تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى تراجع استهلاك المصريين للحوم بنسبة 93.9 بالمئةخلال 2022، إثر وصول أسعارها إلى مستوى يفوق طاقتهم.
ونظرًا إلى زيادة سعر الأعلاف وقلة المعروض منها، باتت أسعار اللحوم تتأرجح بين 270 و280 جنيهًا، بل وصل سعرالكيلوغرام الواحد لبعض الأنواع الفاخرة إلى 300 جنيه مصري، وفقا لمسؤولين
وقد لخّص تساؤل “مستفز” للإعلامي تامر أمين، هذه الأزمة؛ فقد قال “لمَ لا نأكل لحم الحمير والأحصنة؟“، مشيرًاإلى أن هذه اللحوم “تباع وتؤكل في الكثير من الدول في العالم“، معربا عن اعتقاده بأن لا مانع دينيًا من ذلك، وهو ماأثار غضبا واسعا في مصر.
وما زاد من حنق المواطنين، أنّ كلمات الإعلامي تأتي بعد أزمة “أرجل الدجاج“، التي أثيرت بدعوة من المعهد القوميللتغذية في مصر، روّج خلالها لفوائد أرجل الدجاج على صحة الإنسان، معتبرًا أنها تجدد خلايا البشرة وتؤخر علاماتالشيخوخة، وتحافظ على صحة الشعر والأظافر، كما أنها تساعد في تخفيف آلام المفاصل، ودعا إلى شرائها كبديلغير مكلف في ظل بلوغ أسعار الدواجن إلى مستويات قياسية هي الأخرى.
كما أثار طرح البيض البودرة أو المجفف في الأسواق المصرية كبديل رخيص للبيض الطبيعي الذي تشهد أسعارهارتفاعًا كبيرًا جدلًا في البلاد التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة.
ويتزامن هذا الجدل مع إعلان البنك المركزي ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 40 بالمئة مع نهاية فبراير الماضي.
لكنّ على المصيلحي وزير التموين، أكد توفر اللحوم البلدي بـ 200 جنيه للكيلو بالتعاون والتنسيق مع العارضين فيمعارض “أهلا رمضان” ومبادرة “كلنا واحد” التابعة لوزارة الداخلية، كما تطرق إلى اللحوم المستوردة لطمأنةالمواطنين قائلا “اللحوم تأتي مبردة من تشاد ويتم ذبحها بطريقة شرعية، وسعر اللحوم السودانية 165 جنيهاللكيلو“.
وسعيًا للسيطرة على ارتفاع أسعار اللحوم، اتجهت الحكومة إلى استقدام لحوم حمراء تشادية وضخها في السوقمذبوحة وطازجة، في صفقات أكدت أنها تخضع لجميع الإجراءات الطبية المصرية، وسط تقارير تفيد بأن الدولةتستهدف استيراد 600 ألف طن، وصل منها بالفعل 55 ألفا.
سيتم توزيع اللحوم التشادية على محافظات القاهرة الكبرى ووجه بحري، وفقا للواء طارق نصير، وكيل أول لجنةالدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ، من خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية عزة مصطفى، ببرنامج صالة التحرير،مضيفا أن هناك طائرة لحوم أخرى يتم تجهيزها لضخها في محافظات الصعيد.
وأشار نُصير إلى أن بعد انتهاء عيد الفطر، سيكون هناك منافذ خاصة من أجل طرح هذه اللحوم للمواطنين، بأوزانتبدأ من 250 جرامًا؛ مراعاة لظروف المواطنين، لافتًا إلى أن أسعار هذه اللحوم 145 جنيهًا للكيلو.
ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغت واردات مصر من اللحوم والأبقار والجاموسالحية 1.3 مليار دولار خلال الشهور الثمانية الأولى من 2022، مقارنة بـ1.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2021.
وقال رئيس شعبة اللحوم بالغرف التجارية، محمد وهبة، في تصريحات صحفية “نحن دولة غير منتجة للحوم،وسنظل نستورد من هنا وهناك، لكن لدينا تضخم في الأسعار مثل كل دول العالم“. وفي حين ساد اعتقاد بأنّ هذهاللحوم ستسهم في خفض أسعار “سيد الطعام“، قال وهبة إنه بالرغم من كبر الكمية لمعلن عن استيرادها من تشادفإنها “لن تخفض أسعار اللحوم البلدية، لكنها ستجعلها تستقر ولا تزيد“.
وأعلنت مصر خلال السنوات الماضية عن 6 مشاريع كبيرة لزيادة الإنتاج الحيواني، منها مشروع المليون رأس ماشيةبتكلفة 211 مليون جنيه، على مساحة 350 فدانًا لتربية 200 ألف رأس ماشية، الذي أعلن عنه في مايو 2017، وإنشاءأربعة مجمعات الحيواني بإجمالي طاقة استيعابية 40 ألف رأس ماشية في يونيو 2022، فضلا عن مبادرة رئاسيةلتشجيع صغار المزارعين على إحلال سلالات الأبقار عالية الإنتاجية بتمويل ميسر، وقروض بـ10 مليارات جنيه مصري،تم الإعلان عنها في يوليو 2021.
ويقول رئيس شعبة اللحوم بالغرف التجارية، محمد وهبة “نحن نستهلك سنويا مليون ونصف طن من اللحوموالدواجن، نستورد نصف هذه الكمية من الخارج، وعندما تبدأ هذه المشاريع في الإنتاج سيكون عدد السكان قد زاد،وبالتالي سنظل نستورد أيضا نصف استهلاكنا تقريبا“.
وبالرغم من وجاهة قرار توفير اللحوم التشادية بأسعار منخفضة خلال شهر رمضان، فإن الاستيراد الموسمي يعتبرمن الحلول غير المستدامة لمعالجة الأزمة، فعلاوة على الضغط الذي يضيفه إلى الاحتياطي الدولاري، فإنه يضربالإنتاج المحلي على المدى المتوسط والبعيد، بحسب ورقة بحثية صدرت عن مشروع “حلول للسياسات البديلة“،التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة.
ويجزم وهبة بأن “حل أزمة نقص الإنتاج الحيواني ليس بسيطا، والمشاريع الجارية تترافق مع جهود من أجل زيادةإنتاجنا من الأعلاف، وحتى عندما نبدأ نرى تأثيرها الإيجابي فلن نتوقف عن الاستيراد“.
من جهته، يتوقع رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء” في مصر، محمود عسقلاني، في تصريحات صحفية أن تشهدأسعار اللحوم ارتفاعًا كبيرًا في المرحلة المقبلة، بحيث تتجاوز ما هي عليه اليوم بكثير، إذ قد تتخطى حاجز 300 جنيه للكيلو، مع حلول شهر رمصان، في أواخر شهر مارس الحالي.
وتستهلك مصر مليون طن من اللحوم الحمراء سنويا، تنتج 605 آلاف كيلوغرام منها محليا، وتستورد الكميةالمتبقية. وتستحوذ البرازيل على 60% من هذه الواردات، حيث تحتل مصر المرتبة الثالثة في قائمة مستوردياللحوم البرازيلية عالميا بعد الصين والولايات المتحدة.
ويشير عسقلاني إلى أنّ الحديث عن ظهور مرض جنون البقر في البرازيل سيؤثر بشكل مباشر على الأسواق المحلية،لكنه رد على مخاوف الكثيرين من دخول هذه اللحوم إلى البلاد حاليًّا، بأن الحكومة تفرض إجراءات صارمة جدا فياستيرادها، وأن المستوردين يتحملون آلاف الدولارات من أجل التأكد من سلامتها.
ويؤكد كلامه رئيس شعبة اللحوم بالغرف التجارية، محمد وهبة، الذي يشدد على أن مصر لديها قدرة كاملة علىضبط سلامة الحيوانات الواردة من الخارج، وتطبق إجراءات شديدة في سبيل ذلك. وتشكّل الهيئة العامة للخدماتالبيطرية لجنة من أطباء بيطريين متخصصين في الأمراض القابلة للانتقال، تسافر إلى الدول التي يتم الاستيراد منها،لفحص هذه الحيوانات التي يتم حجزها 3 أسابيع قبل فحصها، ومن ثم التعاقد عليها مع الحصول على شهادة تؤكدخلوها من الأمراض، وفقا للأستاذ بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة ربيع حسن فايد.
هذا، وقال مساعد وزير الزراعة، رئيس هيئة الخدمات البيطرية إيهاب صابر، إن الحكومة ربما توقف الاستيراد مؤقتالحين استلام نتائج التحاليل من المعامل، لكنه أكد أن الأمر ليس مقلقا وأن الوزارة شكلت لجنة لمتابعة الحيواناتالقادمة إلى مصر، كما أكد المتحدث باسم الوزارة محمد القرش أن الحكومة تبذل جهودا كبيرة للحفاظ على صحةوسلامة المواطنين، وتوفير منتجات عالية الجودة.