هذا العيد الثاني الذي يمر على الفلسطينيين في قطاع غزة وهم تحت القصف والقتل والحصار والتجويع والتدمير والتشريد فعندما حل عيد الفطر المبارك قبل شهرين لم يشعر به أهل غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ شهور ومع قدوم عيد الأضحى المبارك أصبح الوضع أكثر سوءًا وظلامًا حيث أوغلت قوات الاحتلال قتلًا وأسرًا وتشريدًا وتدميرًا.
لقد أدت الحرب الإسرائيلية على غزة المتواصلة منذ 8 أشهر إلى استشهاد أكثر من 37 ألف فلسطيني وتحويل جزء كبير من منازل القطاع إلى أطلال وفرار معظم السكان البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني من ديارهم وتدمير معظم الإنتاج الزراعي والغذائي ما دفع الناس إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي بالكاد تصل بسبب القيود الإسرائيلية واستمرار عمليات القتال.
وحذرت وكالات الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا من أن أكثر من مليون شخص في قطاع غزة أي ما يقرب من نصف السكان قد يواجهون أعلى مستوى من المجاعة في الأسابيع المقبلة خصوصًا بعد سيطرة قوات الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح ما أدى إلى إغلاق الطريق الوحيد أمام دخول وخروج المواد الغذائية والأفراد من وإلى القطاع.
وفي الوقت الذي تسود فيه مظاهر البهجة والاحتفالات بقدوم عيد الأضحى المبارك في كل الدول الإسلامية فإن قطاع غزة يئن تحت وطأة النار والدمار ولا توجد به أي مظاهر للعيد فلا توجد لحوم أو ماشية في الأسواق وستكتفي العديد من الأسر بالأطعمة المعلبة في خيام خانقة أو في العراء تحت أشعة الشمس الحارقة كما أنه لا توجد أموال لشراء ملابس جديدة للعيد أو هدايا وسيحرم ما تبقى من أطفال غزة من العيدية والهدايا أضف إلى ذلك حرمان أهالي غزة من فريضة الحج هذا العام.
ففي عيد الأضحى الذي يتميز بذبح الأضاحي لم يعد هذا متاحًا لسكان أهل غزة الذين يمضون يومهم بوجبة إطعام واحدة أن وجدوها وبعض الأسر تمضى يومين وثلاثة بوجبة واحدة حيث لاتوجد سلع غذائية متاحة وإن وجدت فإن أسعارها مرتفعة جدًا فعلى سبيل المثال وصل سعر كيلو اللحم إلى 200 شيكل مايعادل 50 دولارًا أما الخروف الحي الذي كان بالإمكان شراؤه بنحو 200 دولار قبل الحرب فقد أصبح ثمنه الآن 1300 دولار هذا إذا كان متاحًا بالأساس.
وهناك أزمة أخرى يواجهها سكان غزة في الأيام العادية عمومًا وفي فترة الأعياد خصوصًا تتعلق بشراء الملابس الجديدة حيث أنها لا تتوافر في الأسواق التي أصبحت خالية من كل شيء وإن توافرت فهي بأسعار خيالية لا يتحملها الناس ولا يستطيعون شراؤها وذلك بفعل إغلاق قوات الاحتلال للمعابر التجارية مع قطاع غزة والحصار الخانق الذي كان مفروضًا منذ عام 2006 وتزايد بعد الحرب التي اندلعت شراراتها في 7 أكتوبر 2024.
ومع تكبيرات العيد وكلما سمع أبناء غزة الأذان يبكون على أحبائهم الذين فقدوهم فما من أسرة في القطاع المنكوب إلا وأصيبت بفقد حبيب أو جرح حبيب أو اعتقال حبيب فكل بيت في غزة يوجد لديه جرح نازف وإن لم يكن أكثر من جرح وبالتالي فإن هؤلاء ليس لديهم مايفرحهم بالعيد وهم في هذه الأوضاع الصعبة والأليمة.
أيضًا يبكي أهالي غزة في العيد على منازلهم التي طالها الخراب أو لم تعد موجودة وعلى مقدراتهم وأموالهم وأحوالهم التي تبدلت فقد كانوا يعيشون من قبل ويحتفلون بعيد الأضحى في مثل هذه الأيام من العام الماضي فرغم أن غزة كانت فقيرة ومعزولة حتى قبل الحرب ولكن كان بإمكان سكانها الاحتفال من خلال تعليق الزينة الملونة وشراء الملابس الجديدة والحلوى والهدايا للأطفال وشراء اللحوم وذبح الأضاحي.
لقد أصبح الشعب الفلسطينى في غزة هو أضحية عيد الأضحى حيث يقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب وكل ما هو حي في كل مكان وفي أي وقت ورغم ذلك فهم صامدون ومرابطون وثابتون في أرضهم يدافعون بأرواحهم عن حقوقهم المشروعة في وجه الاحتلال الغاشم فهم ضحوا بالغالي والنفيس وما زالوا يضحون ويقدمون الكثير فقط يأملون أن يكون هناك نهاية للحرب والجوع والبؤس في المستقبل القريب.