سلايدرمصر

مصر تستعد مبكرا لـ”معركة شرسة” مع الجيران بقرار “جاء في وقته”

تنبهت مصر إلى معركة مقبلة “لن تكون سهلة” مع دول المنطقة، فقررت أن تستعد لها مبكرًا؛ لتحققَ أكبر استفادة ممكنة من الصراع الذي بدأت تتشكل ملامحه حول مستقبل الطاقة العالمية: “الهيدروجين الأخضر”. لهذا كان ينبغي إنشاء كيان جديد “يوحد جهود الدولة” في هذا الشأن، وقد كان.

فقد وافق مجلس الوزراء، خلال اجتماعه يوم الأربعاء، برئاسة مصطفى مدبولي، على مشروع قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن إنشاء المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته.

وأعرب وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، محمد شاكر، عن تفاؤله وثقته في دور “المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته”، الذي وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار بإنشائه خلال اجتماعه يوم الأربعاء.

وقال الوزير في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إن تأسيس المجلس يؤكد التزام الحكومة الراسخ بتطوير قطاع الطاقة المستدامة، إذ سيؤدى دورًا حيويًا فى توحيد جهود الدولة نحو تعزيز الاستثمار فى مجال الهيدروجين الأخضر ومشتقاته بشكل خاص، وفي قطاع الطاقة عمومًا.

ما أهداف المجلس الجديد؟

بحسب الوزير، يستهدف المجلس توحيد جهود الدولة لتحفيز الاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، بما يلائم متطلبات التنمية المستدامة وخطط الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويضمن تنافسيتها على المستويين الدولي والإقليمي. كما سيراجع ويحدّث التشريعات والأنظمة والقواعد المنظمة لهذا المجال، بهدف توفير بيئة استثمارية جاذبة ومحفزة.

وسيعمل المجلس على متابعة وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر، وتحديثها بما يتناسب مع المستجدات الدولية والمحلية، كما سيتبنى السياسات والخطط الضرورية ووضع الآليات الملائمة لتنفيذ هذه الاستراتيجية وتحديثها بشكل منسق وفعال، بحسب الوزير شاكر.

وتشهد الدولة جهودًا حثيثة لتعزيز الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، ويأتي دور المجلس كخطوة رئيسية نحو تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية، وفقا للوزير الذي اعتبر أن مهام المجلس “تعكس التزامنا بتعزيز التعاون بين الوزارات والجهات المختصة، وتقديم الحلول الملائمة لتذليل العقبات التي قد تواجه استثمارات مجال الهيدروجين الأخضر ومشتقاته”.

وينص مشروع القرار على أن يُنشأ “المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته”، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية وزراء: الكهرباء والطاقة المتجددة، والبترول والثروة المعدنية، والعدل، والتخطيط والتنمية الاقتصادية، والمالية، والبيئة، والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والنقل، والتجارة والصناعة، والري، والإنتاج الحربي، إلى جانب رئيس هيئة قناة السويس، ورئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومساعد أول رئيس مجلس الوزراء “مقررا”، والرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، والمدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية.

ويلزم مشروع القرار الوزارات والجهات المعنية كافة، بتنفيذ السياسات والخطط والآليات اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وكذا تنفيذ القرارات الصادرة من المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته، لتذليل معوقات الاستثمار في هذا المجال.

رسالة قوية وسط منافسة شرسة

واعتبر عفيفي بدوي، نائب رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية باتحاد الغرف التجارية، إنشاء المجلس “رسالة قوية” تفيد باتجاه مصر نحو قيادة قاطرة الهيدروجين، في وقت زادت فيه التحديات والطموحات العالمية حول ضرورة تبني سياسات قوية للطاقة البديلة.

وتأتي مصر على رأس قائمة الدول العربية من حيث عدد المشروعات التي تهدف إلى توطين صناعة الهيدروجين الأخضر بنحو 32 مشروعا من إجمالي 73 مشروعا في الوطن العربي، وفقا لعفيفي. وأضاف أن مصر أعدت استراتيجيات وطنية لتوطين إنتاج واستخدام الهيدروجين، واتجهت إلى دراسة الفرص المتاحة لجذب الاستثمارات في صناعة وإنتاج الهيدروجين والفرص المستقبلية لتوطينه.

ويشهد هذا القطاع منافسة شرسة بين دول المنطقة العربية مثل قطر والسعودية والإمارات والمغرب التي تسعى إلى تكوين منصات لإنتاج الهيدروجين الأخضر و الأمونيا، وبالتالي سيكون عامل السرعة في حسم الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة وجذب المستثمرين الأجانب وتقديم الحوافز المطلوبة، وحل ما قد يقابلهم من معوقات، أمرا مهما لاقتناص حصة من تحركات رؤوس الأموال الدولية في هذا القطاع، وفقا للنائب البرلماني محمود عصام.

