
شهدت الأيام الماضية حالة من الجدل بين البرلمان ووسائل الإعلام والجمهور حول غياب بعض البيانات الأساسية المتعلقة بالدخل والإنفاق في مصر، والتي تصدر عادةً عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. هذا الجدل جاء في سياق متابعة معدلات الفقر وخط الفقر ومتوسط دخل الأسر وتطور مستوى المعيشة، بعد غياب إصدارات محدّثة للبحث لعقود من الزمن بشكل متتابع.
وفي هذا الإطار، تقدّم عضو مجلس النواب فريدي البياضي بسؤال عاجل لرئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط والتنمية الاقتصادية، طالب خلاله بتوضيح أسباب حذف مؤشر الفقر النقدي من بحث الدخل والإنفاق والاكتفاء بنشر مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، مؤكدًا على أهمية الحصول على بيانات دقيقة تساعد على وضع سياسات واقعية لمعالجة الفقر في البلاد.
وأشار البياضي في سؤاله إلى أن المؤشر الجديد يُظهر نسبًا أقل من الواقع، خاصة مع إدراج الدعم النقدي والعيني ضمن حساب دخل الأسر، ما يخفض نسب الفقر المعلنة من دون أن يعكس القدرة الفعلية للأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.
ووفق «التعبئة والإحصاء»، في سبتمبر 2020 عن عام 2019 – 2020، فإن نسبة الفقر بلغت 29.7 بالمئة مع وضع مبلغ 857 شهرياً و10279 جنيهاً سنوياً خطاً للفقر، فيما بلغ حد الفقر المدقع 550 جنيهاً شهرياً والسنوي 6604 جنيهات على أساس سعر صرف 16 جنيهاً لكل دولار، في وقت يسجل فيه الدولار اليوم بالبنوك نحو 48.4 جنيه.
لكن “مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار” التابع لمجلس الوزراء أصدر بياناً أكد فيه إتاحة البيانات بشكل دوري، مؤكداً اتباع منهجية قياس الإنفاق والاستهلاك استناداً على سنة مرجعية مزدوجة، أي يتم قياسها على مدار عامين متتاليين.
وأوضح أن الإصدار الجديد من بحث الدخل والإنفاق سيكون متاحاً منتصف أكتوبر المقبل، مع التأكيد على إتاحة البيانات في نوفمبر الماضي الخاصة ببحث الدخل والإنفاق لعام 2021-2022 للباحثين والمتخصصين.
وأوضح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، الذي أُصدر للمرة الأولى في مصر، يغطي 19 مؤشراً في 7 أبعاد تشمل التعليم، الصحة، السكن، العمل، الحماية الاجتماعية، الخدمات، والأمن الغذائي.
وأظهرت النتائج أن نسبة الفقر متعدد الأبعاد بلغت 21.2 بالمئة على المستوى الوطني، مع تفاوت واضح بين الريف والمدن، إذ وصل الفقر في الريف إلى 28 بالمئة مقابل 12 بالمئة في الحضر. وأكدت الحكومة أن هذا المؤشر لا يكتفي بقياس الدخل فقط، بل يعكس مستويات الحرمان في مختلف المجالات التي تؤثر على جودة حياة المواطن.
وفيما يتعلق بتطور مستوى المعيشة، أظهرت المقارنات الأولية مع عام 2018 تحسنًا في عدة مؤشرات، منها الوصول إلى الإنترنت ونوعية المسكن والصرف الصحي، بالإضافة إلى تحسن طفيف في سنوات الدراسة ومستوى الحماية الاجتماعية، ما يعكس جهود الدولة في تحسين حياة المواطنين بشكل تدريجي.
يأتي هذا التطور بالتوازي مع تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية مثل “تكافل وكرامة”، التي تستهدف الأسر الأكثر احتياجًا، مع توسيع نطاق الدعم والمزايا الاجتماعية بنسبة 16.8% في الموازنة العامة للعام المالي الحالي.
من جهته، قال أمين سر لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان عبد المنعم إمام، إن أرقام نسب الفقر مهمة لاعتبارات عدة، بما فيها تشجيع الاستثمار لكون هناك نوع من الاستثمارات يعتمد على استهداف توظيف وتشغيل الفئات الفقيرة.
وفي تصريحات سابقة، قال رئيس معهد التخطيط القومي في مصر أشرف العربي، إن خفض معدلات الفقر يتطلب الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي مرتفع ومستدام فضلاً عن تحسين آليات إعادة توزيع الدخل واستهداف المناطق الأكثر فقرا في مصر عبر مبادرات محددة كمبادرة حياة كريمة وتكافل وكرامة.
وتتوسع الحكومة في نظام “الحماية الاجتماعية” لتقليل الفقر. وكان رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، أكد تنفيذ 22 برنامجاً للحماية الاجتماعية بميزانية تقترب من 635 مليار جنيه سنوياً، من أجل دعم المواطنين غير القادرين على الكسب والأسر الأكثر احتياجاً.
وأعلن مدبولي عن الاستعداد لإطلاق منظومة استراتيجية متكاملة للتمكين الاقتصادي، تستهدف أسر «تكافل وكرامة» لمساعدتهم على تحسين ظروفهم المعيشية وزيادة دخولهم، بتمويل مبدئي يصل إلى 10 مليارات جنيه، يتم رفعه تدريجياً، ليكون قادراً على تلبية احتياجات جميع المشروعات والمبادرات التي نسعى من خلالها إلى تحسين أوضاع الأسر الأكثر احتياجاً.
على صعيد التخطيط التنموي، تتضمن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2025/2026 وحتى 2028/2029 أهدافًا واضحة لخفض معدلات الفقر تدريجيًا، بحيث ينخفض عدد السكان تحت خط الفقر من 33 بالمئة في عام 2021/2022 إلى 29 بالمئة في 2025/2026، ثم إلى 28 بالمئة بنهاية الخطة. كما تستهدف الدولة خفض نسبة الفقر المدقع من 4.2 بالمئة إلى 4% عبر تحسين برامج الحماية الاجتماعية، وتعزيز شبكات الأمان الاقتصادي، وخلق فرص عمل منتجة.
وحددت هذه الخطة هدفا إنسانيا وتنمويا طموحا، يتمثل في خفض معدلات الفقر بشكل تدريجي وملموس وصولا إلى انحساره تماما، في خطوة تعكس التزام الحكومة بتحسين جودة حياة المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية.