وضعت وزارة الشباب والرياضة حدًا للجدل المثار أخيرًا حول “خصخصة الأندية الرياضية”، بعدما تقدمت نائبة بلجنة الخطة والموازنة، بمقترحٍ لدعم هذا الاتجاه على غرار دول أخرى في العالم.
وقالت النائبة آمال عبد الحميد في المقترح إن الرياضة المصرية تحتاج إلى اعتماد آلية خصخصة الأندية أسوةً بدول كثيرة في العالم، من أجل مضاعفة الموارد المالية وضخ رؤوس أموال جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص، وتوفير أموال ضخمة تنفقها الحكومة.
واقترحت أن تُنفق تلك الأموال على توسيع قاعدة الممارسة الرياضية واكتشاف المواهب ودعم مراكز الشباب.
وأوضحت خصخصة الأندية الرياضية، مشروع يسهم بشكل فعال في جذب مستثمرين جدد، ويخفف العبء عن خزينة الدولة، لافتة إلى أن إسهام الرياضة في بناء الاقتصاد الوطني ضرورة ملحة، باعتبارها إحدى ركائز تنويع الاقتصاد.
لكن المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة، محمد الشاذلي، قال في تصريحات متلفزة، إن خصخصة أندية الرياضة أمر صعب للغاية، لأن الأندية في مصر تختلف عن الأندية الأوروبية.
وأوضح أن هناك مشكلات خاصة بالتمويل والاستثمار في الأندية، كما أن الجمعية العمومية للأندية المصرية حصنت المبالغ المالية التي تُقدم لها، لضمان حقوق أصحاب الجمعية العمومية، مؤكدا أن اقتراحات مجلس النواب حاليًا تناقش كيفية جلب عوائد استثمارية تحقق للنادي أهدافه دون تحميل أعباء على ميزانية الدولة.
وأضاف أنه ضمن الإطار التشريعي تم فتح باب للاستثمار وإنشاء شركات للأندية مثل النادي الأهلي الذي أنشأ 3 شركات لكرة القدم والاستاد والخدمات والسياحة وكل شركة معنية بأمر معين فيها، وذلك بخلاف شركات الأندية نفسها كنادي بيراميدز ووادي دجلة وفاركو.
ولفت إلى أن المشروع الذي قدمه الدكتور أشرف صبحي أمام رئيس مجلس الوزراء يتم عرضه على مجلس النواب ومناقشته حاليًا لإقراره بتطوير الاستثمار في الأندية وإنشاء الشركات وتعظيم فكرة وجود الشركات داخل الأندية.
وبحسب المقترح الذي قدمته النائبة، يوجد في مصر أكثر من 1010 أندية رياضية، يبلغ عدد الأندية الخاصة منها نسبة ضئيلة للغاية، مقارنة بالأندية العامة المملوكة للدولة التي تتخطى أكثر من 80 بالمئة، يتم دعمها بأكثر من 800 مليون جنيه سنويا، مع إيرادات طفيفة وعجز في ميزانية النشاط الرياضي بأغلب تلك الأندية، والباقي أندية الشركات.
وبينما تبلغ صناعة الرياضة حول العالم نحو تريليون و800 مليون دولار سنويا، بما يشمل الأنشطة الملحقة بها مثل التغذية والنقل والبث وغيرها، لا تزال الرياضة المصرية تمثل عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة، حيث تحصل على رقم كبير من موازنة وزارة الشباب والرياضة سنويًا، لدعم الإنشاءات ودعم النشاط الرياضي، وفقا للنائبة التي كشفت أن متوسط دعم الأندية سنويا من الوزارة يصل إلى 800 مليون جنيه.
ويتزامن مقترح النائبة مع إطلاق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، بهدف تحسين وضع الرياضة في المملكة.
ويقوم المشروع على ثلاثة أهداف استراتيجية، تتمثل في إيجاد فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الرياضي لتحقيق اقتصادٍ رياضي مستدام، ورفع مستوى الاحترافية والحوكمة الإدارية والمالية في الأندية الرياضية، إضافة إلى رفع مستوى الأندية وتطوير بنيتها التحتية لتقديم أفضل الخدمات للجماهير الرياضية، ما ينعكس بشكل إيجابي على تحسين تجربة الجمهور.
وقال عدد من نواب تنسيقية شباب الأحزاب إن ما تفعله السعودية في ملف الاستثمار الرياضي حان تطبيقه في مصر لتصبح كل الأندية استثمارية، وتقوم على صناعة حقيقية تجذب المزيد من المستثمرين في ظل ضغوط اقتصادية تتعرض لها الدولة.
وسبق أن طرح ملف خصخصة الأندية الرياضية على طاولة النقاش إبان حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، حين كانت الحكومة تدرس تحويل كل الأندية إلى كيانات تمول نفسها ذاتيا بدلا من اعتمادها على خزانة الدولة.
وحينها، أعلن المجلس القومي للرياضة عام 2006 تطبيق الخصخصة في القطاع الرياضي من خلال تحويل النادي إلى شقين، أحدهما رياضي مستقل بذاته وتعتمد موارده على اشتراكات الأعضاء ورسوم الأنشطة الأخرى المختلفة، والآخر للنادي ويكون رياضيا ويتم تقييم أصوله من ملاعبه ولاعبيه وجماهيريته وبطولاته عن طريق خبراء ومتخصصين، ثم يُطرح النادي في بورصة الأوراق المالية ليصبح أصحاب الأسهم جمعية عمومية تختار مجلس الإدارة من بين أعضائها بنظام الشركات المساهمة.
وبدأت محاولات خصخصة الأندية الرياضية في مصر بعد صدور قانون الرياضة في 2017، الذي سمح للأندية الحكومية أن تؤسس شركاتها الخاصة الاستثمارية للرياضة، ثم أعلنت بعدها الحكومة في عام 2019 نيتها طرح نادي غزل المحلة للشراكة مع القطاع الخاص، لتفتح الباب أمام الاستثمار في الأندية الرياضية.
وكان اجتماع لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب، الذي انعقد في يناير الماضي، للاستماع لمقترحات النقاد الرياضيين وكبار الإعلاميين، بشأن تعديلات قانون الرياضة، شهد مطالب بخصخصة الأندية الرياضية، وعدم إرهاق موازنة الدولة بالإنفاق عليها.
وقال زعيم الأغلبية بمجلس النواب، المهندس أشرف رشاد، تعقيبا على على مطالب إلغاء الدعم في ذلك الاجتماع، بقوله إن “هناك أندية رياضية شعبية تحقق بطولات، ولكنها تعاني من أزمات مالية”، متسائلًا عن كيفية التعامل معها.
وتباينت آراء خبراء الاقتصاد بين من يرى هذه الخطوة ضرورة ملحة في هذه الفترة، باعتبار أن الرياضة باتت سلعة مهمة في العديد من دول العالم، ومن يحذر منها باعتبار أن هناك اعتبارات سياسية وليس رياضية أو اقتصادية فقط، مطالبين بالاستثمار فقط دون اللجوء إلى خصخصة الأندية والتشجيع على إنشاء أندية جديدة.
لكن الفكرة تصطدم ببعض العوائق، فالقانون مثلا يشترط عدم أحقية المستثمرين، سواء الأفراد أو الشركات في ملكية أكثر من 49 في المئة من حصة النادي، وبالتالي فإن الحصة الأكبر هي ملك للنادي، وهو ما يعني أن مجلس إدارة أي نادٍ هو صاحب القرار، وهو ما لا يشجع أي مستثمر للإقدام على أي خطوة لا يستطيع التحكم من خلالها في إدارة الأموال التي يضخها وينتظر منها جني الأرباح، بحسب ما يقول الخبير الاقتصادي في شؤون الأندية الرياضية، يحيي عبد السلام، لموقع “الحرة”.
ورغم أن من الصعب في الوقت الحالي خصخصة الأندية في مصر بسبب تعدد أنواع الأندية سواء أهلية أو أندية مؤسسات مثل الأندية العسكرية، فإن ذلك ليس أمرا بعيدا أو مستحيلا، وإنما يمكن أن يحدث مع إجراء تغييرات هيكلية في بنية وقوانين كرة القدم في مصر، وفقا للمتحدث.
وقال إنه “لو تم تعديل القانون ووجدت بيئة الاستثمار المناسبة سيكون هناك ملاك للأندية ورؤوس أموال كبيرة، ومزيد من الإدارات ذات الكفاءة في الأندية صاحبة القاعدة الجماهيرية، وأن الكرة المصرية تملك أنديتها شعبية ضخمة، هي بلا شك تُعد عاملا مهما وجاذبا للاستثمارات، إذا هيأت الحكومة البيئة والقوانين المناسبة لذلك.
العائق الثاني، هو أن الجماهير المصرية لا يمكنها أن تتقبل فكرة شراء أي رجل أعمال أجنبي لنادٍ مثل الأهلي أو الزمالك، لذلك يجب ترك الأندية الشعبية دون إخضاعها لأي خصخصة، بحسب الخبير الرياضي سعد الدين كامل، الذي يقترح طرقا بديلة تدر أرباحا على هذه الأندية وبالتالي الاقتصاد، منها استعانة الأندية المصرية بشركات عالمية متخصصة في علم الإدارة من أجل إدارة شؤون النادي على ألا يتم بيع أصول النادي، على غرار الأندية الأوروبية الشهيرة.