
يحسن الإنتاجية 25% فى الصناعة والزراعة..
في قلب التحولات العالمية التي يشهدها العالم في عصر الثورة الصناعية الرابعة، تأتي مصر في مقدمة الدول الساعية لتبني الذكاء الاصطناعي وتوظيفه على نحو يحقق طموحاتها الاقتصادية والتنموية.
مصر، التي تبذل جهودًا حثيثة في تحديث بنيتها التحتية الرقمية وتطوير القطاعات الحيوية، لا ترى في الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية حديثة، بل أداة أساسية لفتح آفاق جديدة من النمو الاقتصادي ورفع مستوى معيشة المواطن المصري. ومع تسارع وتيرة تطور هذه التقنية، أصبح من الواضح أن الذكاء الاصطناعي سيمثل محركًا أساسيًا في رؤية مصر المستقبلية لعام 2030 وما بعدها.
وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة على أهمية الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة، مشيرًا إلى أن العالم يشهد تحولًا جوهريًا بفضل هذا النوع من التقنيات. ففي كلمته الافتتاحية لإطلاق الإصدار الثاني من استراتيجية مصر للذكاء الاصطناعي 2025-2030، قال الرئيس: “إننا نعيش في عصر يشكل فيه الذكاء الاصطناعي محورًا أساسيًا لجهود التنمية العالمية، حيث أصبح تأثيره واضحًا في جميع مناحي الحياة”، مشددا على ضرورة أن تستفيد مصر من هذه الإمكانيات الهائلة لتحقيق تقدم مستدام في كافة المجالات، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والزراعة.
ويمثل الذكاء الاصطناعي أداة حيوية في تعزيز قدرة الاقتصاد المصري على المنافسة في الأسواق العالمية، وفقا لوزير التعاون الدولي رانيا المشاط، التي تؤكد أن الذكاء الاصطناعي يسهم بشكل كبير في تحسين الكفاءة الإنتاجية في مختلف القطاعات من الصناعة إلى الزراعة والخدمات. وتشدد المشاط على أن هذا التوجه يتطلب استثمارًا مستمرًا في البنية التحتية الرقمية، وتطوير المهارات اللازمة لتهيئة المجتمع، خاصة الشباب، للتعامل مع هذه التقنيات المتقدمة.
فيما يتعلق بخطط الحكومة في هذا السياق، أوضح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عمرو طلعت، أن مصر بدأت بالفعل في تنفيذ استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تستهدف إدخال هذه التكنولوجيا في كل قطاعات الاقتصاد. وقال طلعت: “إننا نسعى إلى أن يسهم الذكاء الاصطناعي بما يتراوح بين 7 و7.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، من خلال توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي وإمكانياته ودرء مخاطره في مختلف القطاعات”. كما أشار إلى أهمية دعم القطاع الخاص من خلال توسيع قاعدة المواهب المحلية وتحفيز الشركات الناشئة عبر التدريبات والدعم التقني.
وتتبلور رؤية مصر للذكاء الاصطناعي من خلال الاستراتيجية الوطنية التي أُطلقت في عام 2022 والتي تم تحديثها في عام 2025، وتتضمن ستة محاور رئيسية تركز على تعزيز البنية التحتية الرقمية، ضمان الحوكمة الجيدة لاستخدام التكنولوجيا بشكل أخلاقي، وتشجيع الابتكار من خلال الأبحاث والتطوير.
كما تشمل الاستراتيجية توفير الموارد الحوسبية اللازمة للقطاعين العام والخاص، وتحفيز الاستثمارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي مثل الحوسبة السحابية ومراكز البيانات، وتوسيع قاعدة المواهب المحلية من خلال برامج التدريب والتأهيل. وتسعى مصر، من خلال هذه الاستراتيجية، إلى أن تصبح مركزًا إقليميًا رائدًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يفتح أمامها آفاقًا واسعة من الفرص الاقتصادية.
ويرى المهندس أحمد الزيات، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، أن الذكاء الاصطناعي سيشكل محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي في مصر، حيث سيؤدي إلى خفض التكاليف وتحسين الكفاءة في العديد من القطاعات. ويؤكد “الزيات” أن هذه التكنولوجيا ستكون محورية في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري على الصعيدين المحلي والدولي. كما أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في تحسين الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 20 و25% في القطاعات المختلفة، بما فيها الصناعة والزراعة.
وفي نفس السياق، يقول المهندس محمد نصر، الخبير التكنولوجي، إن التحولات التكنولوجية في مصر، من خلال الذكاء الاصطناعي، ستفتح آفاقًا جديدة أمام الشباب المصري، خاصة إذا تم تطوير المهارات التكنولوجية والتعليمية لديهم. وأكد نصر أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في إحداث تغييرات جذرية في شكل سوق العمل، حيث سيتعين على الشركات إعادة هيكلة عملياتها لتتكيف مع هذه التقنيات الحديثة.
أما الدكتور محمد الطويل، عضو اللجنة الوطنية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فيقترح إنشاء وزارة متخصصة للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لتتولى مسئولية الملف وتكون مسئولة عن التنسيق بين الوزارات والهيئات المختلفة، وتنفيذ المشروعات القومية للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، لتوحيد الجهود الرامية للإسراع في تنفيذ المشروعات والخطط التي تسعى الدولة للإسراع في تنفيذها، واللحاق بالدول التي سبقت في هذا المجال، مثل رواندا التي أطلقت قمراً صناعياً لتوفير الإنترنت المجاني للمواطنين.
ويضيف أن التحول الرقمي سيُساعد في الحد من الفساد والرشوة، وأن ميكنة جهات الدولة وربطها إلكترونياً سيؤدي إلى تسهيل إجراءات المعاملات وسرعة صدور الأحكام في حالات التقاضي لتحقيق العدالة وكلها عوامل محفزة لجذب الاستثمار.