ويؤكد النائب أهمية التيسيرات التي تقدمها الحكومة ومن بينها منح الرخصة الذهبية لكافة مشروعات الهيدروجين الأخضر فورا وتوفير احتياجاتهم من الأراضي، فضلا عن التخفيضات الضريبية لتلك المشروعات. كما يشدد على أن التقارير الدولية تتوقع أن تنجح مصر في اقتناص حصة مهمة من الاستثمارات الموجه لهذا القطاع، والذي من المتوقع أن يستحوذ وحده على 25 % من إنتاج الطاقة عالميا بحلول عام 2050 بحجم استثمارات تتخطي 10 تريليونات دولار خلال نفس الفترة.

وتتوقع الحكومة المصرية أن يصل إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشروعات الهيدروجين الأخضر إلى نحو 81.6 مليار دولار بحلول 2035، وتستهدف البلاد التوسع في تلك المشروعات، إذ وضعت لذلك استراتيجية وطنية خاصة، تهدف إلى إدماجها في استراتيجية الطاقة 2035، في إطار خطط التحول إلى الحياد الكربوني، وخفض الانبعاثات من قطاع الطاقة.

ولدى مصر القدرة على إنتاج الهيدروجين الأخضر بكلفة هي الأقل في العالم، ومن المقرر أن تنخفض تكلفة الإنتاج لتصل إلى 1.7 دولار لكل كيلوجرام عام 2050 مقارنةً بـ2.7 دولار عام 2025. كما يُتوقّع أن تسهم الاستراتيجية بتخفيض واردات مصر من المواد البترولية، وتقليل انبعاثات الكربون، وفق بيان حكومي.

وتشير دراسات دولية عدة، إلى إن مصر لديها الإمكانات التي تؤهلها لتتحول إلى مركز إقليمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره للخارج، فأسعار الطاقة المتجددة في مصر تنافسية جدًا خصوصا الطاقة الشمسية ثم الطاقة الريحية، فضلا عن توفر البنية التحتية اللازمة ومنها المواني على قناة السويس، وهي جاهزة ومتميزة بالمقارنة مع الدول الإفريقية، إضافة إلى موقع مصر الجغرافي بين القارات الثلاث، وهو ما يجعلها فعلًا مركزًا إقليميًا مميزًا لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، وفقا لرؤية الدكتور جواد الخراز المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة “RCREEE”.

وأضاف الخراز أن مصر تعد الأولى في محيطها العربي والإقليمي من ناحية الطاقة المتجددة، ومن ناحية أسعار الطاقة التنافسية، بفضل السياسات التي اعتمدت في السنوات الأخيرة وتوفير الإطار التشريعي الذي يشجع على زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة. لكن من الضروري وفقا له، تنويع التمويل الذي سيتم ضخه في القطاع، فهناك شركات خاصة عالمية ومستثمرون دوليون مهتمون بالاستثمار في قطاع الهيدروجين الأخضر، وسيكون لهم دور إرساء دعائم الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، إلى جانب صناديق التمويل الدولية، كالصندوق الدولي للمناخ والبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي للتنمية.

“محطة عملاقة” قيد الدراسة

كان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، شدد الشهر الماضي، على أن مصر حريصة للغاية على تعزيز الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي، والذي يعدّ أحد أهم أولويات الحكومة، لافتا إلى أن مصر اتخذت إجراءات مهمة جعلتها تحتلّ مكانة تنافسية في قطاع الهيدروجين الأخضر، الذي يُنظر إليه بصفته وقود المستقبل.

وأشار مدبولي إلى أن بلاده تتمتع بإمكانات هائلة وواعدة في مجال إنتاج الطاقة المتجددة بأسعار تنافسية، موضحًا أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تُعدّان من المكونات الرئيسة لصناعة الهيدروجين الأخضر.

وقال إن “القرب الجغرافي بين القاهرة وأوروبا يعدّ أمرًا مُهمًا للغاية، لا سيما مع توقعات زيادة اعتماد القارة الأوروبية على الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر في المستقبل القريب”.

وأكد امتلاك مصر للبنية التحتية اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ومن ثم تصديره إلى أوروبا، بفضل توافر الإرادة السياسية للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر على النحو المُبيَّن في “رؤية مصر 2030”.

وكان السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، قال إن الحكومة تناقش عرضًا مُقدمًا من إحدى الشركات الأجنبية الكبرى لإقامة محطة عملاقة لتوليد الهيدروجين الأخضر، من خلال استثمارات أجنبية مباشرة.

وأوضح أن قدرة المشروع من المقرر أن تبلغ 400 ألف طن سنويًا، من خلال الاعتماد الكامل على الطاقة الشمسية بقدرة 15 جيجاوات، مُضيفًا أن إنتاج المحطة من الهيدروجين الأخضر سيتم تصديره بالكامل إلى أوروبا، إذ من المستهدف بلوغ صادرات هذا المشروع مليار دولار سنويًا، كما أن المشروع سيوفر العديد من فرص العمل، وأضاف أنه سيتم البدء في دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع خلال الفترة المقبلة، وأنه تم اختيار موقع متميز لهذا المشروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *