فن وثقافة

من كليوباترا إلى المومياء.. السينما العالمية تُعيد نطق اللغة الهيروغليفية المصرية

من بين كل الحضارات التي مرّت على وجه الأرض، لم تستطع أيٌّ منها أن تسحر خيال الفن العالمي مثل الحضارة الفرعونية، فمنذ أن خطّت الكاميرا أول مشهد لها في هوليوود، كان المصري القديم حاضرًا في المخيلة السينمائية كرمزٍ للغموض والجمال والخلود.

تحت ظلال الأهرامات، ووسط وهج المعابد والذهب والطقوس المقدسة، وجدت السينما العالمية مسرحًا مفتوحًا للدهشة والإبداع؛ فاستلهمت من التاريخ المصري حكايات عن الملوك والآلهة والعشق والخلود.

وهكذا، أصبحت مصر -رغم مرور آلاف السنين- أيقونة بصرية لا تُنسى، تتجدّد في كل حقبة فنية، لتؤكد أن الحضارة التي علّمت العالم الكتابة والهندسة، ما زالت اليوم تُلهمه في أرقى أشكال الفن والإبداع.

 

كليوباترا.. حين وقعت هوليوود في حب ملكة النيل

يُعدّ فيلم “كليوباترا  (Cleopatra)”، الذي أُنتج عام 1963 من بطولة إليزابيث تايلور وريتشارد برتون أحد أضخم وأشهر الإنتاجات في تاريخ السينما العالمية، حيث قدّم رؤية أسطورية لآخر ملكات الفراعنة، جمعت بين الفخامة البصرية والدراما التاريخية.

استطاع المخرج أن يحوّل قصة كليوباترا من صفحات التاريخ إلى ملحمة سينمائية ساحرة، من خلال ديكورات ضخمة، وأزياء مبهرة استوحت تفاصيلها من نقوش المعابد والبرديات المصرية القديمة.

شارك في الفيلم نخبة من نجوم العصر الذهبي لهوليوود، من بينهم ريكس هاريسون في دور يوليوس قيصر ورودي ماكدويل بدور أوكتافيوس.

ورغم تكلفته الإنتاجية الهائلة، التي كادت تتسبب في إفلاس شركة “فوكس”، إلا أن الفيلم رسّخ مكانة كليوباترا كأيقونة خالدة تجمع بين الجمال والذكاء والسلطة، كما شكّل محطة فارقة في المسيرة الفنية لكل من تايلور وبيرتون، اللذين جمعتهما قصة حب حقيقية لم تقل درامية عن أحداث الفيلم نفسه.

 

حتشبسوت”.. الملكة التي تحدّت التاريخ

من أبرز الوثائقيات التي تناولت حياة الملكة حتشبسوت فيلم Hatshepsut: The Woman Who Was King  ، الذي أنتجته ناشيونال جيوغرافيك، واعتبرها رمزًا مبكرًا لتمكين المرأة في التاريخ.

كما ظهرت سيرتها في عدد من الأفلام الأوروبية المستقلة التي حاولت استكشاف شخصيتها الفريدة كأول امرأة حكمت مصر كفرعون.

وقد ساعدت هذه الأعمال في ترسيخ صورتها كرمز للقيادة والعقلانية والإنجاز العمراني في العالم القديم.

 

المومياء.. حين استيقظ الفراعنة من رقادهم في هوليوود

يُعدّ فيلم “المومياء” (The Mummy)، الصادر عام 1999 من إخراج ستيفن سومرز، أحد أنجح أفلام المغامرة في تاريخ هوليوود الحديثة. من بطولة بريندان فريزر وراشيل وايز وأرنولد فوسلو، وهو إعادة إحياء لفيلم كلاسيكي يحمل الاسم نفسه من إنتاج عام 1932.

تدور أحداث الفيلم حول الكاهن الفرعوني إمحوتب الذي يُبعث للحياة بعد آلاف السنين، ليطلق قوى خارقة تهدد العالم الحديث. تجمع القصة بين الأسطورة والخيال العلمي والمغامرة، مقدّمةً مشاهد بصرية مذهلة ومعارك تدور بين المقابر والمعابد الفرعونية.

الفيلم قدّم للمشاهد الغربي لمحة عن سحر الحضارة المصرية وغموض طقوسها الجنائزية في إطار درامي شيّق يناسب جميع الأعمار.

حقق المومياء نجاحًا جماهيريًا هائلًا، إذ تجاوزت إيراداته 400 مليون دولار عالميًا، ما جعله ينطلق في سلسلة من الأجزاء والأعمال المشتقة، منها عودة المومياء (2001) وقبر إمبراطور التنين (2008)، إلى جانب مسلسل كرتوني للأطفال.

ورغم مرور أكثر من عقدين على عرضه، ما يزال الفيلم يحتفظ بمكانته كأحد أنجح الأعمال التي أعادت الحضارة المصرية القديمة إلى ذاكرة السينما العالمية.

 

آلهة مصر”.. الفراعنة بين الأسطورة والخيال الهوليوودي

صدر فيلم ” آلهة مصر( آلهة مصر) ” في فبراير عام 2016 كمحاولة جديدة من هوليوود لإحياء الأساطير المصرية القديمة بروح خيالية معاصرة. من إخراج أليكس بروياس، وبطولة نيكولاي كوستر والداو في دور الإله “حورس”، وجيرارد بتلر في دور “ست”، إلى جانب شادويك بوسمان، وإيلودي يونغ، وجيوفري راش.

قدّم العمل مزيجًا من المغامرة والأسطورة باستخدام أحدث تقنيات المؤثرات البصرية، ليصوّر صراع الآلهة على عرش مصر القديمة في عالم مليء بالسحر والمخلوقات الأسطورية.

أثار الفيلم جدلًا واسعًا عند طرحه في الولايات المتحدة بسبب غياب الممثلين ذوي الأصول الإفريقية أو العربية رغم أن الأحداث تدور في قلب القارة السمراء، ما دفع النقاد لتوجيه اتهامات لصنّاع العمل بـ”تبييض التاريخ” وتجاهل التنوع العرقي.

ورغم ميزانيته الضخمة التي تجاوزت 140 مليون دولار، لم يحقق الفيلم النجاح المتوقع، إذ جمع نحو 132 مليون دولار عالميًا فقط، وتلقى تقييمات نقدية منخفضة جدًا على مواقع المراجعات السينمائية.

لكن.. يبقى “آلهة مصر” دليلاً جديدًا على أن جاذبية الحضارة الفرعونية ما تزال قادرة على إلهام خيال السينما العالمية، حتى وإن أخفقت أحيانًا في نقلها بروحها الحقيقية.

 

“موت على ضفاف النيل”.. الغموض يبحر في أحضان الحضارة المصرية

يُعدّ فيلم “موت على ضفاف النيل (Death on the Nile)”، الصادر عام 2022، أحد أبرز أفلام الغموض والإثارة الحديثة التي استعادت سحر روايات أجاثا كريستي الخالدة. الفيلم من إخراج، وبطولة كينيث براناه في دور المحقق الشهير هيركيول بوارو، وكتب السيناريو مايكل جرين، مقتبسًا من رواية كريستي التي صدرت عام 1937 بالعنوان نفسه.

يجمع العمل بين حبكة بوليسية متقنة وإبهار بصري آسر، حيث تدور أحداثه في قلب مصر الفرعونية وسط الأهرامات ومعابد أبو سمبل ونهر النيل الخالد.

يحكي الفيلم قصة رحلة شهر عسل تتحوّل إلى لغز جريمة قتل غامضة على متن باخرة فاخرة تُبحر في النيل، بعد مقتل الوريثة الثرية لينيت ريدجواي في ظروف غامضة.

 

تمكّن «موت على ضفاف النيل» من إعادة تقديم مصر في صورة بصرية مبهرة، ما جعله رسالة حب لهندسة الحضارة الفرعونية وروحها الغامرة.

ورغم الجدل الذي أثارته ظروف إنتاجه وجائحة كورونا، نجح الفيلم في جذب الأنظار عالميًا، مؤكدًا أن نهر النيل ما يزال مصدر إلهام للدراما والخيال في السينما العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *