منذ الربع الأخير من العام الماضي، لا تتوقف الأسعار عن القفز في مصر، والحديث هنا عن أسعار جميع السلع تقريبا،وبخاصة السلع الغذائية، حتى بات تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات هو الشغل الشاغل للمواطنين في الوقتالحالي، فيما تحاول الحكومة التخفيف من وطأة هذه الأزمة عبر عرض المنتجات بأسعار أقل نسبيا في منافذ تابعةللجيش والشرطة ووزارة التموين.
وعلى الرغم من التوسع في إنشاء المنافذ الحكومية هذه، لا تزال الأسعار آخذةٌ في الزيادة، ما دفع عددًا من النوابلسؤال رئيس مجلس الوزراء ووزير التموين عن “أهمية وجدوى هذه المنافذ ومدى قدرتها على حل أزمة الأسعاروإلى متى“.
وقوبل إعلان وزير التموين، الأسبوع الماضي “سعي الحكومة لتوفير المنتجات الأساسية في منافذ (أهلا رمضان) التابعة للحكومة تخفيفا من ارتفاع الأسعار على يد التجار” بانتقادات لاذعة من المستهلكين الذين اشتكوا من أنالأسعار تزيد كل يوم مع عدم ظهور أي مؤشرات على انفراجة قريبة.
وتصاعدت الأزمة مع قرار الحكومة إلغاء التسعيرة الإجبارية للأرز، لتُباع السلعة الاستراتيجية بالسعر الحر بدءا من 15 فبراير الجاري، وهو ما دفع النواب للتساؤل عن “التناقض في قرارات الحكومة بين رغبتها التحكم في الأسعار عنطريق منافذها في نفس وقت قرار إلغاء تسعيرة الأرز“.
ويقول رئيس شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية السابق، أحمد شيحة، في تصريحات صحفية إن الأسعار فيمصر ليست عادلة ولا علاقة لها بأسعار السلع العالمية، لافتا إلى أن الأسعار التي تطرحها الحكومة في المنافذ التابعةلها والتي هي أقل بنسب كبيرة عن الأسعار المطروحة في القطاع الخاص، تكشف عن حجم المكاسب الضخمة التيتحققها بعض شركات الاستيراد التي تسيطر على أنواع معينة من السلع.
وقال شيحة إن كل ما يتم من ارتفاعات في أسعار جميع السلع يعود بشكل مباشر إلى استمرار ظاهرة الاحتكار منقبل بعض المستوردين والشركات، وأيضاً ضعف الرقابة في ظل وجود أكثر من 4.5 مليون تاجر تجزئة يعملون فيالسوق المصرية، مضيفا أن هناك عددا كبيرا من كبار التجار والمستوردين يستغلون أزمة شح الدولار في رفع الأسعاربنسب غير طبيعية أو غير منطقية.
“هؤلاء هم من يتصدرون المشهد وينتقدون الحكومة عندما تتدخل عبر إحدى آلياتها في تهدئة وتيرة ارتفاعاتالأسعار ويقومون بتحويل الأزمة إلى حرب بين الحكومة والقطاع الخاص حتى تتراجع الحكومة وتترك لهم الفرصةلحصد المزيد من المكاسب والأرباح“، وفقا لشيحة.
وتوقع تقرير لوكالة “بلومبرج” الأمريكية أن يكون شهر رمضان المقبل، نهاية مارس، هو الأصعب على المواطنين منذسنوات، فقد تشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعا كبيرا، خاصة بسبب الارتفاع في أسعار الوقود، وزيادة الطلب علىالغذاء. ونقل التقرير عن خبراء اقتصاديين توقعاتهم أن يتجاوز التضخم في مصر 27 بالمئة بحلول مارس الذييوافق شهر رمضان المبارك والذي اعتاد فيه المصريون التجمعات العائلية والموائد المليئة بأصناف الطعامالمختلفة.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هو الجهاز الرسمي للإحصاء في مصر، الخميس، أن أسعار الموادالغذائية والمشروبات، وهي أكبر عنصر موجود في قائمة التضخم، قفزت بنسبة 48 بالمئة في يناير. وارتفع مؤشرأسعار المستهلك الرئيسي بنسبة 25.8 بالمئة على أساس سنوي، بزيادة قدرها 21.3 بالمئة عن الشهر السابق.
لكن تقرير الوكالة الأمريكية ذكر أنه حتى مع استبعاد عنصري الغذاء والطاقة، فإن معدل التضخم الأساسي السنويتجاوز 31 بالمئة ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أواخر عام 2017.
وجاء الارتفاع في الأسعار مع انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 18 بالمئة في الشهر الماضي. ورغم أن الأسعار كانت أكثراستقرارًا في الأسابيع الأخيرة، إلا أن الجنيه المصري سجل تراجعا جديدا بنسبة 0.6 بالمئة، ليصل إلى أدنى مستوىله مسجلا 30.54 مقابل الدولار.
وأوضحت الوكالة في تقريرها أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الشهرية في مصر بأكبر وأسرع نسبة زيادة علىالإطلاق أدى إلى ارتفاع حاد في معدلات التضخم في يناير وبالتالي اضطرار البنك المركزي لاستئناف رفع أسعارالفائدة.
وأوضحت الوكالة أن الحكومة المصرية تولي قضية ارتفاع الأسعار اهتماما كبيرا وتأتي في أولوياتها لإدراكها مدىتأثير مثل هذه الأزمة على مستقبل الحكومة ككل.
ومن جهته، أعدّ مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء وثيقة للرد على أبرز القضايا المثارة بشأن ارتفاعالمستوى العام للأسعار في مصر. وأوضحت الوثيقة، أن العالم يشهد واحدة من أقسى الموجات التضخمية على مدارالعقود الماضية؛ نتيجة تراكب وتعدد الأزمات التي يمر بها الاقتصاد العالمي، بما أدى إلى ارتفاع التضخم العالميوفقًا لصندوق النقد الدولي إلى 8.8 بالمئة في عام 2022، بما يمثل أعلى مستوى للتضخم على مدار خمسةوعشرين عامًا، مقارنةً بمعدل للتضخم بلغ 4.2 بالمئة في المتوسط خلال الفترة (1997-2021).
ولفتت الوثيقة إلى أن معدلات التضخم بلغت في بعض دول العالم أعلى مستوياتها في أربعين عامًا، وبشكل عامارتفعت معدلات التضخم في نصف دول العالم إلى 10 بالمئة أو أكثر، وبلغت مستوى 100 بالمئة أو أكثر في بعضالبلدان الأخرى في عام 2022.
وأوضحت الوثيقة أن الموجة التضخمية الحالية ترجع إلى العديد من العوامل التي يأتي على رأسها استمرار جائحةكوفيد-19 للعام الرابع على التوالي، واستمرار الأزمة الروسية–الأوكرانية للعام الثاني على التوالي، وتشديد السياسةالنقدية وما نتج عنها من ارتفاعات قياسية لأسعار الفائدة على مستوى العالم وبالتالي ارتفاع مستويات التضخمالمستورد، إضافةً إلى استمرار أزمات سلاسل الإمداد العالمية، علاوةً على حدوث أزمة طاقة عالمية لم يسبق لهامثيل من العمق والتعقيد.
وفي ضوء ذلك، سجلت الأسعار العالمية للعديد من السلع، وخاصة الغذاء والطاقة، ارتفاعات قياسية خلال عام2022، حيث ارتفعت أسعار الطاقة وفقًا للبنك الدولي بنسبة بلغت نحو 59 بالمئة، ووفقًا لمنظمة الفاو ارتفعتالذرة بنسبة بلغت نحو 25 بالمئة، والألبان بنسبة بلغت نحو 20 بالمئة، والحبوب بنسبة بلغت نحو 18 بالمئة،والقمح بنسبة بلغت نحو 16 بالمئة.
كما أشارت الوثيقة إلى أن الأزمة الروسية–الأوكرانية تسببت في حدوث انتكاسة للتعافي الاقتصادي الهشّ من جائحة“كوفيد-19″، وزيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة؛ نتيجة تعطُّل سلاسل التوريد من روسيا وأوكرانيا؛ مما أدى إلىتفاقم تضخم أسعار الغذاء على مستوى العالم ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، حيث ارتفع تضخم أسعارالغذاء في عدد من دول العالم بما يفوق 50 بالمئة، وسجل بشكل عام تضخم الغذاء ارتفاعًا في 91 بالمئة من الدولالمتضمنة في شريحة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض التي تنتمي إليها مصر.
وتطرقت الوثيقة إلى الجهود التي تبذلها الحكومة لتبني العديد من الإجراءات التي تستهدف تخفيف الأعباء عن كاهلالمواطنين في مواجهة الضغوطات السعرية؛ حيث تم تخصيص 130 مليار جنيه للتعامل مع تداعيات الأزمةالاقتصادية العالمية، وتخفيف آثارها على المواطنين، علاوة على زيادة مستويات الدعم الموجه للسلع الأساسية؛حيث تم رفع المخصصات المالية لدعم السلع التموينية لتصل إلى نحو 90 مليار جنيه.
ومن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة القيام بزيادة أعداد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة، حيث تمتخصيص نحو (22) مليار جنيه لتمويل برنامج تكافل وكرامة، بما يسمح بتقديم دعم نقدي للأسر الأقل دخلًا،متضمنة (450) ألف أسرة جديدة تمت إضافتها للبرنامج.
وأطلقت الدولة وفقا للوثيقة مجموعة من حزم الحماية الاجتماعية، آخرها الحزمة التي بدأ تطبيقها في نوفمبر2022، بتكلفة تُقدر بـ67 مليار جنيه سنويًّا، فضلًا عن مخصصات الحماية الاجتماعية في موازنة العام المالي الجاري2022/2023 البالغة 356 مليار جنيه.
كما زادت الحكومة المعاشات بنسبة 13 بالمئة، وقد تم تطبيق هذه الزيادة اعتبارًا من أبريل 2022، بدلا من يوليو2022، بتكلفة إضافية تصل إلى 8 مليارات جنيه، علاوةً على صـرف مسـاعدات اسـتثنائية لـ9 ملاييـن أسـرة لمـدة 6 أشـهر بتكلفـة مليـار جنيـه شـهريًّا، وذلك ضمن حزمة إجراءات تم الإعلان عنها في يوليو 2022.
كما تم إقرار 300 جنيه علاوة شهرية استثنائية دائمة للموظفين والعاملين بالدولة بمختلف مستوياتهم الوظيفيةفي شهر أكتوبر 2022، بدءًا من الدرجة السادسة وحتى الدرجة الممتازة، وإقرار 300 جنيه منحة استثنائية شهريةلأصحاب المعاشات والمستحقين عنهم، لأكثر من 10.5 مليون مواطن، بتكلفة سنوية تبلغ 32 مليار جنيه؛ وذلكلمواجهة غلاء المعيشة، والتخفيف عن المواطنين.