تستضيف فرنسا هذا العام دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، وبالرغم من أهمية الحدث عالميًا، إلا أنه يأتي وسط معاناة فرنسا من ضائقة مالية؛ وهو ما يثير مخاوف من إمكانية أن يتجاوز تكلفة هذا الحدث الميزانية، الأمر الذي سيخلف ديونًا فادحة على كاهل دافعي الضرائب الفرنسيين.
واهتمت العديد من الصحف العالمية بمكاسب وخسائر فرنسا من استضافة الألعاب الأولمبية 2024، حيث طرحت شبكة “فوكس بيزنس” التابعة لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية سؤالًا :”هل ستحقق دورة الألعاب الأوليمبية في باريس أرباحًا؟”، مشيرة إلى أن تاريخ استضافة الأولمبياد مليء بالخسائر الفادحة.
ومن جانبه، قال ليو بارينكو، الخبير الاقتصادي في شركة “أوكسفورد إيكونوميكس” في باريس إن تجهيزات الأولمبياد باهظة التكاليف، والمالية العامة الفرنسية ليست في أفضل حالاتها، حيث بلغ عجز ميزانية البلاد 5.5% في العام الماضي، وهو ما يتجاوز الحد الأقصى الذي حدده الاتحاد الأوروبي وهو 3%.
وأشارت “فوكس بيزنس” إلى أنه من الناحية التاريخية، تعد استضافة الأولمبياد وسيلة لخسارة كميات هائلة من المال، فمن عام 2000 إلى عام 2020، حققت أربع دورات فقط من أصل 11 مرة أرباحًا، وكانت مكاسب متواضعة تقاس بملايين الدولارات.
وأضافت أن دورة الألعاب الأولمبية في فانكوفر 2010 حققت فائضًا قدره 721 مليون دولار، فيما تكبدت بعض المدن الأخرى خسائر بالمليارات، حيث تكبدت أثينا في عام 2004 عجزًا بلغ 14.5 مليار دولار.
ميزانية الأولمبياد
وبالنسبة للدورة الحالية، فإن الميزانية المخصصة لدورة الألعاب الأولمبية في باريس تبلغ 4.4 مليار دولار، ولكن عند إضافة تكاليف أخرى مثل البنية التحتية، فإن الإجمالي يقترب من 9 مليارات دولار، وفقًا لبيانات شركة ” ستاتيستا” الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين.
ومن أبرز الأمثلة على الانفاق الذي يتزامن مع دورة الألعاب هو تنظيف نهر السين، بمبلغ مذهل قدره 1.5 مليار دولار، حيث تم حظر السباحة في هذا النهر منذ عام 1923 لأسباب تتعلق بالسلامة، ولكن يُجري استخدامه في هذه البطولة في سباقات الترايثلون وماراثونات السباحة.
توقعات الأرباح
ومع ذلك، قدرت دراسة مستقلة من اللجنة الأولمبية الدولية أن الألعاب يمكن أن تجلب ما يصل إلى 12 مليار دولار، بما في ذلك السياحة والبناء، فيما تشير توقعات إلى أن أولمبياد باريس قد يعزز النمو الاقتصادي بنسبة 0.3%.
تشويه الأحداث
وفي سياق متسق، قالت شبكة “سي.إن.إن” الأمريكية أن الأحداث الصيفية والشتوية تأتي بتكلفة باهظة، وفي العقود الأخيرة، تم تشويه هذه الأحداث بسبب تجاوزها الميزانية والديون الطويلة الأجل والتحديث الحضري والضرر البيئي.
وأضافت أن اللجنة الأولمبية الدولية تأمل في تصحيح مسارها بدءًا من دورة الألعاب الأوليمبية في باريس، حيث تهدف إلى اتباع نهج أكثر اقتصادًا وخضرة مقارنة بالسنوات الماضية.
تاريخ مظلم
ومن جانبه، قال فيكتور ماثيسون، أستاذ الاقتصاد في كلية الصليب المقدس في أمريكا إن دورة الألعاب الحالية ستكون أول دورة أوليمبية منذ سيدني تصل فيها التكاليف الإجمالية إلى أقل من 10 مليارات دولار؛ لأن اللجنة الأوليمبية الدولية كانت تفتقر إلى المدن الراغبة في استضافة هذا الحدث الذي أصبح كارثة مالية وذات تكلفة عالية للغاية مع القليل من الأمل في استعادة الأموال في الأمد البعيد.
وأضاف أندرو زيمباليست، خبير الاقتصاد الرياضي في كلية سميث أن مدينة لوس أنجلوس، هي المدينة الوحيدة التي استخدمت بنيتها التحتية وملاعبها القائمة، وقامت بترتيب رعايات الشركات المربحة وحقوق البث، وانتهى بحصولها على فائض قدره 215 مليون دولار.
دفعة للاستثمار
ومع ذلك، توقع الكثيرون أن الألعاب الأولمبية يجب أن تجلب دفعة ضرورية للغاية للاقتصاد الفرنسي خلال أوقات التضخم وأزمة تكاليف المعيشة، حيث يتدفق السياح والمستثمرين على العاصمة.
كانت قد توقعت دراسة صدرت في شهر مايو الماضي أن تولد دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024 ما بين 6.7 و11.1 مليار يورو من صافي الفوائد الاقتصادية في منطقة باريس، ومن المتوقع أن يتمحور التأثير حول السياحة والبناء وتنظيم الألعاب.
وقال المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE) مطلع الشهر الماضي إن الألعاب الأولمبية تعزز النمو الاقتصادي للبلاد هذا العام، مشيرًا إلى أن النمو الفصلي في الربع الثالث من العام الجاري يتسارع إلى 0.5% تزامنًا مع وقت تنظيم البطولة، من 0.3% في فترة الربع الثاني.
وأضاف أيضًا أن الألعاب الأولمبية، ستساهم بنسبة 0.3% في النمو بفضل بيع التذاكر وحقوق البث التلفزيوني وزيادة السياحة.
تأتي هذه التقارير وسط تحذيرات وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير من خطر حدوث أزمة مالية وتراجع اقتصادي بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية الفرنسية في مطلع يوليو والتي نتج عنها برلمان معلق مع تحالف يساري في المقدمة ولكن دون أغلبية مطلقة.