بينما تتزايد المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة عالميًا، بسبب الحرب في أوكرانيا، فضلا عن القلق المتنامي من التغير المناخي، تبرز إفريقيا كحل عاجل لمشكلة نقص الغاز والنفط في أوروبا، وحل طويل الأمد لمشكلة الاعتماد على مصادر الطاقة الباعثة للكربون.
فالقارة الإفريقية تمتلك 13% من احتياطي الغاز في العالم (أقل قليلاً من احتياطي الغاز في الشرق الأوسط)، و7% من احتياطي النفط العالمي، فضلاً عن إمكانات هائلة لإنتاج الطاقة الخضراء، بحسب تقرير مطوّل في مجلة “الإيكونوميست”.
وتتعدد دوافع عودة الاهتمام بموارد الطاقة الإفريقية رغم تراجع أهميتها في أسواق الطاقة على مدى عقود، منها ارتفاع أسعار الغاز، وزيادة الطلب من الدول الأوروبية، مع التخلي عن الغاز الروسي، ثم التحول من الفحم إلى الغاز، وفقا للمجلة.
موارد هائلة وفرص واعدة
يقول كلاوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية للنفط، إن القارة السوداء “لديها كميات كبيرة من الغاز، ولديها الشمس والرياح… وهذا يتوافق مع احتياجات التحول إلى الطاقة الخضراء”، لافتا إلى أن موارد الطاقة الإفريقية “ربما تكون بالغة الأهمية لمستقبل أوروبا، ولغيرها”.
يذهب أكوس لوسز، الباحث البارز في مجال الطاقة بجامعة كولومبيا الأمريكية، إلى أن مشروعات الغاز الجديدة في إفريقيا جنوب الصحراء يمكن أن تضيف نحو 90 مليار متر مكعب من الإنتاج السنوي للغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2030، فيما وتذهب شركة “ريستاد إينرجي” لأبحاث الطاقة، إلى أن إفريقيا تستطيع إضافة 120 مليار متر مكعب من الغاز إلى إنتاجها الحالي، ومن ثم زيادة حصتها من إنتاج الغاز العالمي من 6 % إلى 8.5 %.
ويتوقع “منتدى الدول المصدرة للغاز” (GECF)، أن يرتفع إنتاج القارة من الغاز، من 249 مليار متر مكعب سنويا إلى 600 مليار متر مكعب بحلول عام 2050.
وقد بدأت شركات طاقة كبرى، مثل “إيني” الإيطالية، في التخطيط لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء القارة، حيث استأنفت العمل في مشروعين ضخمين بعد تأجيلهما من قبل، منهما مشروع بقيمة 30 إلى 40 مليار دولار في تنزانيا، وآخر بقيمة 20 مليار دولار في موزمبيق.
كما وقعت صفقة بقيمة 8 مليارات دولار لتطوير حقلين ليبيين، قد يوفران 30 مليار متر مكعب إضافية من الغاز بحلول عام 2030، بحسب تقديرات لوسز.
وتقدَّمت شركة “إكسون موبيل” الأمريكية، وشركة البترول الوطنية الصينية بمشروع كبير لإنتاج الغاز الطبيعي في دول الجوار.
وتعمل شركتا “شل” و”إكوينور” الأوروبيتان على إحياء مشروع سابق- تتراوح قيمته بين 30 و40 مليار دولار- لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في تنزانيا.
ماذا عن الطاقة الخضراء؟
تذهب “الوكالة الدولية للطاقة” (IEA) إلى أن العالم سيحتاج إلى إنتاج 90 مليون طن من الهيدروجين منخفض الكربون سنوياً، بحلول عام 2030، ونحو 450 مليون طن من الانبعاثات الخالية من الكربون بحلول منتصف عام 2050.
وقد خلصت دراسة حديثة أجراها “بنك الاستثمار الأوروبي” (EIB)، إلى أن إفريقيا يمكن أن تنتج 50 مليون طن من هذه المواد سنويا بحلول عام 2035 من خمس مناطق: مصر، وموريتانيا، والمغرب، وناميبيا، وجنوب إفريقيا.
ويذهب البنك في دراسته إلى أن موريتانيا والمغرب قد يُصبحان من أبرز دول العالم في إنتاج الطاقة الخضراء بحلول عام 2035.
وقد بدأت المشروعات الكبرى لإنتاج الهيدروجين الأخضر تتسارع بالفعل في إفريقيا، ومن أكبر هذه المشروعات: المشروع الذي وقعت الحكومة الموريتانية عقوده مع شركة CWP Global، العام الماضي، لاستغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية بالبلاد في إنتاج 1.7 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً.
وفي الوقت نفسه، تخطط شركة Xlinks البريطانية لإنشاء محطة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المغرب، سعياً إلى إرسال الكهرباء مباشرة إلى بريطانيا بكابلات بحرية تمتد على مسافة 3800 كيلومتر، بحلول عام 2030.
ويمكن أن يوفر هذا المشروع 8% من احتياجات بريطانيا من الطاقة الكهربائية بتكلفةٍ أقل بكثير من محطات الطاقة النووية.
تحديات كبيرة وعقبات
مع ذلك، فإن دول القارة الإفريقية تواجه 3 عقبات في هذا الصداد، أولها هو التقاعس، فالمنافسون في إنتاج الغاز، مثل قطر وأمريكا، يتحركون بسرعة لتوسيع إنتاجهم، وعلى إفريقيا أن تتحرك بسرعة أكبر حتى لا تضيع عليها فرصة تزويد أوروبا بالطاقة.
أما العقبة الثانية فهي اضطراب الأمن الداخلي، فقد تسببت حركات التمرد المسلحة بالفعل في إرجاء مشروعات غربية كبرى لإنتاج الطاقة في أكثر من بلد إفريقي، كما تتمثل العقبة الثالثة في تقسيم العوائد القادمة من إنتاج الطاقة، فالسياسيون ورجال الأعمال ذوو العلاقات الوثيقة بمشروعات النفط والغاز الضخمة قد يستحوذون على عوائد البلاد من صادرات الطاقة، ويحبسون الاستفادة منها عن عموم الناس في بلادهم.