عندما تنتهي من قراءة هذا التقرير، سيكون تعداد مصر السكاني قد زاد؛ وذلك طبقًا لأحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي أفاد بأنّ مصر تستقبل مولودًا جديدًا كل 15 ثانية.
الدكتور حسين عبد العزيز، مستشار رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يقول إن “58% من المجتمع المصري شباب، وهذه ميزة كبيرة، ولكن يجب أن يكون هؤلاء حاصلين على تعليم جيد حتى يساهموا في زيادة الإنتاجية”. ولدى سؤاله عما إذا كانت الزيادة السكانية “نعمة أم نقمة؟”، قال “لو السكان مدربون ومؤهلون بحيث يزودون الطاقة الإنتاجية للدولة ستكون الزيادة نعمة، أما في حالة مصر فالزيادة تتحول إلى عبء على الدولة، ونحن بحاجة إلى فترة لالتقاط الأنفاس ولذلك يجب تقليل النمو السكاني”.
تحدٍ يعرقل النمو
وقد وُلد في عام 2022 مليونان و193 ألف مولود مقابل مليونين و185 ألف مولود عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 0.4%. إجمالًا، وصل عدد سكان مصر طبقًا لبيانات الجهاز إلى 105 ملايين و418 ألفًا و119 نسمة، وهو ما يضع مصر في المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد السكان والثالثة إفريقياً والرابعة عشر عالمياً، وفقا لوزير الصحة، الدكتور خالد عبد الغفار.
وفي معرض حديثه عن الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية التي كُشف النقاب عنها في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية، شدد الوزير على ضرورة توعية المجتمع بمخاطر ارتفاع معدلات الإنجاب، موضحا أن مصر تستقبل كل يوم 5683 طفلا، بمعدل 237 في الساعة و4 في الدقيقة ومولود واحد كل 15 ثانية.
الوزير وصف ذلك بـ”التحدي الأكبر الذي يعرقل عجلة النمو الاقتصادي ويلتهم عوائد التنمية مما يؤثر على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ومستوى معيشتهم”، فالنمو السكاني السريع –على حد تعبيره- يجعل القضاء على الفقر ومكافحة الجوع وسوء التغذية، وزيادة تغطية النظم الصحية والتعليمية أكثر صعوبة، والتضخم السكاني يحتّم على الحكومة العمل على “تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والنمو السكاني بما يضمن تحقيق الرفاه للجميع”.
وبينما كان الوزير يتحدث عن خطورة التضخم السكاني، وقال إن هناك “حرية مطلقة في إنجاب الأطفال”، قاطعه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤكدا أنه “لا يتفق” مع فكرة الحرية المطلقة في الإنجاب. وانتقد الرئيس “ترك الحرية لناس قد لا تكون مدركة لحجم التحدي (…) وفي النهاية المجتمع كله والدولة المصرية تدفع الثمن”. وشدد على ضرورة “تنظيم حرية الإنجاب” محذرا من “كارثة” ستعصف بالبلاد ما لم تنخفض معدلات الإنجاب، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية شديدة.
بحسب الإحصاءات الرسمية فإن معدل الإنجاب العام الماضي بلغ 2.85 طفل لكل سيدة بإجمالي عدد مواليد بلغ 2.2 مليون مولود جديد، ومن المتوقع أن يتجاوز التعداد السكاني 123 مليون نسمة في سنة 2032 إن استمر الوضع كما هو عليه الآن، لكنه في حال انخفضت معدلات الإنجاب إلى 1.6 لكل سيدة فإن التعداد السكاني المتوقع سينخفض تباعاً إلى 116.7 مليون نسمة في نفس العام.
وتنص المادة 41 من الدستور المصري على التزام الدولة “بتنفيذ برنامج سكاني يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك في إطار تحقيق التنمية المستدامة”.
المطلوب “400 ألف”
الرئيس الذي اعتبر هذه القضية من أخطر القضايا التي تواجه الدولة، يرى أنه يجب ألا يزيد عدد المواليد في مصر عن “400 ألف سنويا لفترة زمنية قد تصل إلى 20 سنة للوصول إلى زيادة ما بين 1.2% إلى 1.5% سنويا”، وهو تأكيد لما قاله قبل عامين، حين أكد أنه “إذا لم يصل النمو السكاني إلى 400 ألف في السنة، فلن نشعر أبدا بجهود الدولة في التنمية، وستظل الدولة تجري”. وأضاف أن “الشعب المصري يعاني، وأنا أعاني معكم كمسؤول، هذا ليس عيب الدولة ولا النظام، وإنما عيبنا كلنا”.
وقال السيسي إن “ما يحدث في مصر ممكن يكون أيضا شكلا مما يحدث في العالم، فهناك دول كثيرة استطاعت أن تنظم عملية النمو السكاني، وهناك دول كثيرة لم تسطع، ونحن هنا على سبيل المثال في القارة الإفريقية سنصل إلى مليار ونصف، أو مليار و600 مليون نسمة، والموارد الموجودة في إفريقيا ضخمة جدا، ولكنها لا تستطيع أن تلبي مطالب السكان”.
وإلى جانب تحديد النسل، اقترح السيسي تنظيم الهجرة الشرعية للمصريين نحو الدول التي تعاني من تدني نسبة الانجاب، والتي هي بحاجة لعمال جدد.
ونوّه السيسي إلى سياسة الإنجاب التي كانت الصين قد انتهجتها كنموذج والتي حددت النسل بطفل واحد بين عامي 1968 و2015، وأثنى على نجاحها في السيطرة على الزيادة السكانية، كما أشار إلى التجربة التركية في ذلك.
كانت الصين قد فرضت على الأسر سياسة “الطفل الواحد” بهدف الحد من النمو السكاني عام 1979. وبموجب هذه السياسة تم فرض عقوبات على المخالفين شملت دفع غرامات والطرد من الوظيفة أو مواجهة الإجهاض الإجباري أو الإخصاء.
لكن في عام 2015 أوقفت الصين سياسة “الطفل الواحد”، بعدما تدنى معدل الإنجاب بشكلٍ حاد وأدركت الدولة أنها تواجه أزمة، وأصبحت الدعاية الحكومية تستخدم الآن شعارات تدعو الأزواج لـ “إنجاب الأطفال من أجل البلاد”. وكان هناك أمل بأن يستجيب المواطنون بإنجاب المزيد من الأطفال، ما سيساعد في إبطاء وتيرة شيخوخة المجتمع، ولكن القرار لم يفلح في تحقيق هدفه.
وفي أغسطس 2021 راجعت الصين رسميا قوانينها بهدف السماح للأزواج بإنجاب ثلاثة أطفال كحدّ أقصى في إطار تعزيز معدل المواليد في البلاد.
وتجري حالياً مناقشة إجراءات تتنوع بين تمديد إجازة الأمومة والتشجيع على إنجاب طفل ثانٍ من خلال تقديم حوافز نقدية مباشرة أو إعفاءات ضريبية لبعض الوقت، حتى أن البعض يطالب برفع القيود على عدد الأطفال المسموح بإنجابهم كليا.
حوافز لـ”تقييد الإنجاب”
ووفقا لوزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، فإن مصر أطلعت على تجارب دول الصين، وإندونيسيا، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، وتايلاند، وتركيا، للاستفادة منها في برنامج تنظيم الأسرة، بهدف تحقيق التوازن بين الزيادة السكانية والموارد المتاحة.
وأنفقت مصر 10 تريليون جنيه على المشروعات القومية خلال السنوات التسع الماضية، بجانب ذلك أنفقت 780 مليار جنيه على الدعم السلع، و169 مليار جنيه على برامج الحماية الاجتماعية، وفقا للوزير، ما يشير إلى حجم التحدي الذي يفرضه التضخم السكاني.
وكانت الحكومة أعلنت في مطلع العام الجاري عن حوافز مالية لتشجيع السيدات على تنظيم الأسرة لخفض معدلات الإنجاب من 2.8 طفل لكل أسرة إلى 1.6 طفل لكل أسرة، ضمن مشروع قومي لتنمية الأسرة. وتضمنت الحوافز وثيقة تأمين بقيمة 60 ألف جنيه، تصرف للسيدة عند بلوغ 45 سنة بشرط الالتزام بعدة ضوابط أهمها إنجاب طفلين على الأكثر.
ورفضت الحكومة فرض أية قرارات عقابية على غير الملتزمين بتنظيم الأسرة، ملتزمة بالمحددات الدستورية التي تراعي حقوق الإنسان المختلفة وعدم التمييز بين المواطنين، وفقا لتصريحات لوزيرة التخطيط.
ويوفر كل جنيه تنفقه الدولة على تنظيم الأسرة 151.7 جنيه من تكلفة الإنفاق على الخدمات الأساسية مقسمة بين 74.1 جنيه للتعليم، و32.9 جنيه للصحة، و28 جنيها للإسكان، 16.7 جنيه (0.54 دولار) لمنظومة دعم الغذاء، حسب تصريحات وزير الصحة والسكان.
فكرة ليست عملية
غير أن فكرة “تقييد الإنجاب” لا تبدو عملية، إذ يقول خبير السكان ودراسات الهجرة في مصر، الدكتور أيمن زُهري، إنه “حتى لو اتبعت مصر سياسة الطفل الواحد، سوف يكون عدد المواليد نحو مليون مولود كل عام، ذلك لأن عقود الزواج تقارب المليون سنويا”.
وعن وجود حلول عملية لقضية الزيادة السكانية، أوضح زُهري أنه “لا يوجد حل قصير الأجل للزيادة السكانية في مصر، أي حلول (جادة) لن يظهر أثرها قبل 15 أو 20 عاماً من الآن”.، لافتاً إلى أن “النمو السكاني ينخفض تدريجياً، ولا حل إلا بتمكين المرأة من خلال النهوض بالتعليم، وتوفير فرص عمل للنساء (خارج المنزل)، وعدم استعجال النتائج”.
ولا تبدو فكرة الحوافز المالية مغرية لدى المواطنين، وهو ما يعزوه محللون إلى أسباب مختلفة ومتشابكة، منها الثقافة التي تربط الإنجاب بالجاه والمنزلة الاجتماعية، واعتقاد الكثيرين بأن المولود يأتي ورزقه معه. إضافة إلى ذلك، ثمة دوافع اقتصادية واضحة تحفّز المجتمعات الريفية، وحتى العوائل محدودة الدخل في المدن، على الإنجاب بكثرة، لأن الأطفال سيدرّون عوائد مادية في المستقبل بالتحاقهم في سوق العمل النظامي أو غيره.