في شهر يناير العامَ الماضي، أصدر رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، حزمة قرارات لـ”ترشيد الإنفاق العام” وتأجيل “المشروعات الدولارية”، في وقت كانت تواجه البلاد فيه نقصًا ملموسًا في احتياطات النقد الأجنبي.
وحسب بيان الحكومة حينها، شملت القرارات تأجيل تنفيذ أي مشروعات جديدة لم يتم بدء تنفيذها ذات “مكون دولاري واضح” إلى جانب ضرورة موافقة وازارة المالية على أوجه الصرف بالنقد الأجنبي بعد التنسيق مع البنك المركزي، مع “تأجيل الصرف على أي احتياجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى”.
كما تضمنت القرارات ترشيد جميع أعمال السفر المرتبطة بالجهات الحكومية والهيئات العامة والاقتصادية، إلى خارج البلاد “إلا للضرورة القصوى وبعد موافقة رئيس الوزراء”، حظر الصرف على نفقات الدعاية ونفقات الحفلات والاستقبالات ونفقات الشئون والعلاقات العامة، والاعتمادات المخصصة للعلاقات الثقافية في الخارج ومستلزمات الألعاب الرياضية، وكذا حظر الصرف على الاشتراك في المؤتمرات في الداخل والخارج دون الحصول على موافقة مسبقة وكذلك إيجار الخيام والكراسي.
تفاقم الأزمة
وكانت الدولة تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط أزمة اقتصادية خانقة تحيط بها من كل اتجاه، إلا أنّ الأزمة تفاقمت واشتدت وطأتها على ما يبدو، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بخفض الإنفاق على الاستثمارات، بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة، والهيئات الاقتصادية العامة، بنسبة 15 بالمئة من الخطة الاستثمارية للعام المالي الحالي؛ لترشيد الإنفاق وخفض سقف الدين الخارجي في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، بحسب بيان لمجلس الوزراء.
يأتي ذلك بينما قالت كريستالينا جورجيفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، إن الصندوق ومصر في “المرحلة الأخيرة” من المفاوضات لزيادة برنامج القرض البالغ ثلاثة مليارات دولار لتخفيف الضغوط الناجمة عن الحرب في غزة، وأفادت تقارير بأن التمويل سيزيد إلى 10 مليارات.
القرار الحكومي الجديد نص أيضًا على عدم البدء في أي مشروعات جديدة خلال العام الحالي، وإعطاء الأولوية لاستكمال المشروعات التي أوشكت على الانتهاء، بنسبة 70 بالمئة فأكثر، والمتوقع تنفيذها خلال العام المالي الحالي، والتركيز على الاحتياجات الاستثمارية الضرورية والملحة دون غيرها، بالإضافة إلى عدم التعاقد على أي تمويل خارجي، أو البدء في أي مشروع حتى من خلال مكون محلي يترتب عليه قرض أو مكون أجنبي إضافي.
كانت قيمة الاستثمارات الممولة من الخزانة العامة للدولة ارتفعت في عام 2022 إلى نحو 82 مليار جنيه، مقابل 73 مليار جنيه خلال الفترة المماثلة من العام السابق. وارتفع عجز الموازنة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي إلى 4.95 بالمئة من الناتج المحلي، مقابل 4 بالمئة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، فيما تستحوذ الديون الحكومية على نحو 70 بالمئة (6.2 تريليون جنيه) من محفظة ائتمان البنوك البالغة قيمتها 9.2 تريليون جنيه، بحسب بيانات سابقة للبنك المركزي، أظهرت أن الاقتراض الحكومي من القطاع المصرفي بنهاية السنة المالية المنتهية قفز إلى 42 بالمئة.
زيادة المصروفات
وقال وزير المالية محمد معيط، إن أن هناك زيادة سنوية لجملة المصروفات بنسبة 56 بالمئة، فيما يتعلق بالإنفاق على الاستثمارات الحكومية، وصندوق التأمينات والمعاشات وسداد الأقساط الشهرية المستحقة، وكذا للدعم النقدي لبرنامج “تكافل وكرامة” بنسبة نمو سنوي قدره 14 بالمئة.
كما زادت المصروفات لقطاع التعليم لإثابة العاملين، وتوفير مستلزمات المنظومة التعليمية بنسبة نمو قدرها 16 بالمئة، فضلا عن تمويل كافة احتياجات دعم السلع الغذائية، وكذا تمويل احتياجات الأدوية، إلى جانب زيادة المصروفات على قطاع الصحة لإثابة الأطقم الطبية وتوفير الاحتياجات والمستلزمات الطبية بنسبة نمو سنوي قدرها 36 بالمئة، بحسب الوزير.
وتستهدف موازنة العام المالي الحالي إنفاق 590 مليار جنيه على الاستثمارات الحكومية. وتتضمن الخطة الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي الحالي استثمارات كلية بنحو 1.8 تريليون جنيه تقوم الحكومة وجهاتها التابعة بتنفيذ نحو 63.6 بالمئة منها، والنسبة المتبقية استثمارات خاصة. وقال القرار إنه ستتم مراعاة عدد من الاستثناءات، منها، الجهات التي تجاوزت نسبة الإتاحة بها 50 بالمئة.
وفي ديسمبر الماضي، أكد معيط أن قرار ترشيد الإنفاق لا يسري على وزارة الصحة والسكان والجهات التابعة لها والمستشفيات الجامعية، وغيرها من الجهات القائمة على تقديم الخدمة الصحية والرعاية الطبية، وكذلك الجهات القائمة على تدبير السلع التموينية، والمواد البترولية، والغاز ومشتقاتهما، والاعتمادات المالية المدرجة بموازنات الجهات لعلاج العاملين وغيرهم مثل الطلاب، والإعانات التي تصرف لهم، والمقابل النقدي للعاملين بالمناطق النائية، وكل المخصصات المالية المدرجة لدعم السلع التموينية، ومعاشات الضمان و”تكافل وكرامة”.
وتضمنت ضوابط الترشيد، تأجيل تنفيذ المشروعات حديثة الإدراج بالخطة (خلال العام السابق أو العام الجاري)، بحظر إبرام أية تعاقدات على تلك المشروعات سواء بالأمر المباشر أو المناقصات العامة حتى نهاية العام المالي، وعدم التعاقد على شراء سيارات الركوب حتى نفس التاريخ، وعدم البدء في أية مشروعات جديدة في العام الحالي، وإعطاء الأولوية لاستكمال المشروعات التي انتهت بنسبة 70 بالمئة وأكثر.
مشروعات ذات أولوية
وقال المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، إن الغرض من القرار ترشيد الإنفاق في المرحلة الحالية، وتركيز إنفاق الدولة على القطاعات ذات الأولوية، موضحا أن هذا الأمر لن يؤثر بالسلب في خطط الدولة التنموية، ولكن غرض القرار ترشيد الإنفاق الخاص بالجهات الحكومية والدولة ووضع معايير واضحة للدولة.
وأوضح أن القرار أشار إلى إعطاء أولوية لاستكمال المشروعات التي أوشكت على الانتهاء مع التأكيد خلال الفترة المقبلة على التركيز على الاحتياجات والأولويات على المشروعات الجديدة، مع وضع ضوابط على عدم التعاقد على أي تمويل خارجي أو مكون خارجي إضافي، والعملية عبارة عن ترشيد الإنفاق من جهة، ومراعاة عدم إضافة أعباء جديدة فيما يتعلق بالعملة الأجنبية.
ولن تتأثر المشروعات التنموية التي بدأتها الدولة في القرى المصرية، فقد أكدت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط أن خطة التنمية لعام (23/24) تهدف في إطار التوجّه الاستراتيجي نحو تنمية القرى إلى استكمال تنفيذ المرحلة الأولى من مُبادرة “حياة كريمة” لإتمام إنهائها خلال عام الخطة، والتي تم البدء في تنفيذها اعتبارًا من أول يوليو 2021، وقد خُصّص لها اعتمادات قدرُها 350 مليار جنيه لتنفيذ مشروعاتها التنموية، وتُغطي الـمرحلة الأولى 1477 قرية في 52 مركزًا ويستفيد من خدماتها نحو 19 مليون نسمة.
كما تستهدف الخطة البدء في الأعمال التمهيدية للمرحلة الثانية، وتشمل إعداد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والرسومات والتصميمات الهندسية، واستكمال مشروعات الصرف الصحي ومياه الشرب وتبطين وتأهيل الترع، تمهيدًا لبدء الخطوات التنفيذية لهذه الـمرحلة اعتبارًا من عام (24/25) والتي يتسع نطاقها الجغرافي لتغطية نحو 1667 قرية.
انتقادات للحكومة
لكنّ القرار طالته انتقادات، إذ قال النائب محمود قاسم عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب إن الحكومة دائمًا ما تطلب من المواطنين ترشيد الإنفاق والاستهلاك في الوقت الذي لا تلتزم هي بالقرارات التي تصدرها لترشيد الإنفاق الحكومي.
وأضاف في بيان عاجل موجه لرئيس الوزراء ووزير المالية أن هذا القرار نفسه كان أصدره مجلس الوزراء منذ عدة أشهر، وللأسف الشديد لم تلتزم الحكومة بتنفيذه، مطالبا الحكومة بصفة عامة، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير المالية بصفة خاصة، بمتابعة تنفيذ هذه القرارات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر.
يشار إلى أن الدين الخارجي لمصر تراجع خلال أول 3 أشهر من العام المالي الجاري (2023- 2023)، للربع الثاني على التوالي. وبحسب بيانات للمركزي المصري، انخفض الدين الخارجي لمصر إلى 164.52 مليار دولار خلال المدة من يوليو حتى نهاية سبتمبر 2023، مقابل 164.72 مليار دولار في الربع الأخير من العام المالي الماضي.