اقتصادملفات وحوارات

مخاوف من تكرار الأزمة الاقتصادية.. هل تضطر مصر إلى إعلان “اقتصاد الحرب”؟

في أواخر العام 2016، طالب مجلس النواب حكومة المهندس شريف إسماعيل بتبنّي اقتصاد الحرب، إذ كانت البلاد تواجه مشكلات كبيرة من الناحية الاقتصادية، وفقا لتصريحات أدلى بها آنذاك رئيس الحكومة نفسه.

وعاد المصطلح إلى الواجهة مجددا، عندما أطلق رئيس الوزراء الحاليّ مصطفى مدبولي تحذيرات قوية بشأن إمكانية تحول الدولة إلى “اقتصاد الحرب” ، في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه إمدادات الطاقة وتأثير الصراعات الإقليمية في الاقتصاد.

وقال مدبولي في مؤتمر صحفي إنه “لو حدثت تطورات حرب إقليمية سندخل فيما يسمى اقتصاد حرب”، موضحا ” أنه في حالة سوء الأوضاع السياسية في المنطقة ستتخذ مصر مزيدا من إجراءات الترشيد”.

وأضاف رئيس الوزراء أنه “خلال أسبوع فقط زاد سعر برميل النفط 10%.. وهذا يضع مزيدا من الأعباء على الدولة المصرية”.

مخاوف وقلق

وأثارت تصريحات رئيس الوزراء مخاوف وقلقا بين المواطنين، إلى حد أنّ نائب رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور زياد بهاء الدين اعتبر أن رئيس الوزراء لم يكن موفقا في استخدام مصطلح “اقتصاد الحرب”، لا سيّما أنه جاء في وقت “ندعو في إلى زيادة الاستثمارات، ومن ثم فإن الحديث عن ذلك يثير الخوف” على حد قوله.

وأضاف بهاء الدين في تصريحات تلفزيونية، أن تعبير اقتصاد الحرب ليس تعبيرا بسيطا، ويدفع من يسمعه إلى التكالب على الشراء والتخزين، لافتا إلى أنه من الأفضل التركيز على جهود دعم الاستثمار.

ويرى أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، النائب عبد المنعم إمام، أن تصريحات رئيس الوزراء “غير مدروسة، ومن شأنها أن تثير المخاوف لدى المصريين”، محذرا في تصريحات صحفية، من أنّ تأثيرها “ربما يمتد بشكل عكسي مرتبط باحتمالية وجود أزمات في السلع”.

من جهته، قال النائب مصطفى بكري، إن تصريح رئيس الوزراء، الذي أثار جدلا واسعا، بشأن إمكانية تحول مصر إلى اقتصاد حرب كان بمثابة “إنذار” لما قد يحدث في حال نشوب حرب إقليمية في المنطقة.

وتابع “هل الدكتور مدبولي كان يتنبأ؟ أم من خلال قراءة واقعية لما يحدث في المنطقة؟ كلامه هذا بمثابة إنذار ليس أكثر، إذا حصل حرب؛ فكل الدول ستتحول اقتصادها إلى اقتصاد حرب؛ لأن سلاسل الإمداد ستتوقف وأسعار النفط ستقفز لمستويات فوق 100 دولار”.

وأضاف “الدولة يجب أن تستعد للمرحلة القادمة، فالاقتصاد المصري عرضة للمشاكل حال اندلاع حرب إقليمية، ستتوقف السفن والإمدادات وينخفض التصنيف الائتماني وأسعار النفط والكهرباء ستزيد، أنا لا أخوفكم؛ لكن أنا بقول لكم المتوقع أننا أمام سيناريو جاد لحرب قد تطال سوريا والعراق واليمن ومناطق القواعد الأمريكية بالخليج”.

تفسير الحكومة

إلّا أنّ المتحدث باسم الحكومة، محمد الحمصاني، قال إن مدبولي كان يقصد “اتخاذ إجراءات استثنائية على المستوى الاقتصادي، لمواجهة أي نقص في سلاسل الإمداد”.

وشدد المتحدث في تصريحات تلفزيونية على أن “كل دولة لها خطة طوارئ للتعامل مع أي نقص في الإمدادات خلال أوقات الأزمات، وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء، خلال المؤتمر الصحفي”.

وطمأن المصريين بأن “الحكومة تعمل على مواجهة أسوأ السيناريوهات”، مؤكدًا أن “الدولة لديها مخزون استراتيجي من السلع الأساسية يكفي لعدة أشهر”.

واستشهد الحمصاني بما واجهته جميع دول العالم من نقص في سلاسل الإمداد للسلع الأساسية، خلال أزمة جائحة كورونا، قائلًا إن “الدولة اتخذت وقتها مجموعة من الإجراءات لمواجهة التداعيات”.

وأوضح أن “الإجراءات تضمنت وقتها الاستيراد من مصادر أخرى، وبناء مخزون استراتيجي على المستوى المحلي”.

ما اقتصاد الحرب؟

ظهر مصطلح اقتصاد الحرب لأول مرة خلال الحرب الأهلية الأمريكية، بين عامي 1861 و1865، ثم برز مجددا مع الحرب العالمية الثانية عندما أشار الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت في أحد خطاباته إلى ضرورة التحول إلى اقتصاد حرب في حال انتصار دول المحور.

ويتضمن اقتصاد الحرب إعادة توجيه اقتصاد البلاد لإعطاء الأولوية للاحتياجات العسكرية على الاستهلاك المدني، وهذا يستلزم غالباً زيادة سيطرة الحكومة على الصناعات وإعادة تخصيص الموارد وإعطاء الأولوية للإنتاج الدفاعي.

واضطرت مصر إلى تطبيق اقتصاد الحرب قبل نحو 57 عاما وتحديدا في الفترة من 1967 وحتى 1973، عندما أعلن الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء وقتها عن “ميزانية المعركة” التي جاءت بهدف تعبئة الاقتصاد وتنظيمه خلال فترة الحرب، بهدف توفير جميع احتياجات القوات المسلحة خلال فترة الحرب وتمويل المتطلبات الناتجة عنها.

وخلال ميزانية الحرب، تضع الحكومة خطة للتصدير والاستيراد لضمان توفير الدولار مع التركيز على الاستيراد من الدول الصديقة، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية كبديل للمنتجات المستوردة، الأمر الذي يسهم في تعزيز الصناعة الوطنية وتقليل الاعتماد على الخارج.

وفي حين أن مصر لا تشارك حاليا في حرب تقليدية تتطلب مثل هذا التحول، إلا أن المشهد الجيوسياسي أصبح متوترا بشكل متزايد، لا سيما مع استمرار الصراع في قطاع غزة، وامتداده إلى لبنان والتهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، مما يعمق المخاوف بشأن الأمن على المستويين الإقليمي والعالمي.

كان الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن مطلع هذا الأسبوع أن قناة السويس خسرت حوالي 60 % من دخلها أي ما يعادل 6 مليارات دولار خلال ثمانية أشهر بسبب الأوضاع في المنطقة، وأن هذا لابد أن يدفع المصريين للقلق من احتمال اتساع رقعة الحرب والصراع.

وعدد الرئيس الأخطار التي تحيط بالبلاد، مشيرا إلى أن “التطورات الجارية خطيرة على الحدود الغربية (ليبيا) والجنوبية (السودان) والشرقية (غزة)، ومعها قد تتسع رقعة الصراع، فعلينا أن نكون حذرين”.

إجراءات اضطرارية

إذا ساءت الأوضاع أكثر من ذلك واتسعت رقعة الحرب الإقليمية بالمنطقة فإن مصر قد تضطر لاتخاذ إجراءات مثل وقف الاستيراد للحفاظ على النقد الأجنبي، والاعتماد على الإنتاج المحلي، واستخدام احتياطات الذهب في توفير الاحتياجات الأساسية، والعمل على وقف انخفاض الجنيه، وإصدار قوانين وقرارات خاصة بهذه الفترة، وفقا لمحللين.

وقد أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيرًا إلى ارتفاع فاتورة الواردات، إذ قال إن بعض الواردات الترفيهية كالحقائب اليدوية والورق الفويل والشوكولاتة هي السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار الدولار، وأن هذه الواردات تكلف الدولة مئات الملايين من الدولارات سنويًا، وهو أمر يمكن تجنبه بتطوير القدرات التصنيعية المحلية.

وقال الرئيس “إذ أردنا تجاوز تحدي الدولار، يجب علينا تصنيع نسبة كبيرة من المنتجات داخل مصر”، ما أثار مخاوف من أن تكرار الأزمة التي عصفت بالدولة لمدة تقترب من عامين، حيث فقد خلالها الجنيه نحو 68 في المئة من قيمته في 4 تخفيضات متتالية، ليصبح الدولار بنحو 49 جنيها بدلا من 15.6 جنيه.

لكنّ النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، قال في تصريحات صحفية إن سعر صرف العملة الأجنبية لن يتأثر بإجراءات اقتصاد الحرب، موضحًا أنها إجراءات ترشيدية تهدف إلى وضع رؤية شاملة لاستغلال موارد الدولة المتاحة حال وجود حرب إقليمية تؤثر على اقتصادها القومي.

سيناريو مستبعد

من جهته، يقول سعد الغباري، وهو محلل اقتصادي أول في شركة مزيج للاستشارات الاستراتيجية، إن مصر وإن كانت بالفعل تتخذ إجراءات اقتصادية صعبة نظرا لسوء الوضع الاقتصادي والإقليمي، لكن حتى الآن لم يتحقق ما يمكن وصفه باقتصاد الحرب الذي توجه فيه كل موارد الاقتصاد تقريبا للمجهود الحربي”.

وأضاف أن “مصر ليست في حاجة ماسة حاليا للدخول في اقتصاد الحرب بمعناه الحرفي لأنها ليست مهددة بالدخول في حرب كما أنها ليست في عداء مع إسرائيل التي تخوض حروبا مع دول قريبة منها”.

وقال إن تصريح رئيس الوزراء “ربما قصد منه التعبير عن تحوط الحكومة المصرية واستعدادها لأسوأ الظروف أكثر منه كإعلان عن إمكانية الدخول الحقيقي في اقتصاد الحرب”.

وأشار خبراء إلى أنه لا يمكن اعتبار تصريحات رئيس الوزراء تمهيدا لإجراءات اقتصادية صعبة، لأن مصر لديها برنامج إصلاح اقتصادي معلن يتضمن إجراءات متفق عليها مع صندوق النقد الدولي والجميع يعلمها ولها توقيتاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *