للمرة الثالثة خلال العام الحاليّ، لم تجد الحكومة مفرًا من زيادة أسعار الوقود، في إجراءٍ من شأنه أن يثير موجة تضخمية جديدة خلال الربع الأخير من العام.
تعي الحكومة أن هذا القرار “مؤلم”، لكنها مضطرة إليه ومجبرة عليه، وفقا لرئيسها مصطفى مدبولي، الذي قال في مؤتمر صحفي إن الحكومة “ليس لديها بديل آخر في هذا الاتجاه”.
وأكد مدبولي أن “الدولة تعي تماما تأثير ارتفاع الأسعار على المواطن، ولا توجد حكومة ترغب في زيادة الأسعار، ولكن الحكومة تلجأ لذلك في إطار دراسة المنظومة، وانطلاقاً من إدراك حجم العبء المالي الكبير الذي تتحمله الدولة والحكومة”.
قررت الحكومة رفع أسعار جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت الصناعي، بنسب تراوحت بين 7.7% إلى 17%. وبموجب القرار ارتفع سعر لتر بنزين 80 (الأقل جودة) 12.2% إلى 13.75 جنيه، وسعر لتر بنزين 92 بنسبة 10.9% إلى 15.25 جنيه، على أن يصل سعر لتر بنزين 95 الأعلى جودة بعد الزيادة إلى 17 جنيها.
ورفعت الحكومة سعر بيع لتر السولار 17.4% إلى 13.50 جنيه، كما زاد سعر بيع لتر الكيروسين بنفس النسبة والقيمة. وزاد سعر المازوت الموجه للمصانع بنسبة 11.8% إلى 9500 جنيه. في حين جرى تثبيت المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية.
صندوق النقد؟
رصدت وزارة المالية المصرية دعماً للمواد البترولية بنحو 154 مليار جنيه في مشروع موازنة السنة المالية 2024-2025 بحسب بيان لرئاسة الجمهورية في مارس الماضي، مقارنة بـ165 مليار جنيه في السنة المالية 2023-2024.
وقد بلغت كلفة دعم الوقود في الربع الأول من السنة المالية الجارية 2024-2025 التي بدأت في يوليو وتنتهي في 30 يونيو 2025، نحو 39.3 مليار جنيه، وفقا لما قاله مسؤول حكومي لموقع الشرق/بلومبرج.
وبسبب زيادة سعر النفط الخام عالميا، ارتفعت فاتورة دعم المواد البترولية، ما أضاف مزيدا من الأعباء على الحكومة، ما اضطرها إلى قرار زيادة الأسعار لتقليل الفجوة بين سعر البيع وارتفاع التكلفة بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وفقا للمسؤول الذي أوضح أن سعر التكلفة يختلف عن سعر البيع العالمي للمنتج حيث يراعي النصيب المحلي من التكلفة النهائية للمنتج.
وتدعم الحكومة منذ فترة طويلة أسعار الوقود، بهدف بيعه في الأسواق بسعر أدنى مما يباع في الأسواق العالمية، وذلك مع تكبد وزارة المالية فارق السعر.
لكن هل لقرار الزيادة علاقة بصندوق النقد وشروطه؟ الحكومة أكدت على لسان المتحدث باسمها، المستشار محمد الحمصاني، أن القرار جاء نتيجة للأعباء والتكاليف التي تتحملها الدولة، وليس له علاقة بإملاءات من صندوق النقد الدولي كما يتردد، “فقد كان من الضروري تحقيق توازن في الدعم المقدم لأسعار الوقود، لذلك كان هناك حاجة لإعادة هيكلة الدعم بعد الأزمات العالمية، مع استمرار الدولة في دعم محدودي الدخل، خاصة الشرائح الأكثر تأثرًا بارتفاع الأسعار”.
الحمصاني شدد على أنّ قرار زيادة أسعار الوقود “قرار مصري بالكامل، وأن برنامج الإصلاح محلي ولا يرتبط بصندوق النقد”، مؤكدا أن تأجيل اجتماعات الصندوق مع الدولة سببه ارتباطات مسؤوليه، أم السبب الرئيسي لتحريك أسعار الوقود فهو تحقيق توازن في دعم السلع وترشيد الاستهلاك وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه”.
موجة تضخم
من المتوقع أن يسفر القرار عن زيادة في التضخم، لكنّ رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أكد أنه “لن يتم تحريك أسعار الوقود لمدة 6 أشهر من أجل تحقيق نوع من الثبات وخفض التضخم في الفترة المقبلة”، مشددا على أن الحكومة مضطرة لتحريك أسعار الوقود تدريجيا حتى نهاية 2025.
وشدد مدبولي على أن “هذا هو توجه الحكومة ولن تقوم بتغييره قدر الإمكان، وسوف تعمل الدولة دائما على تحمل العبء عن الشرائح الفقيرة من المواطنين، وتحقيق التوازن في خدمات الكهرباء وأي خدمات أخرى تمس حياة المواطنين، ودائما سوف يتم مراعاة الشرائح التي تمثل الفئات محدودة ومتوسطة الدخل، وسيظل الدعم موجوداً حتى بعد الوصول إلى نقطة التوازن”.
وتابع رئيس الحكومة “حساباتنا لهذا الأمر تم إجراؤها على أساس أن سعر البرميل 80 دولارا واليوم السعر يسجل 73 دولارا ومعنى هذا أنه إذا استقرت الأسعار على هذا المتوسط سيكون لدينا فرصة كدولة لعدم زيادة الأسعار بالصورة التي تم التخطيط لها من الآن وإلى 2025”.
ومن شأن زيادة أسعار الوقود أن تغذي التضخم الذي خالف التوقعات الشهر الماضي وتسارعت وتيرته إلى 26.4% على أساس سنوي، مقارنةً بـ26.2% في أغسطس، رغم توقعات بنوك الاستثمار تباطؤ وتيرته.
وفي مارس الماضي، رفع البنك المركزي المصري في اجتماع استثنائي، أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس، بهدف كبح جماح التضخم، لتزيد أسعار الفائدة بإجمالي 1900 نقطة منذ مارس 2022 وحتى الآن.
إلا أن المتحدث باسم مجلس الوزراء، قال إن “رفع أسعار الوقود يتم بطريقة دقيقة جدًا، لتجنب تأثيره السلبي على أسعار السلع”، مضيفا أن “هذه الزيادات تنعكس بصورة طفيفة جدًا على السلع حتى لا تؤثر على المواطنين”.
وأوضح أن الحكومة تستخدم صلاحياتها من خلال الأجهزة الرقابية لضبط الأسعار والتصدي للزيادات غير المبررة، مؤكدا أن اللجنة الوزارية المعنية بأسعار السلع برئاسة رئيس الوزراء ستجتمع قريبًا لبحث أية زيادات غير مبررة.
وأكد أن الحكومة تعمل على زيادة المعروض من السلع في الأسواق من خلال المخزون الاستراتيجي الذي يكفي لعدة أشهر، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات لتوفير المزيد من السلع، وذلك لمواجهة أي زيادات غير مبررة.
وأضاف أنه “في حال حدوث أي زيادات غير مبررة في الأسعار، ستقوم الجهات المعنية في الحكومة بالتنسيق والتحرك للسيطرة عليها، من خلال الرقابة أو تنفيذ مبادرات من الدولة خلال المعارض لتوفير السلع.”
وتابع أن “هناك حزمة متكاملة من صور الدعم التي تقدمها الحكومة للمواطنين، وإذا رأت الحكومة الحاجة لإضافة حزمة إضافية من الدعم، فسيتم ذلك”.
ضربة قاسية
يمثل رفع سعر السولار “ضربة قاسية” للقطاع الزراعي، وفقا لنقيب الفلاحين حسين عبد الرحمن، الذي حذر من أنّ قرارا كهذا، قد يدفع بعض المزارعين إلى التوقف عن الزراعة بسبب التكاليف المتزايدة.
وأوضح عبد الرحمن أن السولار يمثل عاملًا أساسيًا في جميع مراحل الزراعة، بدءًا من الري والرش وحتى النقل والجني، مشيرًا إلى أن هذه الزيادة في التكلفة ستؤثر سلبًا على الفلاحين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع أسعار المبيدات والأسمدة.
وكان سعر لتر السولار 110 قروش في بداية تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر نهاية مايو 2014، وفي يونيو من نفس العام تم إقرار زيادة قدرها 63% في سعر السولار ليرتفع اللتر إلى 180 قرشا، وتوالت الزيادات من وقتها حتى وصل سعر اللتر بعد الزيادة الأخيرة إلى 13.5 جنيهات.
ويستحوذ دعم السولار على أكثر من 70% من دعم المنتجات البترولية السنوي، ما حتم تحريك سعره لمواجهة الزيادات القياسية في دعم المنتجات البترولية، وفقا للمسؤول الذي تحدث إلى “الشرق/بلومبرج”.
وتستهلك مصر سنوياً 18 مليار لتر سولار، وحالياً كل لتر سولار يستهلكه المواطن تدعمه الدولة بحوالي 6.5 جنيه وهو ما يعني أن قيمة دعم السولار مرتفعه بشكل كبير، بحسب المسؤول.
ويتطلب ري الفدان الواحد خلال الموسم ما يتراوح بين 200 إلى 600 لتر من السولار، كوقود لماكينات ضخ المياه حتى تصل للأرض الزراعية في ظل شح المياه في بعض المناطق، وفقا لما قاله مزارعون للبورصجية.
ونتيجة لرفع سعر السولار، من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة زيادة في أسعار الخضروات والفاكهة، التي قد تتجاوز 15%، نتيجة الارتفاع المستمر في أسعار الوقود، وفقا لنقيب الفلاحين الذي أكد أن التأثير سيظهر على المحاصيل القادمة وليس تلك المتوفرة حاليًا في الأسواق.
نظرة إيجابية
لكن الحكومة تطالب بأن يُنظر إلى قرارها نظرة إيجابية، وتقول إنه سيفيد الدولة والمواطنين، فقد أشار المتحدث باسم الحكومة في تصريحات تلفزيونية إلى أن تحريك الأسعار مهم لقطاع البترول كي يتمكن من شراء المزيد من المواد البترولية وتوفير البترول للمواطن ومحطات توليد الكهرباء، مؤكدا أن “رفع أسعار الوقود يمكن الدولة من عدم العودة مجددا لانقطاع الكهرباء”.
وأضاف “نعلم أن هناك تحريكا في أسعار الوقود لترشيد الدعم مما ينعكس إيجابيا على توجيه بعض الأموال في تطوير أو إنشاء الطرق والصرف الصحي والتعليم والصحة لبناء الإنسان المصري”.
وتابع “يجب النظر عندما يتم تحريك أسعار أو رفع الدعم عن أي خدمة، ستكون بهدف ترشيد الاستهلاك، وتوجيه الأموال الأخرى لقطاعات أخرى تحقق النفع على المواطن”.