شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا، في ظل تزايد التوترات الجيوسياسية وازدياد الإقبال على المعدن الأصفر كملاذ آمن. هذا الارتفاع جاء وسط أجواء من القلق المتزايد حول الاقتصاد العالمي، وخاصة مع قرب عام 2025 وما قد يحمله من تحديات إضافية في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية.
من المعروف أن الذهب يعتبر ملاذًا آمنًا في فترات الاضطراب الجيوسياسي. حيث يشهد السوق الإقبال المتزايد على المعدن النفيس في ظل التوترات السياسية التي تؤثر على استقرار الأسواق المالية.
في الأيام الأخيرة، كانت منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، قد أثرت بشكل كبير على توجهات السوق، ما دفع العديد من المستثمرين إلى تحويل أموالهم إلى الذهب، لتزداد الأسعار بشكل ملحوظ، إثر ذلك.
ارتفاع عالمي وتراجع محلي
يرى العديد من الخبراء أن أسعار الذهب في 2025 قد تشهد ذروة جديدة، وقد يصل سعر الأونصة إلى مستويات غير مسبوقة، لتتجاوز حاجز 3 آلاف دولار، في ظل مجموعة من العوامل التي تساهم في دفع هذا المعدن الثمين إلى قمة جديدة.
وقد أظهرت تقارير من الأسواق المحلية والدولية أن الطلب على الذهب قد ارتفع بشكل ملحوظ مع تزايد التوترات الجيوسياسية، وهو ما انعكس مباشرة على الأسعار. وارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.1% ليصل إلى 2622.93 دولارًا للأونصة بحلول الساعة 0040 بتوقيت غرينتش، بينما ارتفعت العقود الآجلة للذهب بنسبة 0.2% إلى 2637.30 دولارًا.
وسجل المعدن الأصفر ارتفاعا بأكثر من 27% هذا العام، مسجلًا أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2790.15 دولارًا في 31 أكتوبر، مدفوعًا بسياسات التيسير النقدي للبنك المركزي الأميركي وتصاعد التوترات العالمية.
على الرغم من هذا الارتفاع العالمي، تراجعت أسعار الذهب في الأسواق المحلية بنسبة 0.9% خلال الأسبوع المنتهي مساء السبت، بينما تراجعت الأونصة في البورصة العالمية بنسبة 0.04% خلال الأسبوع المنتهي مساء الجمعة. وفقًا لتقرير منصة “آي صاغة”، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه سيبطئ وتيرة خفض أسعار الفائدة في عام 2025، مما أثر على معنويات السوق.
وأوضح المهندس سعيد إمبابي، المدير التنفيذي للمنصة، أن أسعار الذهب المحلية تراجعت بنحو 35 جنيهًا خلال الأسبوع الماضي، حيث افتتح جرام الذهب عيار 21 عند 3770 جنيهًا واختتم عند 3735 جنيهًا. كما تراجعت أسعار الذهب العالمية بقيمة دولار واحد، حيث افتتحت الأونصة عند 2622 دولارًا واختتمت عند 2621 دولارًا. وأوضح أن تحرك الدولار بجنيه واحد فقط يدفع سعر الذهب للارتفاع بأكثر من 75 جنيهًا بالسوق.
قفزة العام الجديد
من المتوقع أن تتواصل تأثيرات السياسة النقدية للبنك المركزي الأمريكي على أسواق الذهب في المستقبل القريب. حيث يتوقع محللون أن يبطئ البنك الفيدرالي من وتيرة خفض أسعار الفائدة في 2025، وهو ما قد يعكس تأثيرًا غير مباشر على أسواق الذهب. وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار الفائدة عادةً ما يؤدي إلى تقليل جاذبية الذهب (لأن المعدن الأصفر لا يدر عوائد ثابتة كما هو الحال مع الأصول الأخرى)، فإن العديد من المحللين لا يتوقعون انخفاضًا كبيرًا في الأسعار خلال العام المقبل.
وعلى الرغم من ذلك، يشير خبراء اقتصاديون إلى أن هناك عوامل خارجية، مثل فوضى النظام المالي العالمي، والتي قد تساهم في ارتفاع أسعار الذهب بشكل غير مسبوق. على سبيل المثال، يتوقع جيم ويلي، الخبير المالي ومستشار الاستثمار، أن أسعار الذهب قد تصل إلى 3100 دولار للأونصة بحلول عام 2025، مؤكدًا أن التوترات الجيوسياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي سيسهمان في هذا الارتفاع. ويشير ويلي إلى أن الذهب لن يكون مجرد معدن ثمين فحسب، بل سيكون ملاذًا حيويًا ضد الانهيارات الاقتصادية والفوضى السياسية.
عند الحديث عن الذهب، لا يمكن تجاهل دوره كبديل محتمل للعملات التقليدية في المستقبل. فقد بدأ العديد من الخبراء، مثل روبرت كيوساكي، مؤلف الكتاب الشهير “الأب الغني الأب الفقير”، في التحذير من الانهيار المالي العالمي المرتقب، مشيرين إلى أن “عصر البترودولار” قد انتهى. كيوساكي أوضح أن الذهب سيكون هو السبيل الوحيد للثراء في هذه المرحلة المقبلة، متوقعًا أن أسعار الذهب سترتفع بشكل كبير مع تزايد الضغوط الاقتصادية على النظام المالي العالمي.
توقعات كيوساكي تتماشى مع التحليلات الاقتصادية التي تشير إلى أن هناك قلقًا متزايدًا حول استقرار النظام المالي العالمي، وأن هذه الظروف قد تؤدي إلى مزيد من الإقبال على الذهب كملاذ آمن. ورغم أن الدولار الأمريكي لا يزال يحتفظ بمكانته كعملة احتياطية عالمية، فإن السياسات المالية غير المستدامة من قبل الحكومات الأمريكية والعديد من الدول الكبرى قد تكون بداية لتحول النظام النقدي العالمي. وفقًا لهذا التحليل، فإن الذهب سيظل العامل الحاسم في الاستقرار المالي، خاصة في ظل الاضطرابات الجيوسياسية التي قد تشهدها الساحة العالمية.
آراء متباينة
هناك أيضًا آراء متباينة بشأن تحولات اقتصادية مستقبلية قد تشمل تغييرات في دور الذهب ضمن استراتيجيات الاقتصاد العالمي. خاصة مع ظهور تحركات من دول مثل الصين وروسيا ودول مجموعة البريكس التي تسعى إلى إنشاء عملة مدعومة بالذهب، وهو ما قد يشكل تهديدًا مباشرة للدور التقليدي الذي يلعبه الدولار في الاقتصاد العالمي. هذا التوجه قد يعزز مكانة الذهب كأداة استثمارية، ليس فقط من قبل الأفراد، ولكن أيضًا من قبل الحكومات.
كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا من قبل بعض الدول في بناء احتياطيات الذهب لتأمين اقتصاداتها في مواجهة التحديات القادمة. في هذا السياق، يتوقع بنك “جولدمان ساكس” أن ترتفع أسعار الذهب إلى 3 آلاف دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2025.
وأوضح التقرير أن هذه الزيادة ستحدث حتى في حال استمرت قيمة الدولار الأمريكي في الارتفاع، وذلك بسبب العوامل الاقتصادية الأخرى، مثل خفض أسعار الفائدة، والضغوط السياسية والاقتصادية التي يعاني منها العالم.
وفي هذا السياق، يرى الخبراء أن الذهب لن يكون مجرد أداة استثمارية، بل سيكون حجر الزاوية للاستقرار المالي العالمي في عالم مليء بالتحديات. الذهب، بصفته معدنًا ثمينًا وملاذًا آمنًا، سيظل في مركز الاهتمام خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل احتمالات تفاقم الأزمات الاقتصادية.
ولكن على الرغم من هذه التوقعات المتفائلة، يظل السؤال الأبرز هو ما إذا كانت الحكومات ستتمكن أخيرًا من تحقيق التوازن المالي وتقليص الإنفاق المتهور. في حال حدوث ذلك، قد يتراجع سعر الذهب مؤقتًا، لكن مثل هذا السيناريو يبدو بعيدًا عن الواقع الحالي الذي يتسم بالصراعات السياسية والاقتصادية.
بشكل عام، يظل الذهب –في ظل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة- الملاذ الآمن الذي يعتمد عليه المستثمرون للحفاظ على ثرواتهم. مع توقعات بارتفاع الأسعار في عام 2025، قد يكون الذهب الاستثمار الأمثل في عالم مليء بعدم اليقين. كما قال ويلي: “الذهب يحتفظ بقيمته، أما النقود الورقية فتتآكل بصمت تحت وطأة سوء الإدارة الحكومية”.