اقتصادملفات وحوارات

كيف أصبحت الإصلاحات المالية والاقتصادية في مصر محل تقدير عالمي واسع؟

في خطوة وُصفت بأنها علامة فارقة في مسار الاقتصاد المصري، رفعت مؤسسة “ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز” التصنيف الائتماني لمصر إلى مستوى B من B- مع نظرة مستقبلية مستقرة، وذلك للمرة الأولى منذ سبع سنوات، مشيرة إلى تحسن الآفاق الاقتصادية بفضل الإصلاحات التي نفذتها الحكومة خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية، فيما أكدت مؤسسة “فيتش ريتنغز” تصنيفها لمصر عند مستوى B مع نظرة مستقرة.

وقالت “ستاندرد آند بورز” في تقريرها إن الإصلاحات التي نفذتها السلطات المصرية، وعلى رأسها التحول إلى نظام سعر صرف مرن، أدت إلى ارتفاع النمو وزيادة تدفقات السياحة والتحويلات المالية، وتحسن صافي التدفقات المالية، وهو ما دعم الوضع الخارجي للاقتصاد. وأضافت أن النظرة المستقرة للتصنيف الائتماني تعكس توازنًا بين تحسن آفاق النمو وتحسن اتجاهات ميزان المدفوعات من جهة، واستمرار ارتفاع الديون والعجز الحكومي من جهة أخرى.

وأكدت المؤسسة أنها تتوقع استمرار ضبط أوضاع المالية العامة، وإن كان بوتيرة تدريجية، في ضوء آفاق نمو الناتج المحلي الإجمالي الأقوى وزيادة الإيرادات إلى جانب ضبط الإنفاق وتحقيق الفوائض الأولية المرتبطة ببرنامج صندوق النقد الدولي.

وفيما يتعلق بسعر الصرف، توقعت “ستاندرد آند بورز” أن يؤدي التزام مصر بسعر صرف تحدده قوى السوق، إلى جانب الدعم الذي يوفره برنامج صندوق النقد الدولي، إلى تعزيز آفاق النمو وضبط أوضاع المالية العامة خلال السنوات المالية 2025 إلى 2028، رغم التقلبات العالمية والمخاطر الجيوسياسية.

وأشارت المؤسسة إلى أن النمو الاقتصادي الحقيقي تباطأ إلى 2.4% في السنة المالية 2024، لكنه عاد للانتعاش بعد تعديل سعر الصرف في مارس من العام نفسه، ليرتفع إلى 4.4% في 2025، مع توقعات بأن يبلغ متوسط النمو 4.8% خلال الفترة بين 2026 و2028.

من جانبها، أوضحت “فيتش ريتنغز” أن تصنيفها الائتماني لمصر يعكس موازنة بين “اقتصاد كبير نسبيًا وإمكانات نمو مرتفعة ودعم قوي من الشركاء الدوليين”، وبين “ضعف المالية العامة وارتفاع تكلفة خدمة الدين والاحتياجات التمويلية الخارجية الضخمة”.

وأضافت أن الضغوط على التمويل الخارجي “قد انحسرت”، متوقعةً أن تتجاوز التدفقات الصافية للحساب المالي عجز الحساب الجاري حتى السنة المالية 2028، مع ارتفاع الاحتياطيات القابلة للاستخدام لدى البنك المركزي المصري إلى 42 مليار دولار بحلول ذلك العام.

كما رجّحت “فيتش” أن ينخفض صافي الدين الخارجي المعدل بعد خصم الأصول السائلة إلى 84% من إيرادات الحساب الجاري في المتوسط خلال الأعوام 2025-2028، مقارنة بمتوسط 134% في الأعوام 2021-2024، مشيرة إلى استمرار استقرار سوق الصرف الأجنبي منذ توحيد أسعار الصرف في مارس 2024.

ورغم التقدم المحقق، لفتت “ستاندرد آند بورز” إلى أن عبء خدمة الدين الحكومي لا يزال مرتفعًا جدًا، موضحةً أن رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة في مارس 2024 إلى 27.25% بالتزامن مع تحرير سعر الصرف أدى إلى زيادة تكلفة خدمة الدين المحلي، لكنها توقعت بدء تراجع هذه التكاليف تدريجيًا بدءًا من عام 2027 مع استمرار دورة خفض الفائدة وتراجع معدلات التضخم.

وتوقعت المؤسسة أن تنخفض مدفوعات الفائدة كنسبة من الإيرادات الحكومية إلى 49% بحلول السنة المالية 2028، مقارنة بـ 73% في 2025، في حين أشارت “فيتش” إلى تراجع التضخم إلى 11.7% في سبتمبر الماضي مقارنة بـ 26.5% قبل عام، متوقعة أن يبلغ متوسط التضخم 12.3% في السنة المالية 2026، مع إمكانية خفض سعر الفائدة الأساسي إلى مستويات أكثر ملاءمة بحلول 2027.

الدكتور أحمد كجوك، وزير المالية، اعتبر أن قرار “ستاندرد آند بورز” برفع التصنيف الائتماني لمصر لأول مرة منذ سبع سنوات، إلى جانب تثبيت تصنيف “فيتش” بنفس النظرة المستقرة، يعكس إدراك المؤسسات الدولية لجدية وفاعلية الإصلاحات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، والتزام الحكومة بمواصلة تنفيذ برنامج الإصلاح الوطني الشامل.

وأوضح كجوك أن الإصلاحات المالية والاقتصادية المنفذة والنتائج الإيجابية المحققة أصبحت محل تقدير واسع من المستثمرين والأسواق العالمية، مشيرًا إلى أن المؤسسات الدولية بدأت ترفع تقييماتها وتحسن نظرتها المستقبلية تجاه الاقتصاد المصري.

وأضاف الوزير أن الحكومة تعمل على مواجهة التحديات ومواصلة الإصلاحات بشكل متسق لدعم النمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد، مؤكدًا أن استكمال الإصلاحات والسياسات المتناغمة سيضمن استمرار الاستقرار الاقتصادي وسينعكس إيجابيًا على جودة حياة المواطنين.

وأشار كجوك إلى أن الخطوات الإيجابية التي اتخذتها مؤسسات التقييم تمثل اعترافًا واضحًا بما تحقق من تطورات اقتصادية، مما يعزز الثقة في مسار التنمية ويؤكد كفاءة برنامج الإصلاح الذي تتبناه الدولة لتحقيق الاستقرار وتعزيز الجدارة الائتمانية وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

من جانبه، قال ياسر صبحي، نائب وزير المالية للسياسات المالية، إن الأوساط المحلية والدولية بدأت تلمس النظرة الإيجابية لأداء الاقتصاد المصري، وهو ما انعكس على انخفاض تكلفة التمويل في الإصدارات الدولية وازدياد اهتمام المستثمرين الأجانب بتوسيع استثماراتهم في السوق المصرية.

وأضاف صبحي في تصريحات صحفية، أن رفع التصنيف سيسهم في توسيع قاعدة المستثمرين وتقليل درجة المخاطر، بما يمكن من مواصلة مسار النمو الإيجابي المستدام على المدى المتوسط.

وقال علاء عبد الرحمن، مستشار وزير المالية للمؤسسات الدولية، إن الوزارة تحافظ على تواصل دائم مع مؤسسات التصنيف وبنوك التنمية لتوضيح التطورات الاقتصادية والرد على استفساراتهم، مشيرًا إلى أن مؤسستي “ستاندرد آند بورز” و”فيتش” أكدتا في تقاريرهما الأخيرة أن قراراتهما تستند إلى استمرار الإصلاحات الهيكلية ووجود سعر صرف مرن وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وتحسن مؤشرات القطاع الخارجي والانضباط المالي، مع تحقيق فائض أولي كبير بلغ 3.6% خلال العام المالي الماضي.

وفي السياق ذاته، قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق، إن الاقتصاد المصري استعاد عافيته وحقق قدرًا من الاستقرار المالي والنقدي، مشيرًا إلى أن التقارير الدولية الأخيرة تشيد بمعدلات التعافي في مختلف القطاعات.

وأضاف معيط في تصريحات تلفزيونية أن مصر تسير في الاتجاه الصحيح بفضل حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الدولة خلال الفترة الماضية، موضحًا أن المؤشرات المالية بدأت تتحسن بشكل واضح، وهو ما سينعكس تدريجيًا على مستوى معيشة المواطن خلال المرحلة المقبلة.

وأشار إلى أن المناقشات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي ستكون إيجابية وبناءة، مؤكدًا أن الحكومة تمتلك رؤية واضحة وخطة إصلاحية متكاملة توازن بين متطلبات النمو وتخفيف الأعباء عن المواطنين، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيز الاستثمارات وتحسن تدفقات النقد الأجنبي بما يدعم استدامة التعافي الاقتصادي.

من جانبه، قال المهندس حازم الجندي، عضو مجلس الشيوخ، إن إعلان “ستاندرد آند بورز” رفع التصنيف الائتماني لمصر إلى مستوى B يمثل تطورًا نوعيًا في مسار الاقتصاد الوطني ويعكس نجاح الدولة في استعادة ثقة المؤسسات الدولية بعد فترة صعبة، معتبرًا القرار “اعترافًا دوليًا بجدية الدولة في تنفيذ إصلاحات متوازنة تجمع بين دعم النمو وضبط المالية العامة”.

وأشار الجندي إلى أن إشادة المؤسسة بالإصلاحات خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية تعكس ثمار السياسات التي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أن هذه النتائج لم تكن لتتحقق لولا التنسيق الكامل بين الحكومة والبنك المركزي.

وأضاف أن تحسن التصنيف سينعكس إيجابًا على خفض كلفة الاقتراض وتحسين شروط التمويل الدولي، كما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب، لافتًا إلى أن نجاح الدولة في إدارة ملفات الدين والإنفاق سيزيد فرص رفع التصنيف مرة أخرى في المستقبل.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد، فقال إن قرار رفع التصنيف يمثل تتويجًا لمسار الإصلاحات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، موضحًا أن التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي جاء نتيجة الإصلاحات النقدية وتحريك سعر الصرف الذي أدى إلى تدفقات نقدية جيدة وتحسن في إدارة الدين والعجز.

وأضاف فؤاد في تصريحات صحفية، أن الاحتياطي النقدي الأجنبي سجل مستوى قياسيًا بلغ 49.5 مليار دولار، وهو ما يوفر غطاءً آمنًا للوفاء بالالتزامات الخارجية، مشيرًا إلى أن مصادر تعزيز الاحتياطي تشمل تحويلات المصريين بالخارج وزيادة إيرادات السياحة التي تتجه لتسجيل 17 مليون سائح هذا العام.

وأشار إلى أن اتفاق غزة من المتوقع أن يسهم في تحسين أداء قناة السويس خلال الأشهر المقبلة بعد تراجع خسائرها التي تراوحت بين 500 و600 مليون دولار شهريًا، لافتًا إلى أن تحسن بيئة الملاحة سيعزز من موارد النقد الأجنبي.

وفيما يتعلق بتباطؤ تراجع الأسعار رغم تحسن المؤشرات الاقتصادية، أوضح فؤاد أن الأسعار لا تنخفض بنفس سرعة ارتفاعها بسبب دورة المخزون، متوقعًا أن يظهر أثر الاستقرار النقدي خلال الأشهر المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *