اقتصاد

من التحالف إلى التصادم: كيف فجرت أزمة ترامب وماسك ارتدادات اقتصادية هائلة؟

في منعطف سياسي واقتصادي حاد، انهارت العلاقة المتينة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي “تسلا” و”سبيس إكس”، ما أثار زوبعة من التداعيات السياسية والاقتصادية في آن معًا، كان أبرزها خسارة شركة تسلا لأكثر من 150 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، قبل أن تشهد محاولات تعافٍ لاحقة.

الخلاف، الذي بدأ على خلفية انتقادات ماسك لمشروع قانون ضريبي يتبناه ترامب، سرعان ما تحوّل إلى مواجهة علنية تبادل فيها الطرفان الإهانات والاتهامات، وهدد كل منهما مصالح الآخر بشكل مباشر، ما تسبب في حالة من الهلع داخل الأسواق المالية، والدوائر السياسية في واشنطن.

بدايات الأزمة

العلاقة بين ترامب وماسك لم تكن طارئة. فقد ساهم الأخير بمئات الملايين من الدولارات في دعم حملة ترامب الانتخابية، وكان من أبرز من استعان بهم الرئيس الأميركي في “برنامج الكفاءة الحكومية”، وهو مشروع طموح لخفض الإنفاق العام وتقليص القوى العاملة الفيدرالية. بل إن ماسك كان ضيفًا دائمًا في البيت الأبيض، وسافر أحيانًا برفقة ترامب على متن الطائرة الرئاسية.

لكن هذه العلاقة بدأت في الاهتزاز مؤخرًا، مع اعتراض ماسك العلني على مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي يروج له ترامب، واصفًا إياه بأنه “شر مقيت” سيضيف عبئًا غير ضروري إلى ديون الولايات المتحدة التي تجاوزت 36 تريليون دولار.

ترامب، الذي التزم الصمت في البداية، خرج عن صمته في وقت لاحق، قائلًا إنه “يشعر بخيبة أمل شديدة” تجاه ماسك، وهدد بإلغاء العقود الحكومية التي تربط الحكومة الفيدرالية بشركات الأخير، ومنها “سبيس إكس” و”ستارلينك”.

تسلا تدفع الثمن

لم تمضِ ساعات على تصاعد الخلاف بين الرجلين، حتى انهارت أسهم شركة تسلا في بورصة وول ستريت، مسجلة انخفاضًا بنسبة 14% يوم الخميس، وهو أكبر هبوط في قيمتها السوقية خلال جلسة واحدة في تاريخ الشركة. قدّرت الخسائر بأكثر من 150 مليار دولار، قبل أن يعاود السهم الارتفاع بنسبة 5% في اليوم التالي، وسط محاولات تهدئة ظهرت على منصة “إكس” التي يملكها ماسك، حيث أبدى انفتاحه على تخفيف التوتر.

لكن هذه المحاولات لم تُثمر سريعًا، إذ عاد ترامب ليؤكد في تصريحات لقناة “فوكس نيوز” أنه “غير مهتم بالتحدث إلى إيلون ماسك”، مضيفًا أن الأخير “فقد صوابه تمامًا”، وأنه لا يشعر بأي قلق من تهديد ماسك بتأسيس حزب سياسي جديد.

أحد أكثر المشاهد رمزية في هذه الأزمة كان ما تسرب من البيت الأبيض عن تفكير ترامب في التخلص من سيارته “تسلا موديل S” الحمراء، التي اشتراها في مارس 2025 كتعبير عن دعمه للشركة. السيارة، المتوقفة خارج البيت الأبيض، تحوّلت من رمز لتحالف سياسي واقتصادي إلى عبء رمزي وسط الانهيار المتسارع في العلاقة بين الطرفين.

وبينما لم يُحسم مصير السيارة بعد، التقطت عدسات الكاميرات صورًا للمساعدات الرئاسيات وهنّ يجلسن داخلها، قبل أن تعصف العاصفة السياسية بالشراكة برمتها.

مع تعمّق الأزمة، اختار ماسك أسلوب المواجهة المباشرة. فعلى منصة “إكس”، نشر الملياردير المثير للجدل منشورات ساخنة قال فيها إن “ترامب لم يكن ليفوز في الانتخابات لولاه”، كما وافق على منشورات تطالب بمساءلة ترامب، وهاجم الرسوم الجمركية التي يتبناها الرئيس باعتبارها ستدفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود.

وفي خطوة مفاجئة، لمح ماسك إلى أن اسم ترامب ورد في وثائق حكومية تتعلق بالملياردير الراحل جيفري إبستين المدان بجرائم جنسية، ما عدّه مراقبون “تصعيدًا خطيرًا” في مستوى الخطاب بين الرجلين. وردت الناطقة باسم البيت الأبيض على تلك التصريحات، واصفة منشور ماسك بـ”الفصل المؤسف”، متهمة إياه بالتصرف بدافع الاستياء من مشروع قانون “جميل وكبير” لا يتضمن أولوياته.

ذعر مؤسسي وجرأة فردية

في خضمّ الاضطرابات، شهدت الأسواق سلوكًا استثنائيًا من المستثمرين الأفراد، إذ أظهرت بيانات Vanda Research أن هؤلاء ضخّوا أكثر من 200 مليون دولار في شراء أسهم تسلا يوم الانهيار نفسه، في مؤشر على وجود من رأى في الأزمة فرصة استثمارية لا أزمة حقيقية.

كما لجأ كثير منهم إلى المراهنة على انتعاش السهم عبر صناديق مؤشرات متداولة ذات رافعة مالية، دون أن تظهر في أسواق الخيارات مؤشرات على حالة ذعر واسعة، بحسب تقارير متخصصة.

وفي ذروة التوتر، أعلن ماسك عن وقف برنامج مركبة “دراغون” الفضائية التي تعد الوسيلة الوحيدة لنقل رواد الفضاء الأميركيين إلى محطة الفضاء الدولية، في خطوة بدت كرد مباشر على تهديدات ترامب بإلغاء العقود الحكومية مع “سبيس إكس”. ورغم تراجعه لاحقًا بشكل غير واضح، فإن إعلان الانسحاب شكّل ضربة رمزية للنظام الفضائي الأميركي، وأثار قلقًا داخل الأوساط العلمية والسياسية.

منشورات ماسك الأخيرة تضمنت أيضًا استطلاعات رأي حول إمكانية تأسيسه لحزب سياسي جديد، وهو ما عدّه البعض تهديدًا مباشرًا لهيمنة الحزب الجمهوري، خاصة وأن ماسك ألمح إلى استعداده لاستخدام ثروته في إزاحة مشرعين جمهوريين يعارضون رؤاه الاقتصادية.

من جانبه، رد ترامب بإطلاق تهديدات متكررة بإلغاء كافة العقود الحكومية مع ماسك، بل كتب على “تروث سوشال”: “الوسيلة الأسهل لتوفير المال في ميزانيتنا، مليارات الدولارات، تكون بإلغاء عقود إيلون مع الحكومة والدعم المقدم له”.

تهدئة خلف الكواليس

سرعة انهيار العلاقة بين ترامب وماسك أربكت الأوساط السياسية في واشنطن. فرغم وجود تكهنات منذ أشهر بشأن هشاشة هذا التحالف، إلا أن الانفجار جاء أسرع وأكثر درامية مما توقّعه حتى أشد المتشائمين.

صحيفة “بوليتيكو” كشفت عن تواصلها مع ترامب عبر الهاتف، حيث حاول التقليل من أهمية الخلاف بقوله “إنه ليس بالأمر المهم”، لكنها أكدت في الوقت نفسه وجود محاولات تهدئة خلف الكواليس.

ورغم أن التوترات قد تشهد تخفيفًا على المدى القريب، إلا أن الشرخ الذي أصاب علاقة الطرفين يبدو عميقًا، خاصة بعد أن دخلت عناصر شخصية وشبه قانونية إلى واجهة المشهد، مثل اتهام ماسك لترامب بالارتباط بملفات إبستين، ودعوة حليف ترامب، ستيف بانون، إلى ترحيل ماسك المولود في جنوب أفريقيا.

ومع وجود مصالح مليارية متداخلة، ونفوذ إعلامي واسع، وشخصيتين استثنائيتين في سجالهما، يبدو أن القصة لم تنتهِ بعد، بل دخلت فصلًا جديدًا من المواجهة، سيكون على الاقتصاد الأميركي ومؤسساته الفضائية والتجارية أن تتحمّل جزءًا كبيرًا من كلفته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *