
فجرت الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة الماضية، شرارة توتر غير مسبوق في الشرق الأوسط، حينما أعلنت إيران عن هجوم عسكري إسرائيلي “غير مبرر” على أراضيها، ولم يقتصر الاستهداف على المواقع العسكرية، بل طال منشآت نووية ومناطق سكنية، مخلفًا وراءه قتلى من القادة العسكريين والعلماء النوويين والمدنيين، هذا التصعيد الخطير دفع المنطقة إلى حافة الهاوية، مهددًا بإشعال صراع أوسع نطاقًا قد تتجاوز تداعياته الحدود الإقليمية لتطال الأمن العالمي برمته.
إيران ترد وتتهم أمريكا بالتواطؤ:
أعلن وزير الخارجية الإيراني، “عباس عراقجي”، اليوم الأحد، في اجتماع مع السفراء الأجانب بطهران، أن إسرائيل شنت “عدوانًا سافرًا” على إيران، مستهدفة منشأة “نطنز” النووية وأهدافًا أخرى في طهران، مما أدى إلى سقوط قتلى مدنيين، وشدد “عراقجي”، وفقاً لـ”وكالة تسنيم” الإيرانية”، على أن استهداف منشأة نووية “محظور تمامًا” بموجب القانون الدولي.
وأكد “عراقجي” أن إيران ردت على الهجمات “دفاعًا عن النفس”، مستهدفة مواقع عسكرية واقتصادية في عمق الكيان الإسرائيلي، وحذر من أن أي تصعيد في الخليج العربي قد يجر المنطقة إلى حرب أوسع ذات تداعيات عالمية.
وفي تطور لاحق، أعلن قائد حرس الحدود الإيراني، العميد “أحمد علي كودرزي”، عن رصد وتدمير 44 طائرة مسيرة تابعة للكيان الإسرائيلي خلال الـ 48 ساعة الماضية، كانت تحاول التسلل إلى الأجواء الإيرانية عبر الحدود، يؤكد هذا الإعلان مستوى المواجهة العسكرية المتزايدة بين الجانبين.
الأبرز في التصريحات الإيرانية كان اتهام الولايات المتحدة بالتواطؤ المباشر في الهجمات الإسرائيلية، حيث صرح “عراقجي” بامتلاك إيران “أدلة قاطعة” على دعم القوات الأمريكية في المنطقة العدوان الإسرائيلي على إيران، مستشهداً بتصريحات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.
ترامب ينفي التورط ويحذر:
من جانبه، نفى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في منشور على منصة “تروث سوشيال”، أي تورط أمريكي في الهجوم الإسرائيلي على إيران، ومع ذلك، وجه تحذيرًا شديد اللهجة لطهران، قائلاً: “إذا هاجمتنا إيران بأي شكل من الأشكال، فستنهال عليكم القوات المسلحة الأمريكية بكل قوتها وجبروتها بمستويات لم تشهدها من قبل”.
وتأتي تصريحات “ترامب”، التي تنفي التورط المباشر لكنها تلمح إلى معرفة مسبقة أو حتى موافقة ضمنية، قد تزيد من الشكوك الإيرانية حول الدور الأمريكي، وعكس التحذير الصارم لـ”ترامب” رغبة واشنطن في ردع أي تصعيد إيراني مباشر ضد المصالح الأمريكية، بينما فتح الباب أمام إمكانية “اتفاق” بين إيران وإسرائيل.
إدانات إقليمية واسعة وتضامن مع إيران:
حظي هجوم الكيان الإسرائيلي بإدانات واسعة من دول ومنظمات إقليمية، أعربت عن تضامنها مع إيران وشددت على خطورة التصعيد:
مصر: أكد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” أن “النهج التصعيدي” الإسرائيلي الراهن يمكن أن تترتب عليه “تداعيات كارثية على المنطقة وعلى الأمن والاستقرار الإقليميين”، وحذر من أن هذا الوضع يعرض مقدرات شعوب المنطقة لخطر بالغ، وقد يدفع بالشرق الأوسط بأكمله إلى “حالة من الفوضى العارمة” التي ستتحمل عواقبها جميع الدول دون استثناء، وشدد الرئيس “السيسي”، على ضرورة الوقف الفوري للأعمال العسكرية، والعودة إلى مسار المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة عُمانية، معتبرًا ذلك “السبيل الوحيد للوصول إلى حل سلمي للأزمة الراهنة”.
باكستان: أدانت الهجمات بشدة ووصفتها بأنها “انتهاك صارخ لسيادة إيران”، ودعا وزير الدفاع الباكستاني إلى وحدة الدول الإسلامية وقطع العلاقات مع إسرائيل.
أذربيجان، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، وقطر، والإمارات، والعراق، وأفغانستان: أدانت جميعها التصعيد، محذرين من تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي، وطالبوا بتحرك دولي لوقف الاعتداءات.
المرجع الديني الأعلى في العراق “علي السيستاني”: أدان الهجمات ودعا إلى ممارسة ضغوط دولية على إسرائيل.
جامعة الدول العربية، ولبنان، وإندونيسيا، والصين: أعربوا عن قلقهم العميق، ودعوا إلى ضبط النفس، واتخاذ إجراءات دولية لمنع المزيد من التصعيد، مؤكدين على ضرورة الحوار والحلول الدبلوماسية.
هذا التوحيد الإقليمي في إدانة الهجوم الإسرائيلي يعكس رفضًا واسعًا لأي تصعيد عسكري قد يزعزع استقرار المنطقة.
ردود فعل غربية ومعايير مزدوجة واتهامات بالتواطؤ:
اتسمت ردود الفعل الغربية بمزيج من الدعوات لضبط النفس والتأكيد على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، مما أثار اتهامات إيرانية بـ”التواطؤ والمعايير المزدوجة”:
فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وجمهورية التشيك: أعربوا عن قلقهم ودعوا لضبط النفس، لكنهم أكدوا في الوقت ذاته على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وانتقدوا البرنامج النووي الإيراني السلمي، متجاهلين الاعتداء الإسرائيلي المباشر.
الأمم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية: أدان الأمين العام للأمم المتحدة “التصعيد العسكري” وعبر عن قلقه من الهجمات على المنشآت النووية، وعرض رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية زيارة إيران لتقييم الأضرار، رغم تشكيك إيران في نزاهته.
إن الانتقاد الإيراني لـ”التواطؤ والمعايير المزدوجة” في الغرب يجد صداه في التناقض بين الدعوات لضبط النفس والتأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، حتى في سياق هجوم مباشر على أراضي دولة ذات سيادة، هذا الموقف قد يعقد أي جهود دبلوماسية لاحتواء الأزمة، ويزيد من قناعة إيران بضرورة الاعتماد على قوتها الذاتية وحلفائها الإقليميين، وتجاهل الغرب للموقف الإيراني الذي يرى في استهداف منشآتها النووية “خطًا أحمر” قد يدفع طهران إلى إعادة تقييم التزاماتها الدولية.
مع تصاعد حدة الخطاب العسكري والدبلوماسي، تبدو المنطقة على مفترق طرق خطير، فبينما تتصاعد أصوات الإدانة الإقليمية، يبقى الغموض يلف قدرة المجتمع الدولي على احتواء هذا التصعيد، وإن استمرار الهجمات المتبادلة، خاصة تلك التي تطال المواقع النووية، يرفع من مستوى المخاطر بشكل كبير، ويهدد بجر المنطقة إلى دوامة من العنف يصعب التنبؤ بعواقبها، والسؤال المحوري الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستنجح الجهود الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وتتدحرج المنطقة نحو صراع إقليمي شامل؟