جنبًا إلى جنبٍ، تراقب الدولة عن كثبٍ تنفيذ منظومة جمع وتدوير قش الأرز، في الوقت الذي رفعت فيه درجة الاستعداد القصوى لموسم زراعة القمح.
وتواصل وزارتا الزراعة والبيئة حملات توعية المزارعين بالمنظومة في المحافظات المسموح بزراعة الأرز فيها، في إطار جهود الدولة للاستفادة من المخلفات الزراعية والحفاظ على البيئة من التلوث ومنع السحابة السوداء.
جولات ميدانية
وأجرت قيادات وزارة البيئة جولات ميدانية بالمحافظات المعنية بزراعة الأرز، لمعاينة مواقع تجميع قش الأرز ورصد أي مواقع للحرق المكشوف، ومعاينة مواقع التجميع والتدوير والتخلص من المخلفات.
ويواصل فروع جهاز شئون البيئة بالصعيد والمحافظات، حملاته التوعوية للمزارعين بالحقول والجمعيات الزراعية والوحدات المحلية والجمعيات الأهلية وداخل المساجد والكنائس، لتوعية المواطنين بالاضرار الناتجة عن حرق المخلفات الزراعية، وما يترتب عليها من آثار صحية جسيمة وكيفية الاستفادة من المخلفات الزراعية وإعادة استخدامها ،
وقد صارت الدولة أكثر تشددا في معاقبة المخالفين، ففي حالة وجود أي حريق يتم تحرير محضر مباشرة وعمل تقرير مفصل ووقوع غرامات كبيرة على المخالف من 50 ألفا وحتى مليون جنيه.
وتصدر منظومة الإنذار المبكر بوزارة البيئة نشرات دورية بنتائج تحليل بيانات الحرائق التي يتم رصدها من خلال الأقمار الصناعية، ومن خلالها يتم تفعيل عدة محاور للمتابعة، والسيطرة على الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية بمشاركة وزارتي الزراعة والتنمية المحلية.
بداية المنظومة
اعتاد المزارعون سابقا حرق قش الأرز بعد حصاده في شهري أكتوبر ونوفمبر من كل عام، إذ يتخلف عن كل طن من الأرز طنّان من القش، وكان يتعين على الفلاحين التخلص من هذه الكميات الضخمة خلال مدة 70 يومًا، قبل بدء الزرعة الشتوية.
وكان ينتج عن حرق القش “سحابة سوداء” من الأدخنة تؤذي البلاد كل عام، إلا أن الدولة بدأت تطبيق منظومة “جمع وتدوير قش الأرز”، عام 2016، وهي عبارة عن حملات وندوات إرشادية وتوعوية يشارك فيها خبراء في هذا المجال؛ من أجل تعريف المزارعين بطرق الاستفادة من قش الأرز بطريقة آمنة، بدلا من حرقه، والتعامل الصحيح مع المخلفات والاستفادة منها.
وتجري عملية التدوير في مجموعة من المحافظات؛ منها القليوبية والغربية وكفر الشيخ والبحيرة والشرقية والدقهلية، وهي أشهر المحافظات المسموح فيها بزراعة الأرز، وفقا الدكتور علاء عزوز رئيس قطاع الإرشاد في وزارة الزراعة، الذي أكد أن المنظومة حققت أهدافا كثيرة؛ منها الحفاظ على البيئة ومنع التلوث للحفاظ على صحة الإنسان، وتوفير فرص عمل كثيرة، وأسهمت في سد جزء من فجوة الأعلاف، مؤكدا أنها منظومة وتجربة ناجحة.
وكانت صعوبة جمع قش الأرز على هيئة حِزَم كبيرة الحجم “بالات”، وتخزينه، وتكلفة نقله لإعادة تدويره، هي سبب لجوء المزارعين إلى حرقه وعدم تجاوبهم مع جهود الكومة لمنع ذلك، فقد كانوا يرفضون “نقل القش بأنفسهم إلى حيث تريد الحكومة، بلا تعويض لمصاريف النقل وأجور العمالة”، وكانوا يرون أنه إذا كانت هناك فكرة تربحهم، فلن يحرقوا القش.
لكن بعد توفير المعدات والآلات الحديثة لكبس وفرم القش لتعظيم الاستفادة منه وإعادة تدويره، وتكثيف حملات التوعية لدى المزارعين حول أهمية قش الأرز كونه يعد ثروة قومية يجب الحفاظ عليها، تغيّر الأمر.
قصة نجاح
فعلى مدار السنوات الماضية، نجحت تلك جمع وتدوير قش الأرز في إقناعهم بالتوقف عن هذه الظاهرة، وإن كانت لم تقض تمامًا عليها، لكن القش أصبح يحرق في إطار ضيق لا يتعدى 1 في 10 آلاف، وفقا للدكتور عزوز الذي قال إن الوزارة لديها خطة للاستفادة من المتبقيات والمخلفات الزراعية وعلى رأسها قش الأرز، وهذه الخطة لها بُعد بيئي واقتصادي.
وأوضح في تصريحات تلفزيونية أن الخطة تتم عن طريق حملات وندوات إرشادية وتوعوية بمشاركة خبراء المجال، حيث يتم العمل على توصيل أبسط طريقة للمزارع من أجل التعامل الصحيح مع المخلفات والاستفادة منها.
وكان وزير الزراعة، السيد القصير، قد صرح في وقت سابق، بأن منظومة جمع وتدوير قش الأرز خلال السنوات الماضية، حققت أهدافها وكانت نموذجًا ناجحًا ومتميزًا للتكامل الحكومي والتعاون المثمر والبناء بين أجهزة الدولة المختلفة بإتباع منهج متكامل وتشاركي يضمن دمج البعد البيئي مع الاقتصادي.
ولفت إلى أنها ساهمت في خلق فرص عمل جديدة في المناطق الريفية لصغار المزارعين والمؤسسات الأهلية، حيث حققت عائدًا إضافيًا لمزارعي الأرز بما ساهم في زيادة دخولهم.
وبحسب الدكتور علاء عزوز، رئيس القطاع الإرشادي بوزارة الزراعة، نجحت المنظومة منذ بداية موسم حصاد الأرز في تجميع مليون و703 آلاف طن من القش، في 181 موقعًا بعد حصاد 66.35 بالمئة من المساحات المزروعة، نتج عن تدويرها 2814 طن أسمدة و310 أطنان أعلاف غير تقليدية.
وكشفت البيانات الواردة من مديريات الزراعة عن الانتهاء من كبس 609 آلاف و451 طنًّا، وفرم 304 آلاف و24 طنًّا، وتشوين 618 ألفًا و259 طنًّا، كما أن القطاع نفذ 918 ندوة إرشادية أسهمت في توعية المزارعين بأهمية تجميع وتدوير قش الأرز والاستفادة من عائداته، وفقا للمتحدث.
وأشار عزوز إلى أن عمليات تدوير قش الأرز تساهم في إنتاج الأسمدة العضوية، وإنتاج الطاقة الحيوية ومنتجات الحرف اليدوية وتوفير فرص عمل جديدة غير تقليدية للشباب لا سيما في المناطق الريفية.
محصول الأرز
ويبلغ حجم المساحات المزروعة بالأرز هذا العام، نحو مليون و600 ألف فدان وهو ما يمثل نسبة 70 بالمئة تقريبا من إجمالي المساحة المزروعة في البلاد، موزعة ما بين مليون و74 ألف طن، وهي المساحة التي حددتها وزارتا الزراعة والري، وبين مساحات أخرى مزروعة بالمخالفة في بعض المحافظات، وهي نسبة تبلغ ضعف ما كان مزروعا العام الماضي (35 بالمئة)، وفقا لوزير الري هاني سويلم، الذي أكد أن الوزارة تعمل على توفير المياه بكميات كبيره لتلبية احتياجات المزارعين. ويرجح بعض الخبراء أن تصل المساحة المزروعة بالأرز إلى 1.8 مليون فدان.
وتعد محافظة الدقهلية من أكبر المحافظات في الدلتا في زراعة محصول الأرز، حيث زرعت هذا العام 404 آلاف فدان، ينتج عنها 810 آلاف طن من القش تقريبًا، وفقا للدكتور علي أبوسنة، الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة.
أما عن الإنتاج، فيتراوح حجمه بين 7 و7.5 مليون طن من الأرز الشعير، وهو ما ينتج من 4.2 إلى 4.5 مليون طن من الأرز الأبيض، ويقدر حجم الاستهلاك المحلى بنحو 3.6 مليون طن، أي إنّ الإنتاج يكفي الاستهلاك ويحقق فائضا، لكنّ الدولة اضطرت إلى الاستيراد بكميات “قليلة” العام الماضي، بسبب تخزين بعض المزارعين المنتج ورفضهم بيعه بسعر 20 ألف جنيه لطن الأرز الشعير، بحسب رجب شحاتة، رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات.
وقال شحاتة إن ما تم استيراده “لا يتجاوز استهلاك 12 يوما فقط”، لافتا إلى أن وزارة التموين استوردت 50 ألف طن، فيما استورد القطاع الخاص نحو 80 ألف طن تقريبا، وبسبب الاستيراد وزيادة المعروض، انخفض سعر طن الأرز الشعير إلى 13 – 11 ألف جنيه، كما انخفض سعر طن الأرز الأبيض من 35 – 30 ألف جنيه إلى 22 – 20 ألف جنيه.
وكانت وزارة الموارد المائية والري قد أصدرت القرار رقم 123 لسنة 2023، بتحديد المساحات المزروعة بالأرز بـ724.2 ألف فدان لموسم 2023، في محافظات الإسكندرية ودمياط وكفر الشيخ وبورسعيد والإسماعيلية والدقهلية والبحيرة والغربية والشرقية.
وجددت وزارتا الزراعة والري تحذيراتهما للمزارعين من أن عدم الالتزام بالمساحات المحددة لزراعة محصول الأرز سيعرض المزارع للحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفي جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه عن الفدان أو كسر الفدان، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتضاعف العقوبة في حالة تكرار المخالفة.
مكاسب مادية
وأصبح الفلاحون أكثر حرصا على الاستفادة من قش الأرز في صناعة أعلاف المواشي، مما يحقق لهم عائد اقتصادي مربح، فإنتاج فدان الأرز الواحد من القش يقدر بـ 200 “بالة” تقريبا، تباع الواحدة منها بـ50 جنيهًا، بإجمالي مبلغ 10 آلاف جنيه لمحصول الفدان الواحد، وفقا للدكتور ناجح غربية، وكيل وزارة الزراعة في كفر الشيخ. وبفضل جهود الدولة، وصل عائد إعادة تدوير قش الأرز إلى مليار جنيه، وفقا لوزارة البيئة.
وقالت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، إن مصر لها قصة نجاح في التعامل مع قش الأرز وتحويله من مخلف ملوث يُحرق ويساهم في ظاهرة السحابة السوداء الى منتج ذي عائد اقتصادي، من خلال تشجيع الفلاحين على كبسه وتدويره وتحويله لمنتجات اقتصادية، وأيضًا التوجه نحو الاقتصاد الدائري للاستفادة من المخلفات في صناعة الغذاء.
وتعد تجربة الدولة في التعامل مع “قش الأرز” وتحويله إلى سماد عضوي من أنجح تجارب الحكومة على مدار السنوات الماضية، بحسب نقيب الزراعيين الدكتور سيد خليفة، الذي يؤكد أن التعاون بين الوزارات وأجهزة الدولة المختلفة بطريقة عملية “قادر على تحقيق المستحيل”.