
أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي أن مصر جاءت في المرتبة الثانية ضمن أفضل الدول أداءً في مؤشر تقديم الخدمات العامة في إفريقيا (PSDI)، وهو مؤشر جديد يصدر لأول مرة عن المعهد الإفريقي للتنمية التابع للبنك الإفريقي للتنمية. ويثير هذا الإعلان تساؤلاً جوهريًا: ما معنى ذلك؟ وما دلالاته الاقتصادية والتنموية؟ وما الذي تعكسه هذه المرتبة بالنسبة لمستقبل مصر؟
ما هو مؤشر تقديم الخدمات العامة في إفريقيا؟
مؤشر تقديم الخدمات العامة في إفريقيا (PSDI) هو أداة تقييم شاملة أطلقها البنك الإفريقي للتنمية لقياس أداء الدول الإفريقية في تقديم الخدمات العامة. يعتمد المؤشر على خمسة أبعاد رئيسية:
- الطاقة والكهرباء
- الأمن الغذائي
- الاندماج الإقليمي
- الصناعة
- الشمول الاجتماعي والاقتصادي
ويهدف هذا المؤشر إلى تشخيص نقاط القوة والضعف في أداء الحكومات الإفريقية، وتقديم توصيات لتحسين جودة الخدمات للمواطنين، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي.
ما الذي حققته مصر تحديدًا؟
سجلت مصر 58.99 نقطة من أصل 100، متقدمة على المتوسط القاري (45.39 نقطة) ومتوسط منطقة شمال إفريقيا (50.55 نقطة). وقد أظهر التقرير أن مصر من بين الدول الرائدة في عدة محاور، منها:
- الكهرباء والطاقة (المرتبة الأولى إفريقيًا)
- البنية التحتية
- الاندماج الإقليمي
- تمكين الشباب والتوظيف
- المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة
لماذا الكهرباء والطاقة؟
جاءت مصر في صدارة القارة في محور الكهرباء والطاقة، مسجلة 75.61 نقطة، وتحديدًا:
- 82.71 نقطة في الوصول للكهرباء
- 65.97 نقطة في توليد الكهرباء
- 93.52 نقطة في التنظيم والإطار المؤسسي لقطاع الكهرباء
هذا يعكس استثمارات ضخمة في السنوات الأخيرة لتوسيع الشبكة القومية، ومضاعفة إنتاج الكهرباء، وتحديث البنية التشريعية والتنظيمية، بما في ذلك إنشاء هيئة تنظيم الكهرباء.
كما يشير المؤشر إلى تحسن أداء مصر في الطاقة المتجددة، ضمن مستهدفات الدولة للوصول إلى 42% من إنتاج الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول 2035، وفق “رؤية مصر 2030”.
ماذا عن الاندماج الإقليمي؟
في بعد الاندماج الإقليمي، حصلت مصر على 56.72 نقطة، محتلة المرتبة الثالثة في إفريقيا. هذا التقدم يرتبط بعدة عناصر:
- كون مصر من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)
- توقيع اتفاقية التجارة الثلاثية بين الكوميسا والسادك وتجمع شرق إفريقيا
- جهود تطوير البنية التحتية اللوجستية (طرق، موانئ، سكك حديدية) لربط مصر بجيرانها
هذه المؤشرات تعزز طموح مصر في التحول إلى مركز إقليمي للنقل والتجارة والخدمات اللوجستية في القارة.
ماذا عن البنية التحتية؟
أحرزت مصر معدلًا لافتًا في جودة الطرق بنسبة 91.47%، أحد أعلى المعدلات في القارة. كما أظهر التقرير أن مصر تحتل المرتبة الأولى في البنية التحتية للمناطق الصناعية بـ 58.76 نقطة.
هذا يعكس توسعًا كبيرًا في إنشاء وتطوير المناطق الصناعية، وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الصناعي، خاصة في الصناعات التحويلية والطاقة.
تمكين الشباب والشمول الاجتماعي
في محور الشمول الاجتماعي والاقتصادي، سجلت مصر 62.18 نقطة، وكانت من بين أفضل سبع دول إفريقية أداءً، واحتلت المرتبة الأولى في مؤشر تدريب وتوظيف الشباب بـ 78.69 نقطة.
يأتي ذلك نتيجة مبادرات الدولة في تدريب الشباب، مثل مبادرة “حياة كريمة”، ومنصات التدريب المهني، والشراكات مع القطاع الخاص لسد فجوة المهارات.
ماذا عن تمكين المرأة؟
سجّل التقرير تقدمًا في تمكين المرأة، مشيرًا إلى استراتيجية وطنية تمتد حتى 2030. من أبرز الإنجازات:
- ارتفاع معدلات التعليم العالي للفتيات
- تمثيل المرأة في البرلمان بنسبة 27.7% عام 2021
- تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا في برامج التنمية
هل هناك مجالات تحتاج لتحسين؟
رغم هذه النجاحات، كشف التقرير عن نقاط ضعف، خصوصًا في:
- الأمن الغذائي: سجلت مصر 50.11 نقطة فقط، في المرتبة 12 إفريقيًا، ما يشير إلى ضرورة تعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، وتحسين سلاسل القيمة.
- البيئة التنظيمية الصناعية: رغم قوة البنية التحتية، حصلت مصر على 48.65 نقطة فقط في جودة البيئة التنظيمية الصناعية، ما يُبرز الحاجة إلى تبسيط الإجراءات وتحسين مناخ الأعمال.
ماذا تقول توقعات البنك الإفريقي؟
في تقرير موازٍ بعنوان “الآفاق الاقتصادية لإفريقيا 2025″، أشار البنك الإفريقي للتنمية إلى تعافي تدريجي في الاقتصاد المصري:
- نمو الناتج المحلي من 2.4% (2024) إلى 4.8% (2026)
- دعم الإصلاحات الاقتصادية المستدامة
- تعزيز القدرة على التكيف مع الأزمات الجيوسياسية والبيئية
ما معنى ذلك في النهاية؟
احتلال مصر المركز الثاني في مؤشر تقديم الخدمات العامة لا يعني فقط ترتيبًا شرفيًا، بل هو انعكاس لخطوات إصلاحية حقيقية تمت في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وتمكين الشباب، والتكامل الإقليمي. كما أنه يؤكد أن السياسات التنموية بدأت تؤتي ثمارها، وأن لدى مصر فرصة فريدة لتصدّر المشهد التنموي في القارة الإفريقية.