
يواصل صندوق النقد الدولي توجيه رسائل تحذيرية لمصر بضرورة العمل على سرعة الانتهاء من الإجراءات الإصلاحية من أهمها خفض مستوى الدين العام والجدية في خروج الدولة من مزاحمة القطاع الخاص بشكل عاجل، وذلك مع قرب موعد إجراء المراجعة الخامسة على البرنامج مع مصر.
وأشار صندوق النقد الدولي في تقريره حول “آفاق الاقتصاد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان”، إلى أن الإصلاحات الهيكلية بمصر تتقدم بوتيرة أبطأ من المتوقع بسبب التداعيات الناجمة عن تصاعد التوترات التجارية العالمية وتزايد حالة عدم اليقين.
وقال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وأسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، في تصريحات سابقة، إنه من الضروري أن تعمل مصر على خفض الدين العام بهدف تقليل المخاطر المحتملة على الاقتصاد وهو أمر مهم، مع تقليل بصمتها في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص.
ويأتي ذلك قبل إعلان أنغام الشامي مسؤولة الإعلام في صندوق النقد الدولي في بيان لها بوصول بعثة من صندوق النقد للقاهرة خلال الأسبوع الحالي بهدف إجراء المراجعة الخامسة على برنامج الإصلاح الاقتصادي.
ويدعم صندوق النقد الدولي برنامج مصر بقرض بقيمة 8 مليارات دولار يتم صرفه على 8 شرائح وقبل صرف كل شريحة تقوم بعثة من الصندوق بزيارة مصر للتأكد من جدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تعهدت بها.
في مارس الماضي وافق صندوق النقد الدولي على صرف 1.2 مليار دولار لمصر بعد اعتماد المراجعة الرابعة ليصل ما إجمالي حصلت عليه مصر من القرض نحو 3.3 مليار دولار.
وفي حال اعتماد صندوق النقد المراجعة الخامسة سيتيح لمصر صرف شريحة جديدة بين 1.2 و1.3 مليار دولار.
نصائح وليس تحذير
محمد عبد العال الخبير المصرفي، يرى أن لهجة الصندوق لم تتغير مع مصر أو تتحول إلى نبرة حادة لكن يعمل على مواصلة تقديم النصائح للحكومة المصرية بهدف سرعة اعتماد المراجعة الخامسة.
وأوضح أن صندوق النقد الدولي يضع جدول زمني لتنفيذ كل هدف وعند تأخر تنفيذ هدف من الأهداف الإصلاحية عند إعادة تقييمه للبرنامج يحث الحكومة بسرعة إنجازه لتجنب الوقع في مخاطر.
خفض الدين
يرى صندوق النقد الدولي أن الإجراءات الإصلاحية في مصر تمر بشكل أبطأ من المتوقع تأثرا بتبعات حرب إسرائيل على غزة والتبعات السلبية لحرب الرسوم الجمركية الأمريكية.
ويشدد صندوق النقد الدولي على سرعة العمل على خفض الدين بهدف تقليل المخاطر حول الاقتصاد والبحث عن بدائل سريعة.
كان أحمد كجوك وزير المالية قال في وقت سابق إن الحكومة تعمل على خفض الدين دون 80% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية يونيو 2027، بعد أن تراجع إلى 89% بنهاية يونيو الماضي من 96% قبل عام.
وأضاف عبد العال أن رسائل الصندوق بإفساح المجال أمام القطاع الخاص وضبط الإجراءات المالية وتوخي الحذر من خفض الفائدة لا تخمل في طياتها أي ضغوط ولكن تنبيه الحكومة ببعض الإجراءات تحتاج إلى سرعة الإنجاز.
شدد جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وأسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، على الحكومة بضرورة إفساح المجال للقطاع الخاص بهدف تخفيف الأعباء المالية على الحكومة وتقليل تكلفة الدين العام المحلي والخارجي.
وأكد أن دور الدولة المصرية يجب أن يكون داعم وليس منافس ويجب أن يؤمن للقطاع الخاص البنية التحتية ويسمح له بالتوسع والمزيد من استقطاب استثمارات أضافية من خلال العمل على زيادة مشاركة القطاع الخاص في بعض الشركات المملوكة للدولة.
تعهدت الدولة بالتخارج من حصصها في 32 شركة ولكن بسبب الأوضاع الحالية حالت دون تنفيذ الحكومة كل الطروحات في الجدول المحدد.
وتخارجت الدولة من حصص مملوكة لها منذ الإعلان عن برنامج الطروحات في 2022 بنحو 5.6 مليار دولار خلال العامين الماضيين.
وتسعى الحكومة إلى طرح 5 شركات مملوكة للجيش بالبورصة المصرية أو أمام المستثمرين وهي صافي للمياه المعدنية ووطنية للخدمات البترولية، وشل أوت وسايلو فودز والوطنية للطرق.
مرونة سعر الصرف
أكد صندوق النقد الدولي على التزام مصر بسياسة سعر صرف مرن مع تأكيده على ضرورة استمرار الحفاظ على سعر صرف مرن للجنيه لحماية الاقتصاد من أي اختلالات.
وأكدت جورجينا كريستالينا مديرة عام صندوق النقد الدولي أن البنك المركزي أكد على الحفاظ على سعر صرف مرن وترك سعر الجنيه حر للعرض والطلب.
التكامل بين الصندوق والحكومة
أكد عبد العال أن نصائح صندوق النقد الدولي تهدف إلى التكامل مع الحكومة المصرية لتنفيذ الأهداف الممولة وكذلك مساعدتها على تجنب أي مخاطر محتملة.
وأوضح أن طلب صندوق النقد الدولي لمصر بتوخي الحذر في اتجاه حفض الفائدة يهدف منه تجنب مواجهة الاقتصاد ضغوط تضخمية جديدة بعد التوترات التجارية العالمية.
وتوقع صندوق النقد الدولي استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول بمصر وبعض الدول الأخرى التي تحتاج إلى احتياجات تمويلية محلية لمواجهة مستويات الديون المرتفعة.
كان المركزي قرر خفض سعر الفائدة 2.25% في اجتماعه الأخير لأول مرة من أربع سنوات ونصف إلى 25% للإيداع و26% للإقراض.
تسارع معدل التضخم على مستوى مدن مصر خلال مارس الماضي إلى 13.6% من 12.8% في فبراير بعد أن انخفض من 24% في يناير تأثرا بسنة الأساس.
ويستهدف البنك المركزي تراجع متوسط التضخم إلى 7% بزيادة وأقل 2% خلال الربع الرابع في 2026.
وأبدى المركزي في تقريره بعض القلاقل المرتقبة من زيادة مخاطر الضغوط التضخمية بسبب إجراءات ضبط الموازنة العامة للدولة- أي ترشيد الدعم على البنزين والسولار- والتبعات السلبية من حرب الرسوم الجمركية الأمريكية.
وتأتي المخاوف رغم تأكيد المركزي على زيادة التوقعات باتجاه التضخم إلى مستوى نزولي خلال 2025.
نمو متواضع
ورغم التحذيرات توقع صندوق النقد الدولي أن ينتعش النشاط الاقتصادي في مصر بوتيرة متواضعة في 2025 بسبب التبعات السلبية لاستمرار الصراع الإسرائيلي في غزة.
كما التقدم في الإصلاحات الهيكلية في مصر ستتقدم بشكل أبطأ من المتوقع وسط الآثار المتبقية من الصراع المستمر بالمنطقة.
وحسن صندوق النقد من توقعات نمو اقتصاد مصر إلى 3.8% خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي في يونيو 2025 مقابل 3.6% في توقعات سابقة، بحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.
كما رفع الصندوق توقعاته أيضا لنمو الناتج المحلي المصري للعام المالي المقبل إلى 4.3% من 4.1% في توقعات سابقة.