
في أعقاب التصعيد العسكري الحاد بين إسرائيل وإيران، والذي شمل ضربات جوية متبادلة استهدفت مواقع نووية وعسكرية، تتخذ الحكومة خطوات استباقية مكثفة لتأمين استقرار السوق المحلي وضمان توافر السلع الأساسية والطاقة، في وقت يسود فيه القلق بشأن اضطراب سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
صباح الجمعة، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الدولة تتابع عن كثب تطورات الأوضاع في المنطقة، مؤكداً أن الحكومة شرعت بالفعل في تنفيذ خطة شاملة لتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية. وجاء هذا التحرك بالتنسيق المباشر بين محافظ البنك المركزي حسن عبد الله ووزير المالية أحمد كجوك، في مسعى يهدف إلى الحد من تداعيات الجيوسياسية على الاقتصاد المصري.
وأشار مدبولي إلى اجتماع مرتقب مع وزيري البترول والكهرباء لمناقشة السيناريوهات المحتملة على ضوء الأزمة الإسرائيلية الإيرانية، وقياس مدى تأثيرها على قطاعي الطاقة والإمدادات، مشدداً على أهمية الجاهزية الكاملة للتعامل مع أي طارئ في الأسواق المحلية والعالمية.
وتأتي هذه التحركات في سياق خطة أوسع تبنتها الحكومة منذ منتصف 2024، وتهدف إلى رفع كفاءة إدارة المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، بحيث تغطي فترة تسعة أشهر بدلاً من ستة، وهو ما تم العمل عليه فعلياً مستفيدين من انخفاض نسبي في أسعار بعض السلع عالميًا، وتحسن ملحوظ في توفر العملة الأجنبية.
ووفقاً لما نشرته “بلومبرغ”، فقد ارتفعت واردات القمح المصرية خلال النصف الأول من عام 2024 بنسبة 28.3%، لتصل إلى 6.8 مليون طن، مقارنة بـ5.3 مليون طن خلال الفترة ذاتها من عام 2023، ما يعكس تسارع وتيرة تحركات الحكومة في هذا الملف الحساس.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن الاحتياطي الاستراتيجي من القمح يكفي لأكثر من ستة أشهر، بينما يكفي السكر واللحوم والدواجن لفترة تصل إلى 12 شهرًا، في حين يغطي احتياطي الزيوت النباتية 4 أشهر. وشدد الوزير على أن الحكومة تستهدف تجاوز هذه الحدود الآمنة تحسبًا لأي تصعيد طويل الأمد في الإقليم.
من جانبه، أعلن المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، أن رئيس الوزراء شكّل لجنة أزمات برئاسته لمتابعة تداعيات العملية العسكرية بين إسرائيل وإيران، وقياس مدى تأثيرها على الاقتصاد المصري، موضحًا أن اللجنة تعمل على مدار الساعة لضمان الاستقرار التمويني والاقتصادي في البلاد.
وفي مداخلة تلفزيونية، أكد الحمصاني أن “لا توجد قطاعات تضررت بشكل مباشر حتى الآن من التصعيد الجاري”، مضيفاً أن الدولة المصرية لديها احتياطي كافٍ من جميع السلع الاستراتيجية، مما يخفف من وطأة أي اضطرابات محتملة في سلاسل التوريد العالمية.
وفي بيان طمأنة للمواطنين، قال وزير التموين شريف فاروق إن الوزارة اتخذت سلسلة من الإجراءات الاستباقية بالتنسيق مع الجهات المعنية، لضمان استمرار تدفق السلع إلى الأسواق، وتأمين الكميات المطلوبة بأسعار مناسبة، مع تشديد الرقابة الميدانية لمنع الممارسات الاحتكارية أو أي تلاعب بالأسعار.
وأوضح الوزير أن هناك تنسيقًا دائمًا مع الشركة القابضة للصناعات الغذائية والمجمعات الاستهلاكية ومنافذ “جمعيتي” وبقالي التموين لضمان ضخ السلع الأساسية يوميًا، والحفاظ على جودة المنتجات المعروضة، فضلًا عن الحفاظ على توازن السوق.
في قطاع الطاقة، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية تفعيل خطة الطوارئ الخاصة بأولويات إمداد الغاز الطبيعي، وذلك تزامنًا مع توقف مؤقت لإمدادات الغاز القادمة من حقل ليفياثان الإسرائيلي. وشملت الإجراءات إيقافًا محدودًا لإمدادات الغاز لبعض الأنشطة الصناعية، مع الاستمرار في تغذية القطاعات الحيوية.
أما وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، فقد أكدت من جانبها استقرار الشبكة الكهربائية واستمرار الإمداد بشكل طبيعي، مشيرة إلى حالة من الجاهزية القصوى في مراجعة احتياطيات الوقود اللازمة لتشغيل وحدات الإنتاج، وذلك بهدف ضمان استمرارية إمداد الكهرباء دون انقطاع.
وفي تصريحات صحفية، أشار متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، إلى أن الدولة المصرية تتحرك بخطى ثابتة لتعزيز أمنها الغذائي في وجه التحديات الإقليمية، موضحًا أن الاحتياطي من السلع الأساسية يكفي لتغطية احتياجات المواطنين لأكثر من ستة أشهر، بفضل التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص.
وأضاف بشاي أن الحكومة تواصل طرح السلع عبر مبادرات مثل “سوق اليوم الواحد” و”كلنا واحد”، وهي برامج تستهدف تقليل الأعباء على المواطنين وضبط حركة السوق، مؤكداً أن السلع غير الغذائية كالأجهزة المنزلية والملابس والأدوات الصحية متوفرة بكثرة لدى التجار والموردين.
وأشار بشاي إلى أن آثار الحرب الإسرائيلية الإيرانية قد لا تظهر بشكل فوري، لكنها ستؤثر على المدى المتوسط إذا استمر الصراع، لافتًا إلى أن الحكومة تتابع باستمرار حركة السوق المحلية وتعمل على تحفيز الموردين لزيادة المخزونات بشكل دوري.
من جانبه، أكد أحمد زكي، أمين عام شعبة المصدرين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن الأزمات السياسية الكبرى، لا سيما في صورة نزاع مسلح، تنعكس مباشرة على الاقتصاد العالمي، موضحًا أن المواجهات الأخيرة بين إيران وإسرائيل أثرت بشكل سريع على أسعار النفط وحركة التجارة في منطقة الشرق الأوسط، وامتد أثرها إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وأوضح زكي أن مصر، رغم تأثرها الطبيعي بتقلبات أسعار الطاقة، إلا أن لديها قدرة أعلى على التكيّف بفضل تنوع مصادر الطاقة التي تعتمد عليها، على عكس أوروبا التي تواجه أزمة حادة بسبب اعتمادها الكبير على مصادر تقليدية.
ودعا زكي إلى زيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة لضمان استمرار النشاط الصناعي دون تأثر بالأزمات الخارجية، مشيرًا إلى أن مصر ستحظى خلال الفترة المقبلة بفرصة ذهبية لتصدير منتجاتها إلى أوروبا، في ظل قدرتها التنافسية العالية وقربها الجغرافي من القارة العجوز.