
أثار تصويت كنيست الاحتلال الإسرائيلي الأخير على إعلان يدعو إلى فرض ما يسمى بـ “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية المحتلة موجة إدانات دولية وعربية واسعة، ووُصف بكونه انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، هذه الخطوة، التي تأتي في سياق محاولات إسرائيلية متصاعدة لتعزيز ضم الضفة الغربية، تُهدد بتقويض فرص السلام العادل والدائم في المنطقة، وتُجهز على آفاق حل الدولتين.
إجماع عربي وإسلامي على رفض الانتهاكات الإسرائيلية:
أصدرت كل من، وجمهورية مصر العربية، ومملكة البحرين، وجمهورية إندونيسيا، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية نيجيريا الاتحادية، ودولة فلسطين، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية تركيا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي اليوم الخميس بيانًا مشتركًا أدانوا فيه بأشد العبارات مصادقة الكنيست على هذا الإعلان، واعتبروا جميعا، أن هذا الإجراء يُعد خرقًا سافرًا ومرفوضًا للقانون الدولي، وانتهاكًا صارخًا لقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرارات 242 و338 و2334، التي تؤكد جميعها بطلان جميع الإجراءات والقرارات التي تهدف إلى شرعنة الاحتلال، بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
لا سيادة لإسرائيل على الأراضي المحتلة:
تأكيدًا على الوضع القانوني للضفة الغربية والقدس الشرقية، جددت الدول والمنظمات الموقعة على البيان التأكيد على أن الكيان الإسرائيلي لا يمتلك أي سيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة، وأكدوا أن هذا التحرك الإسرائيلي الأحادي لا يترتب عليه أي أثر قانوني، ولا يمكن أن يغير من الوضع القانوني للأرض الفلسطينية المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشرقية، التي تبقى جزءًا لا يتجزأ من تلك الأرض. وشددوا على أن مثل هذه الإجراءات الإسرائيلية من شأنها فقط تأجيج التوتر المتزايد في المنطقة، الذي تفاقم بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما خلّفه من كارثة إنسانية.
دعوات للمجتمع الدولي للتحرك الفوري:
دعت الدول والمنظمات الموقعة على البيان المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن وجميع الأطراف المعنية، إلى الاضطلاع بمسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لوقف السياسات الإسرائيلية غير القانونية الهادفة إلى فرض أمر واقع بالقوة، وتقويض فرص تحقيق سلام عادل ودائم، والقضاء على آفاق حل الدولتين، كما جددوا التزامهم بحل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
محاولات إسرائيلية متصاعدة لتعزيز الضم التدريجي للضفة:
يأتي هذا التصويت في إطار “اقتراح مطروح” قدمه أعضاء الكنيست اليمينيون “سيمحا روثمان”، وأوريت ستروك، ودان إيلوز، وعوديد فورر”، ورغم أن الإعلان رمزي وغير ملزم، فإن رعاته يحثون حكومة الاحتلال على “اتخاذ خطوات لتطبيق الضم”، بدعم من أعضاء الائتلاف والمعارضة، ويُنظر إلى هذا التصويت كجزء من محاولات أوسع نطاقًا تبذلها جماعة اليمين الإسرائيلي لتعزيز الضم التدريجي للضفة الغربية، ويأتي عقب تصويت سابق للكنيست رفض بأغلبية ساحقة قيام دولة فلسطينية، مُرسلًا رسالة سياسية واضحة بتحدي المجتمع الدولي، وتعكس هذه الخطوة أيضًا محاولات اليمين الإسرائيلي المتواصلة لإضفاء طابع رسمي على سيطرته على الضفة الغربية من خلال إجراءات تشريعية، وقد كثّفت حكومة الاحتلال الحالية التوسع الاستيطاني واعتمدت إجراءات تهدف إلى ضم أجزاء كبيرة من الأراضي بحكم الأمر الواقع.
وأمس الأربعاء، وافق أكثر من 70 نائبًا إسرائيليًا على قرار غير ملزم يحث حكومة الكيان على ضم الضفة الغربية رسميًا، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والمعترف بها دوليًا على أنها محتلة.
ومع أن التصويت لا يحمل ثقلًا قانونيًا، إلا أنه يمثل بادرة سياسية مهمة من القيادة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية، مشيرًا إلى تنامي الدعم المحلي للسيطرة الإسرائيلية الدائمة على الضفة الغربية.
محاولات إسرائيلية ممنهجة قبل تصويت الكنيست على ضم الضفة الغربية:
قبل أسابيع من تصويت الكنيست الإسرائيلي المثير للجدل على إعلان يدعو لفرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، كانت الأجواء الدولية مشحونة بتهديدات إسرائيلية صريحة. ففي 26 مايو الماضي، كشفت صحيفة هآرتس أن إسرائيل وجهت تحذيرًا مباشرًا لفرنسا والمملكة المتحدة، مفاده أن أي تحركات للاعتراف بدولة فلسطينية ستُقابل بضم تل أبيب لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، هذه التهديدات، التي نقلها مسؤولون إسرائيليون كبار، بمن فيهم وزير الشؤون الاستراتيجية “رون ديرمر” ووزير الخارجية “جدعون ساعر”، شكلت خلفية مقلقة لتصويت الكنيست، مؤكدة عزم إسرائيل على المضي قدمًا في سياسات الضم أحادي الجانب، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من التصعيد في التوترات الإقليمية والدولية، وقد شملت هذه التحذيرات إمكانية إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية وضم أجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية، مما يُبرز النوايا الحقيقية وراء التحركات التشريعية اللاحقة في الكنيست.
تدهور الوضع الأمني وإدانة فلسطينية:
يأتي قرار الكنيست في ظل تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية، مع تسارع وتيرة عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي واسعة النطاق، وهجمات المسلحين، وعنف المستوطنين، والاستيلاء على الأراضي، ويسود اعتقاد واسع النطاق بأن توسع الوجود الإسرائيلي في المنطقة، سواء عبر جيش الاحتلال أو المستوطنين، قد أدى بالفعل إلى ضم فعلي لأجزاء كثيرة منها، فأدان نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية “حسين الشيخ” الإعلان، واصفًا إياه بأنه “ليس فقط اعتداء مباشرًا على حقوق الشعب الفلسطيني، بل هو أيضًا تصعيد خطير يضر بآفاق السلام والاستقرار وحل الدولتين”.
وأكد “الشيخ” أن “هذه الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي والإجماع الدولي المستمر بشأن وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية”.
هذه التطورات تُلقي بظلالها على أي مساعٍ نحو تحقيق السلام في المنطقة، وتُبرز الحاجة الملحة لضغط دولي حقيقي على الكيان الإسرائيل للامتثال للقانون الدولي ووقف سياساته التي تُقوض حل الدولتين.
ما هي الخطوات التالية التي تتوقعها من المجتمع الدولي للتعامل مع هذه التطورات؟