إلى 6.6% في 2024، ثم إلى 6.3% في الربع الأول من عام 2025، ليسجل أدنى مستوى فصلي له تاريخيًا، وهو ما يعكس تحسن بيئة التشغيل وزيادة فرص العمل الناتجة عن المشروعات القومية والاستثمارات.

وفي سياق متصل، سجلت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نموًا لافتًا، حيث ارتفعت من 3.1 مليار دولار في العام المالي 2013/2014 إلى نحو 46.1 مليار دولار بنهاية 2023/2024، بدعم من سياسة طرح الأصول أمام المستثمرين وتسهيل إجراءات الاستثمار.

نحو اقتصاد إنتاجي أكثر انفتاحًا

تبنت الدولة نهجًا يهدف إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، التي تستهدف رفع مساهمة القطاع الخاص إلى 70% على المدى المتوسط. وبلغت نسبة المشاركة الحالية حوالي 60%، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.

على مستوى التجارة الخارجية، ارتفعت الصادرات المصرية من 22.2 مليار دولار في 2014 إلى 42.6 مليار في 2023، ثم إلى 44.9 مليار دولار في 2024، وسط مساعٍ للوصول إلى 100 مليار دولار صادرات سنوية، من خلال التوسع في الأسواق غير التقليدية وتحسين تنافسية المنتجات المحلية.

مؤشرات إيجابية وتحديات قائمة

رغم هذا التحسن الواضح في المؤشرات، إلا أن الاقتصاد المصري لا يزال يواجه تحديات تتعلق بزيادة أعباء الدين العام، وارتفاع معدلات التضخم، وضغوط على مستوى الاستثمار المحلي. غير أن ما تحقق على مدار 12 عامًا يُعد خطوة مهمة على طريق بناء اقتصاد أكثر استقرارًا واستدامة.

وتبقى مواصلة الإصلاحات، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، أبرز عوامل الحفاظ على ما تحقق وضمان استمرارية النمو وتحقيق التنمية الشاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *