
مع إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025، يعيش آلاف الطلاب وأسرهم حالة من الترقب، ولكن ليس بسبب المجموع فقط، بل نتيجة التحولات العميقة في اختيارات ما بعد الثانوية. فالحلم التقليدي بالدخول إلى كليات مثل الطب أو الهندسة بدأ يتراجع، ليحل محله اهتمام متزايد بتخصصات حديثة تواكب احتياجات السوق وتفتح آفاقًا أوسع للمستقبل.
لم تعد المكانة الاجتماعية المرتبطة بـ”كليات القمة” هي المعيار الوحيد للنجاح، بل ظهر وعي جديد لدى الطلاب وأولياء الأمور، يُركّز على المهارات، والمجالات المطلوبة، وفرص التوظيف بعد التخرج.
وفي تصريحات خاصة لـ”البورصجية”، أوضح الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بجامعة القاهرة، أن هذا التحول ناتج عن وعي جديد بسوق العمل، وإدراك أن الاسم الأكاديمي للكلية لا يكفي وحده لبناء مستقبل ناجح، مشيرًا أن التوجهات الجديدة أصبحت أكثر واقعية ومرتبطة بالفرص الفعلية المتاحة بعد التخرج.

وبرزت الجامعات الأهلية مثل: جامعة الجلالة، والعلمين الدولية، والملك سلمان الدولية، إلى جانب الجامعات الدولية التي فتحت فروعها في العاصمة الإدارية الجديدة، كنموذج تعليمي عصري يُعيد تشكيل مستقبل التعليم الجامعي في مصر.
تُوفر هذه الجامعات بيئة تعليمية تفاعلية تعتمد على مناهج محدثة بالشراكة مع جامعات عالمية، وتُتيح فرصًا واسعة للتدريب العملي، والتبادل الأكاديمي، والسفر، إلى جانب تقديم شهادات مزدوجة أو معتمدة دوليًا، ما يمنح الخريجين قدرة تنافسية حقيقية في سوق العمل.
ويقول أحد أولياء الأمور لـ”البورصجية”: “أنا مهتم إن ابني يدخل كلية حديثة، يتعلم فيها صح، ويتخرج وهو قادر ينافس في شغل حقيقي. مش مهم المسمى القديم للكلية، المهم هو هيشتغل إزاي بعد كده.”
وفي تصريحات خاصة لـ”البورصجية”، أكد الدكتور عادل عبدالغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أن الدولة تدعم التوسع في التعليم الجامعي الحديث من خلال إنشاء جامعات أهلية تقدم برامج دراسية متوافقة مع احتياجات سوق العمل محليًا ودوليًا.
وأشار، أن هذه الجامعات لا تُعد بدائل تعليمية، بل مسارات جديدة تتيح للطلاب تعليمًا عالي الجودة، خاصة في التخصصات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، والتكنولوجيا الحيوية، مشددًا على أن البنية التحتية التعليمية في هذه الجامعات تضاهي نظيراتها في الخارج.
ووفقًا للدكتور عاصم حجازي، فإن الجامعات الأهلية تمثل بديلاً مناسبًا للجامعات الحكومية من حيث التكلفة، وهي أقل تكلفة من الجامعات الخاصة، مع تقديم خدمات تعليمية متميزة، ومناهج مرتبطة بسوق العمل، وشراكات أكاديمية دولية، مضيفًا: أن الدولة أنشأت مؤخرًا أربع جامعات حكومية جديدة، ما يعكس التزامًا واضحًا بتوسيع قاعدة إتاحة التعليم الجامعي.
ورغم المزايا التي تقدمها الجامعات الأهلية والدولية، إلا أن تكلفة الدراسة تظل من أبرز التحديات التي تواجه الكثير من الأسر. إذ تتراوح المصروفات السنوية بين 30 ألف جنيه وتصل إلى أكثر من 150 ألف جنيه في بعض التخصصات، وهو ما يثير القلق خاصة لدى الطبقة المتوسطة.
هذا الواقع دفع عددًا من أولياء الأمور إلى المطالبة بتوسيع نطاق المنح الدراسية والدعم المالي، لضمان تمكين الطلاب المتفوقين من الحصول على تعليم متميز دون أن تكون الظروف المادية عائقًا أمامهم.
وتعليقًا على هذه القضية، قال الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، في تصريحات سابقة: “هناك توجه واضح لزيادة أعداد المنح والدعم المادي بالجامعات الأهلية، وإتاحة برامج تمويل وتقسيط، حتى لا تكون التكلفة عائقًا أمام الطالب المتميز.”
الرهان على الكليات الحديثة لا يتوقف فقط عند جودة التعليم، بل يمتد إلى مدى قدرة الخريجين على إيجاد فرص عمل حقيقية وذات عائد جيد. وتشير تقارير وزارة التعليم العالي إلى أن عددًا متزايدًا من خريجي الجامعات الأهلية تم توظيفهم بالفعل قبل التخرج، لا سيما في مجالات التكنولوجيا وريادة الأعمال.
وذلك نتيجة مباشرة للشراكات الفاعلة التي تعقدها هذه الجامعات مع مؤسسات تدريب دولية، واتصالها الوثيق بسوق العمل المحلي والعالمي، مما يمنح الطلاب فرصًا حقيقية للتدريب والتوظيف.
وتُظهر اتجاهات التوظيف الحديثة طلبًا متناميًا على خريجي التخصصات التالية:
الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
الأمن السيبراني.
التكنولوجيا الطبية الحيوية.
الإعلام الرقمي وصناعة المحتوى.
وهي مجالات لا تغطيها بالشكل الكافي الكليات الحكومية، التي ما زالت تعتمد على مناهج تقليدية تركز على الحفظ النظري أكثر من المهارات العملية.