أظهر إعلان جنوب أفريقيا، أن 22 دولة من جميع أنحاء العالم تقدمت بطلبات للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، اهتماما دوليا واسعا بالتكتل الاقتصادي الذي رأى النور رسميا عام 2009.
“بريكس” هي مجموعة 5 دول ناشئة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وتستهدف بطريقة غير مباشرة منافسة مجموعة السبع التي تمثل 60 % من الثروة العالمية، فيما تمثل دول “بريكس” 40 % من مساحة العالم إذ تضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة.
وسجّل التكتل الواعد أسرع نمو اقتصادي في العالم، إذ يسهم أعضائه بنحو 22 % من إجمالي الناتج العالمي، كما تفوق أخيرا على مجموعة السبع من حيث حصتها في الاقتصاد العالمي، إذ تستحوذ على 31.5 بالمئة من الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 بالمئة للدول الصناعية السبع الكبرى.
اهتمام متزايد وتوسع منتظر
وازداد الاهتمام بتكتل “بريكس” من طرف العديد من الدول، بعد الحرب الأوكرانية، خاصة في ظل الاتجاه نحو تكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة، وأيضا بحث روسيا عن شركاء داعمين لها في وجه العقوبات الاقتصادية الغربية.
وقال مندوب جنوب أفريقيا في مجموعة بريكس أنيل سوكلال، في إحاطة صحافية في جوهانسبرغ إن “الاهتمام المتزايد بالتكتل ليس بالأمر الجديد لكنه يشير إلى الثقة بالعمل الذي قامت به بريكس طوال 15 عاما من وجودها”.
ورأى سوكلال أن بريكس ليست مجرد “قوة سياسية (..) عبر محاولتها تغيير خطوط الصدع في مجال السياسة العالمية، لكنها تغير أيضا ما يحدث في الفضاء الاقتصادي على مستوى العالم”.
وكانت فكرة التوسع، نوقشت خلال قمة “بريكس” التي عقدت في مدينة شيامن الصينية عام 2017، حيث طُرحت خطة “بريكس بلس” التوسعية، التي ترمي إلى إضافة دول جديدة للمجموعة.
بديل مستقبلي يعكس نهضة الشرق
ويطرح محللون مجموعة “بريكس” كحل لتفادي عالم أحادي القطبية تحكمه الولايات المتحدة والغرب عموما، فيما يذهب كثيرون أبعد من ذلك بطرح هذه المجموعة كبديل مستقبلي يعكس نهضة الشرق أمام عالم غربي في طور التراجع والاضمحلال.
وتسعى المجموعة إلى إطلاق عملة موحدة بينها تنهي بها هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، إذ أعلن ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شهر يونيو 2022، أن مجموعة “بريكس” تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء.
وتسعى هذه الخطوة إلى كسر هيمنة الدولار وإنهاء تحكمه في الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه ترى دول “بريكس” في الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة مواتية لإصدار هذه العملة والاستفادة من التذمر المتزايد من السياسات الأمريكية.
قد يؤدي التعاون التجاري والاستثماري داخل مجموعة “بريكس” إلى خلق فرص اقتصادية جديدة وتكامل إقليمي أوثق، كما أن تقوية الروابط التجارية وتشجيع تدفقات الاستثمار وتقليل العواجز التجارية يمكن أن يسهل النمو الاقتصادي ويعزز المنافع المتبادلة بين الدول الأعضاء.
الهروب من حصار صندوق النقد
وتبرز ميزة الحصول على قروض ميسرة من بنك التنمية التابع للتكتل، بما يساعد في الهروب من حصار صندوق النقد الدولي واشتراطاته القاسية، أحد دوافع الرغبة في الانضمام إلى “بريكس”.
وتمتلك مجموعة “بريكس” بنك التنمية الخاص بها، ويهدف إلى دعم مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة للدول المشتركة في المجموعة
وقد انضمت الإمارات وبنغلاديش وأوروغواي رسميا إلى “بنك التنمية الجديد” التابع للمجموعة أواخر عام 2021، قبل أن تنضم مصر أيضا نهاية مارس 2023.
وفي يوليو الماضي، ربطت مجلة “نيوزويك” الأمريكية بين محاولات التوسع في عضوية بريكس، وانضمام دول جديدة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وذكرت المجلة أن المحاولات الصينية لضم إيران والسعودية، لتحقيق نوع من “التوزان الجيوسياسي” العالمي من خلال استقطاب “خصمين مؤثرين في الشرق الأوسط” هما السعودية وإيران.
وأضافت أن “بريكس تحالف دولي اقتصادي سياسي غير عسكري (يأتي) لكسر الهيمنة الغربية والأحادية الدولية وإيجاد عالم متعدد الأقطاب”.
فقدان الجاذبية في حكم الغرب
كما كتبت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية المملوكة للدولة أن اتجاه عدد من الدول للانضمام لمجموعة بريكس يمكن أن يخبرنا بـ”السحر المتزايد لقوة وقيم بريكس، فضلا عن فقدان الجاذبية في الحكم العالمي الحالي الذي يهيمن عليه الغرب”.
لكن على الرغم من ذلك، تبقى استمرارية هذا التجمع وفاعليته محل شك؛ وفق عد من الخبراء، فمن الجانب الشكلي لا يحمل هذا التجمع اسما خاصا به لأن كلمة “بريكس” تتكون من الحروف الأولى للدول المشكلة له وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ويوحي الاسم كأن التجمع لقاء ظرفي قد لا يدوم، أو أنه مبني على حاجة ظرفية وليس على قراءة طويلة الأمد على قاعدة المستقبل المشترك للدول الأعضاء.
أما على المستوى الاقتصادي فالاقتصاد الصيني ذاته، وهو قاطرة تجمع بريكس، لا يزال شديد الارتباط بالأسواق الغربية وخاصة منها الأوروبية كما هو مرتبط بالاستثمارات المباشرة الغربية.
كما تبرز مجموعة من التحديات، تشمل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والاختلافات السياسية وثغرات البنية التحتية ومستويات متفاوتة من التنمية المؤسسية، وستكون مواجهة هذه التحديات وتعزيز النمو الشامل والتعاون أمرا حاسما للنجاح المستقبلي للمجموعة.