تجارة وصناعةسلايدر

كيف صمدت العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا أمام رياح الخلافات السياسية العاتية؟

حملت زيارة وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير إلى تركيا، ولقاؤه نظيره التركي عمر بولات، صبغة سياسية؛ ذلك أنها الأولى من نوعها في السنوات العشر الماضية، التي شهدت توترًا كبيرًا بين البلدين.

وقد قطعت تركيا ومصر العلاقات الدبلوماسية بينهما في العام 2013، في أعقاب الانتقادات اللاذعة التي وجّهتها أنقرة إلى القاهرة بعد عزل الرئيس محمد مرسي الذي حظي بدعم جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة كجماعة إرهابية في مصر.

وإثر هذه الخلافات، أصبح البلدان جزءًا من تحالفات إقليمية تدعم طرفي النزاع في ليبيا، ففي العام 2019، اقتربا من مواجهة عسكرية، عندما لوّحت القاهرة بالتدخل عسكريًا في حال تقدّمت القوات الموالية لأنقرة باتجاه مدينة سرت الواقعة في وسط ليبيا.

ومما زاد الوضع تعقيدًا، اشتعال شرارة التوترات في منطقة شرق البحر المتوسط عقب اكتشاف حقول الغاز الطبيعي البحري في فترة 2014-2015، إذ اجتمعت مصر في شهر سبتمبر 2020، مع قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين، لإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، الذي جرى فيه استبعاد تركيا.

التبادل التجاري لم يتأثر بالخلافات

وعلى الرغم من التوترات التي عصفت بالعلاقات السياسية بين البلدين، بقيت العلاقات الاقتصادية قائمة، وواصل حجم التبادل التجاري نموّه المطّرد مسجّلًا معدّلات مرتفعة للغاية.

وقد كان لهذا النمو الاقتصادي رغم التوتر السياسي خلال السنوات العشرة الماضية “أسباب موضوعية وعقلانية”؛ فاقتصادا البلدين يكملان بعضهما، فضلا عن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وقرب المسافة الجغرافية، ما يساعد في تخفيض تكلفة نقل البضائع، وفقا للسفير التركي لدى مصر، صالح موتلو شين، الذي يعتقد أن السنوات العشرة المقبلة “ستكون مسرحا لفرص تعاون اقتصادي وتجاري أكثر كثافة”.

أبرمت مصر اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا في العام 2005، ودخلت حيز التنفيذ في العام 2007، وهي لا تزال قائمة حتى اليوم على الرغم من رياح الخلافات السياسية العاتية، وقد زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين من 1.6 مليار دولار في 2007 إلى 10 مليارات دولار، ما يؤكد أن الجانبَين اتفقا ضمنيًا على إبقاء تبادلاتهما الاقتصادية في منأى عن التجاذبات السياسة.

وخلال فترة انقطاع العلاقات، رفضت مصر وتركيا تجديد اتفاقية واحدة فقط في العام 2015، وهي اتفاقية العبور التجاري التي تُعتبر ثانوية ولم تؤثّر بشكل يُذكر على حجم التبادل التجاري بين البلدَين. عدا ذلك، بقي الإطار القانوني والتنظيمي الذي يحكم تبادلاتهما التجارية والاستثمارية على حاله تقريبًا.

في 18 مارس 2023، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء، أن قيمة التبادل التجاري بين مصر وتركيا ارتفعت إلى 7.7 مليارات دولار خلال عام 2022 مقابل 6.7 مليارات دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 14%، و4.9 مليارات دولار في عام 2020، بحسب نشرة التجارة البينية.

خارطة طريق نحو 15 مليار دولار

ويصل حجم التبادل التجاري المعلن من قبل المركزي للإحصاء إلى 10 مليارات دولار بحساب صادرات الغاز المسار من مصر إلى تركيا، وفقا للوزير المفوض يحيى الواثق بالله رئيس التمثيل التجاري، وهو رقم اتفق وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير ونظيره التركي عمر بولات على خارطة طريق لزيادته إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.

وتعد تركيا المستورد الأول للغاز المسال المصري، وفقا لنائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، الدكتور أشرف غراب.

ووفقًا لنشرات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات التابعة لوزارة التجارة والصناعة للصادرات غير البترولية، جاءت تركيا من ضمن أكبر أسواق الصادرات المصرية، واحتلت المركز الثالث بقيمة 1.994 مليار دولار في عام 2021، مقابل المركز الثالث أيضًا بقيمة 1.614 مليار دولار لعام 2020.

وجاءت تركيا من ضمن أكبر أسواق الواردات المصرية بالمركز الرابع بقيمة 3.476 مليارات دولار لعام 2021، مقابل المركز الخامس بقيمة 3.061 مليارات دولار.

ووفقًا لبيانات هيئة الإحصاء التركية، في عام 2019 بلغت صادرات تركيا إلى مصر 3 مليارات و316 مليون دولار، وتراجعت في 2020 إلى 2 مليار و949 مليون دولار.

ومع تأثير الخطوات المتبادلة للبلدين عام 2021، ارتفع حجم التجارة بنحو 37 بالمئة ووصل إلى 4 مليارات و34 مليون دولار، وفي 2022 إلى 4 مليارات و54 مليون دولار، فيما بلغ مليارًا و169 مليونًا في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني ومايو/ أيار من العام الحالي.

وبلغ حجم واردات تركيا من مصر عام 2019، مليارا و812 مليون دولار، وفي 2020، مليارا و635 مليون دولار، وارتفعت في 2021 إلى مليارين و87 مليون دولار، وفي 2022 إلى مليارين و331 مليون دولار، فيما حققت مليارًا و299 مليون دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري.

وزير التجارة التركي أكد أن اللجنة المشتركة لاتفاقية التجارة الحرة ستعقد اجتماعا في أنقرة في أقرب وقت ممكن لمناقشة القضايا على المستوى الفني، لافتا إلى أن مجمل الحجم الاقتصادي للبلدين يتجاوز تريليون دولار.

رجال الأعمال تجاوزوا الصعوبات

وعلى الرغم من تدهور العلاقات السياسية بين البلدين، لم تتأثر العلاقات الاقتصادية بين رجال الأعمال في البلدين على مدار السنوات الماضية، بفضل مجلس الأعمال المصري التركي، الذي استقبل العديد من الوفود وشخصيات الأعمال والمنتديات المشتركة وأسهم بشكلٍ فعال في تيسير حركة التجارة وتدفق الاستثمارات التركية لمصر.

ولم يغادر أيٌّ من رجال الأعمال والصناعيين الأتراك مصر، حتى في أصعب الأوقات، وفقا لوزير التجارة التركي، الذي ذكر أن الاستثمارات التركية في مصر وصلت إلى مستوى ملياري دولار، وهو ما يظهر ثقة رجال الأعمال الأتراك في القوى العاملة المؤهلة والقدرة الإنتاجية في مصر، على حد تعبيره.

ومشيرا إلى أنهم سيعملون أيضا على تحقيق التنويع القطاعي للاستثمارات في المستقبل، قال بولات إن “اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلين للاستثمارات” و”اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي” ساريتان بين البلدين، “وهو أمر إيجابي من أجل تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية المتبادلة بشكل أكبر”.

وأوضح بولات أن شركات المقاولات التركية تولت 27 مشروعًا بقيمة 1.2 مليار دولار في مصر حتى اليوم.

من جهته، كشف رئيس جمعية “أسود الأناضول” لرجال الأعمال التركية أورهان آيدن، أن صادرات بلاده إلى مصر عام 2022، زاد بنسبة 0.8%، مقارنة بـ2021، وحقق 4.5 مليارات دولار.

وقال إن التجارة مع مصر عام 2022 “حققت فائضا بمقدار ملياري دولار لمصلحة تركيا، وتأتي على رأس الصادرات، آلات الحديد والصلب والأجهزة والأدوات الميكانيكية والبلاستيك ومنتجاته والكيماويات غير العضوية والمجوهرات”.

وأكد رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركي رفعت حصارجكلي أوغلو أن مصر تعتبر أكبر شريك تجاري لتركيا في قارة أفريقيا، موضحا أن في مصر 200 شركة تركية 40 منها كبيرة، توفر فرص عمل وتقوم بالتصدير.

وأضاف “فخورون بأن الشركات التركية من بين أهم مصدري المنسوجات في مصر، حيث إنها توفر فرص عمل لنحو 100 ألف مواطن مصري”.

وعلى مدار الفترة من 2019 إلى 2022، كان ميزان التجارة في صالح تركيا، إذ بلغ فائضها التجاري مع مصر 1.6 مليار دولار عام 2019، ولكنه قفز إلى 2.3 مليار دولار وإلى ملياري دولار عامي 2021 و2022 على التوالي، لكن “لأول مرة بدأت مصر في تحقيق فائض في الحساب الجاري عبر الطاقة” وفق رئيس مجلس الأعمال التركي – المصري في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي مصطفى دنيزر، الذي يؤكد أن في الإمكان زيادة الميزان التجاري بين البلدين إذا نجحت بلاده في إدخال المنتجات التركية إلى مصر “بشكل مريح”. عندها قد يصل حجم التجارة الثنائية التي تتكون بشكل رئيسي من المنتجات الصناعية إلى 15- 20 مليار دولار.

قيمة استثمارات الأتراك في مصر منذ العام 2007 بلغت 1.5 مليار دولار، بحسب دنيزر الذي أشار إلى وجود ما بين 15 و20 مشروعا استثمارًا تركيًا مهمًا في مصر خاصة في المنسوجات والملابس، مضيفا أن الفترة المقبلة (2023-2024) ستشهد إضافة استثمارات جديدة في قطاعات بيع التجزئة والطاقة والأجهزة المنزلية والنقل، قد يصل حجمها إلى 500 مليون دولار.

التجارة بين البلدين بالعملات المحلية

من بين ما ناقشه الوزيران خلال الزيارة، إمكانية استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية في الفترة المقبلة، مع عقد اجتماع في إطار آلية المشاورات التجارية، خلال زيارة الوزير التركي عمر بولات لمصر في الفترة المقبلة بدعوة من نظيره المصري.

إذا جرت التجارة بين البلدين بالعملات المحلية، بحيث تستورد مصر من تركيا وتدفع بالجنيه، وتستورد تركيا من مصر وتدفع بالليرة، سيقضي ذلك على صعوبات كبيرة تواجه طريق الاستثمار بين البلدين، وفق تصريح سابق لرئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك، نهاد أكينجي، الذي يرى أن “هذا الأمر مهم جدا، وسيسهم في زيادة الاستثمارات التركية في مصر”.

وتوقع أكينجي، حال موافقة مصر على الطلب التركي، أن يقفز التبادل التجاري بين البلدين إلى الضعف ليبلغ 20 مليار دولار خلال 15 عاما، والاستثمارات التركية إلى ما بين 4 و5 مليارات دولار، مقابل ملياري دولار حاليا.

المهندس حمادة العجواني، عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، شدد على أنّ من شأن اتفاقية التعامل بالعملات المحلية إن تمت، حل مشكلات الاستيراد والتصدير بين البلدين الناتجة عن ندرة العملة الصعبة، والتخفيف عن كاهل المستثمرين والمستوردين بين البلدين ودفع عجلة التنمية.
ومن اللافت أن السفير التركي لدى مصر صالح موتلو شين، سبق أن صرّح بأن بإمكان البلدين التفاوضَ على تحديد مبلغ محدد من إجمالي التبادل التجاري تُطبق عليه هذه الآلية حال الموافقة عليها. وقال “من الممكن تحديد 6 مليارات دولار كحد للتعامل بالجنيه والليرة. وفي اعتقادي أن هذا نموذج قابل للتطبيق وأنا أرى أن هذا الاقتراح يمكن دراسته بشكل أشمل فيما بعد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *