أثار قطع الأشجار في القاهرة غضبا واسعا على مواقع التواصل التي عجّت بصور لشوارع وأحياء تظهر أماكن معينة في العاصمة “قبل وبعد”، مستنكرين ما وصفوه بـ”الحملة الممنهجة لقطع الأشجار”.
“في منطقة مصر الجديدة بشرق القاهرة وحدها، تم قطع نحو 2500 شجرة بين عامي 2019 و2020 كجزء من أعمال توسيع الطرق”، وفقا لمبادرة تراث مصر الجديدة، وهي مجموعة تأسست عام 2011 للحفاظ على التراث المحلي.
إلا أن الحكومة نفت في بيان صادر عن وزارة البيئة “وجود خطة ممنهجة لقطع الأشجار”، وأكدت أن الدولة “حريصة على زيادة المسطحات الخضراء”، مدللة على ذلك بصدور تشريع لتجريم الاعتداء على الأراضي الزراعية، وإطلاق مبادرة 100 مليون شجرة، كما أشارت إلى أن هناك بعض وقائع قطع الأشجار في عدد من الأماكن مما يتطلب اتخاذ الآليات التي تضمن عدم تكرارها.
وأطلقت مصر في عام 2022، المبادرة الرئاسية للتشجير التي تستهدف زراعة 100 مليون شجرة خلال سبع سنوات، بتكلفة تصل إلى ثلاثة مليارات جنيه، تستحوذ القاهرة على النصيب الأكبر منها في العام المالي (2022- 2023) بنحو 1.9 مليون شجرة، بحسب تقرير صادر عن مجلس الوزراء.
وقال رئيس الإدارة المركزية للتشجير بوزارة البيئة، أحمد عباس، إن الوزارة تحاول زراعة أضعاف عدد الأشجار التي يتم إزالتها لتحقيق التوازن البيئي، مضيفا أن “البيئة” مسؤولة عن زراعة 13 مليون شجرة خلال سنوات المبادرة السبع، بينما تستحوذ وزارة التنمية المحلية على النصيب الأكبر في هذه المبادرة بزراعة 80 مليون شجرة، وتسهم هيئة المجتمعات العمرانية بزراعة سبعة ملايين شجرة.
حظر قطع الأشجار
وعقدت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد اجتماعا مع محافظ القاهرة إبراهيم صابر، شددت خلاله على عدم قطع أي أشجار إلا بالعودة لوزارة البيئة وتشكيل لجنة فنية متخصصة للنظر في الأمر.
وطالبت باستصدار قرار من قبل محافظة القاهرة بحظر قطع الأشجار أو التقليم الجائر لها دون الرجوع إلى اللجنة الفنية المختصة، مشددة على ضرورة التركيز في المرحلة المقبلة على التوسع في زراعة الأشجار التي لها عوائد اقتصادية، والتعاون مع المركز القومي لبحوث الزراعة لتحديد أنواع الشتلات الملائمة.
وفيما يخص ملف جهود التشجير وزيادة المساحات الخضراء بالمحافظة، أوضحت أنّ الوزارة تنفذ حملات تشجير في مختلف المحافظات بالتعاون مع المجتمع المدني في إطار جهود الدولة المصرية للتصدي لآثار تغير المناخ حيث تتم تلك الحملات من خلال الأفرع الإقليمية للوزارة بالتعاون مع المحافظين.
وأوضحت التنسيق مع محافظ القاهرة لتشكيل لجنة فنية لمتابعة أعمال التشجير بالمحافظة، مع وضع خطة واضحة بنوعية الأشجار وكميات المياه التي تحتاجها لضمان استدامتها مع تحديد أماكن زراعتها بالمحاور المختلفة.
مباشرةً، أصدر محافظ القاهرة، قرارا بعدم قطع أي شجرة، وإذا تعارضت مع أى مشروع، فسيتم العرض على لجنة مختصة وتوضيح ذلك، كما لن يتم أي تقليم جائر للأشجار.
وقال المحافظ إنه وجه بإنشاء مشاتل بكل حى لتوفير الأشجار للمواطنين بأسعار مخفضة للتشجيع على التشجير، مؤكدا أنه سيتابع ذلك بنفسه، بل وطلب من رؤساء الأحياء تقديم نتائج شهرية، ووجه استطلاع آراء المواطنين بكل حى عند تنفيذ أى إنجاز بالشوارع.
الإجراء ذاته، اتخذه اللواء إسماعيل كمال، محافظ أسوان، بعدما تصدرت المحافظة قائمة الأعلى تداولا، بسبب تسجيلها درجات حرارة قياسية، حيث ربط المواطنون ذلك بظاهرة قطع الأشجار، ما دفع المحافظة إلى إصدار قرارا بحظر قطع الأشجار ومنع التقليم الجائر إلا بعد الرجوع للمحافظة والجهات المختصة مع العمل للحفاظ عليها ورعايتها.
وأشار بيان صادر عن المحافظة، إلى أن زيادة زراعة الأشجار والتوسع فى المسطحات الخضراء ومساحات الظل لتكتسى الطرق والشوارع والميادين والأحياء والمناطق السكنية والمؤسسات المتعددة باللون الأخضر.
غضب في النواب
وقد جاء ذلك في أعقاب غضب داخل مجلس النواب أيضا، حيث تقدم عدد من النواب بأسئلة وطلبات إحاطة للحكومة بشأن ظاهرة قطع الأشجار في الميادين والحدائق الرئيسية مما أدى إلى انخفاض المساحات الخضراء، مطالبين بالتحقيق في هذه الظاهرة، مع العمل على زيادة حجم المساحات الخضراء في كل أنحاء البلاد.
النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب بطلب إحاطة بشأن تراجع المساحات الخضراء بالإقليم المصري والقطع الجائر للأشجار، ما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق.
وطالبت الحكومة بإجراء تحقيق شامل حول الأسباب والجهات المسؤولة عن قطع الأشجار وتقليص المساحات الخضراء بهذا الشكل، وتقديم المتورطين للمساءلة، بجانب تنفيذ حملات تخضير وتشجير عاجلة وسريعة بمختلف أنحاء الجمهورية.
أما النائبة سميرة الجزار فقد تقدمت بطلب إحاطة بشأن وقف وحظر تصدير الفحم فورا والتحقيق مع الشركات المصدرة عن مصدر الفحم، وما إذا كان المصدر هو أشجار الشوارع والحدائق العامة المملوكة للشعب فى كل محافظات مصر.
وأشارت النائبة في طلبها إلى أن شكوكا تدور حول شركة بها أشخاص ذو نفوذ، تقطع الأشجار التي تعد ملكية عامة للشعب وتحولها إلى فحم بهدف تصديرها إلى الكيان الصهيوني” بأسعار باهظة لتحقيق الثراء السريع على حساب صحة الإنسان.
وطالبت النائبة بإصدار قرار ينفذ فورا بحظر تصدير الفحم نهائيا وضبط وحجز الفحم المعد للتصدير وبدون تأخير، كما طالبت وزير التجارة بالتحقيق مع شركات تصدير الفحم ومعرفة مصدر الفحم وما إذا كان مصدره من الملكية العامة للشعب من أشجار الشوارع والحدائق، بالإضافة إلى فتح تحقيق موسع لمعرفة من يصدر الأوامر للإدارات المحلية فى وزارته بكل المحافظات بقطع الأشجار.
أرقام صادمة
تراجعت المساحات الخضراء في القاهرة خلال 3 سنوات فقط بنحو 910 آلاف متر مربع، لتنخفض من 7.8 مليون متر مربع في 2017 إلى 6.9 مليون متر مربع في عام 2020، وذلك بحسب بيانات صادرة عن مركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية في القاهرة، ودراسة بعنوان “حجم المساحات الخضراء العامة وتوزيعها في القاهرة”، نشرت في مجلة الهندسة والعلوم التطبيقية الأكاديمية عام 2022.
وانخفضت الحصة الفردية للمساحات الخضراء في العاصمة من 0.87 إلى 0.74 متر مربع، وهو أقل من الحد الأدنى لمعيار منظمة الصحة العالمية بمقدار 8.26 أمتار مربعة، وفقاً لتلك البيانات.
في المقابل، قلل رئيس مركز التغيرات المناخية بوزارة الزراعة، الدكتور محمد علي فهيم، من تأثير قطع الأشجار على التغيرات المناخية، وذلك ردا على من يشتكون من ارتفاع درجات الحرارة ويرجعون تغيّر المناخ إلى قطع الأشجار في أحيائهم السكنية.
وقال في تصريحات صحفية إن قطع الأشجار في مصر لا يؤثر إطلاقا على التغيرات المناخية موضحا أنها تتأثر فقط حال إزالة الغابات المتواجدة في الدول الغربية والتي تحتوي على ملايين الأشجار إضافة إلى الخضرة الكثيفة بين جوانها.
وفيما يتعلق بأن الأشجار تبعث الأكسجين في الهواء الطلق قال إن الأوكسجين الذي ينبعث من الأشجار سرعان ما ينطلق لطبقات الجو العليا وليس المنتشر في الهواء على الإطلاق، لافتا إلى أنه يمكن للحياة أن تستمر لما يزيد على 100 ألف عامًا لو أزيلت كل الأشجار الموجودة على سطح الأرض.