سلايدرمصر

“نار الأسعار” تأكل أموال المواطنين.. وألسنة الانتقادات تحاصر الحكومة

أعادت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، حول أزمة ارتفاع الأسعار، التي نشرتها صفحة الرئاسة الرسمية على “فيسبوك”، اليوم (السبت) إلى الأذهانِ نصيحةً كان قد قدّمها قبل سنواتٍ إلى المواطنين، علّها تُسهم في إخماد الأزمة المستمرة منذ سنوات.

كانت النصيحة تقول “إذا أردتم السيطرة على الأسعار، فلا تشتروا الشيء الذي يغلو” معللا رؤيته بأنّ التجار سيُضطرون إلى خفض أسعار السلع، حين يقل الشراء ويُعرض الناس عن بضائعهم. غيرَ أن النصيحة التي أسداها الرئيس إلى الشعب في نهاية مارس من عام 2019، خلال احتفاليةٍ لتكريم المرأة المصرية، على ما يبدو أنها لم تكن فعّالة بالقدر الكافي لاحتواء موجة غلاءٍ ضخمة طالت كلَّ شيءٍ تقريبًا، في ظل ضعف الرقابة التي أقرّ الرئيس بأنها “أمر ليس سهلا” في دولة تجاوز عدد سكانها مئة مليون نسمة، فضلا عن انشغالها بإجراءات أخرى، على رأسها محاربة الإرهاب لتحقيق الأمن والاستقرار.

إجراءات تخفف من آثار الأزمة

وأكد الرئيس أن ارتفاع أسعار السلع أمر محل تقدير من الدولة، وأن الحكومة تعمل على مجموعة إجراءات تخفف من خلالها من آثار هذه الأزمة، مشددًا على إصراره على وضع حلول نهائية للأزمة الاقتصادية، عن طريق خطة طموحة جدًا للاقتصاد والصناعة ومستلزمات الإنتاج وتقليل فاتورة الاستيراد.

وقال الرئيس إن الأزمة الاقتصادية التي يرزح المواطنون تحت وطأتها، لم تكن بيد الدولة، بل هي نتاج ما حدث في العالم من ظروف كجائحة كورونا التي أثرت بالسلب في اقتصاد العالم كله، فضلا عن الأزمة الروسية الأوكرانية وما تبعها من تأثير في الأسعار، لكنه تعهد بعبور البلاد من تلك الأزمة، مثلما عبرت من أزمات كبيرة أخرى بالجهد والمثابرة.

وكانت وزارة التموين، أعلنت في نوفمبر من العام الماضي، تدشين بورصة لتداول السلع، يرأس مجلس إدارتها، الدكتور إبراهيم عشماوي، الذي قال إنها سوف تتيح للجميع معرفة الأسعار الحقيقية للسلع المطروحة، إضافة إلى أن طلبات الشراء والبيع ستكون عبر منصة إلكترونية يراها الجميع، وهو ما يحقق الشفافية المطلوبة في السوق المصرية.

وقبل أيام قليلة قال عشماوي، وهو أيضا مساعد أول وزير التموين، إن طرح سلعة السكر وغيرها من السلع الاستراتيجية بالبورصة السلعية يؤدي إلى ضبط أسواق هذه السلع، وكذلك استقرار أسعارها من خلال إنشاء علاقة تداول مباشرة بين كلٍ من المنتجين للسلع والمصنعين وجميع عناصر سلاسل الإمداد.

النواب ينتقدون أداء الحكومة

في البرلمان، كانت الأزمة حاضرة بقوة. حيث انتقد غيرُ نائبٍ أداءَ الحكومة في إدارة تلك الأزمة، فقد وصف النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أداء الحكومة بالمتردي والفاشل، معتبرًا أن سوء الإدارة يقف وراء الكثير من الأزمات التي يعانيها الشعب؛ وعلى رأسها الارتفاع الحاد في الأسعار والأزمة الاقتصادية.

وأشار منصور إلى أن المشكلة التي تعانيها مصر “مشكلة إدارة وحكومة مصابة بالفقر الفكري في الاقتصاد وتفقد فقه الأولويات وترتيبها”، مؤكدًا أن الحكومة ليست لديها حسابات دقيقة، لما تتخذه من قرارات. وعزا أسباب ارتفاع الأسعار إلى “احتجاز البضائع في المواني بسبب عدم وفرة العملة الصعبة؛ ما تسبب في رفع رسوم الأرضيات إلى ضعفَين وثلاثة أضعاف؛ ومن ثمَّ تحمّل التجار مصاريف ورسومًا زائدة، حُمِّلت على المواطن، فتضخمت الأسعار بصورة جنونية.

من جهته، طالب النائب ابراهيم نظير عضو لجنة الخطة والموازنة، رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بضرورة حضور أولى جلسات دور الانعقاد الرابع بمجلس النواب، لتوضيح موقف الحكومة من “غلاء الأسعار الذى طحن عظام الشعب” على حد تعبيره. كما طالب رئيس الوزراء بضرورة إيجاد الحلول السريعة، ووضع الخطط التنفيذية المطلوبة لإحكام السيطرة على كل هذه المشكلات، ومواجهة محتكري السلع “المعروفين بالاسم لدى أجهزة الدولة التنفيذية”.

واستنكر النائب عادل عامر، عضو لجنة الزراعة والري ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة إلى مستويات “لم تحدث على مدار السنوات الماضية” مطالبا بتقديم حصر شامل لكل المحاصيل الزراعية على مستوى البلاد وكمية الإنتاج وتكلفة الإنتاج ووضع هامش ربح مناسب من خلال تسعير عادل يضمن تحقيق هامش ربح للفلاح والتاجر، وفى الوقت نفسه عدم المغالاة في التسعير، خاصة أن هذا الارتفاع بشكل غير مسبوق.

من جهتها، قالت النائبة سناء السعيد؛ عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إن هناك “ارتفاعا جنونيا في الأسعار بصفة يومية ودائمة ومستمرة”، مشيرة إلى ما يمثله ذلك من مشكلة كبيرة لأصحاب الدخل المحدود، الذين “أصبحوا نسبة لا يستهان بها من المواطنين”.

ولفتت النائبة إلى ما أسفر عنه ذلك من “تآكل كامل للطبقة المتوسطة التي بات دخل أفرادها لا يكفي أبسط احتياجاتها من مأكل ومشرب وعلاج وسكن، فضلًا عن العمالة غير المنتظمة التي تضاعفت معاناتها وبلغت مرحلة غير مسبوقة” سائلةً الحكومة “هل سنترك التحكم الكامل في الأسعار بالأسواق دون رقيب أو ضابط؟ وأين دور الدولة في الاهتمام بالمواطن؟”.

وإذ حذر النائب محمود قاسم من ظاهرة الارتفاع فى معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، تساءل: “هل لدى الحكومة سياسات جديدة لمواجهة الارتفاعات المستمرة فى الاسعار؟ وأين دورها في الرقابة على الأسواق والأسعار؟”. وطالب الحكومة بالإسراع فى اتخاذ المزيد من السياسات المالية لمواجهة الأزمة.

صدى قوي للأزمة في الإعلام

إلى ذلك، لم تخلُ البرامج الرئيسية في مختلف القنوات، من الإشارة إلى صعوبة الأزمة وضرورة إيجاد حلٍ يخفف من وطأتها عن المواطنين. الإعلامي والنائب مصطفى بكري، قال إن الأسعار “أصبحت غولا يأكل الأخضر واليابس”، مهاجمًا “تجارًا دون ضمائر، تحولوا إلى أباطرة وتحالفًا يستهلك المواطن”.

وأضاف بكري أن “هناك حالة من الفوضى تشهدها الأسواق المصرية، وارتفاعا لأسعار كل السلع، بسبب غياب الرقابة”، متسائلا عما إذا كان هناك وجود فعلي لجهاز حماية المستهلك على أرض الواقع، ليحمي الناس التي تئن من ارتفاع الأسعار”. كما أشار إلى أن راتب المواطن لا يمكن أن يكفي الزيادات المستمرة في كل السلع.

وتطرق الإعلامي أحمد موسى إلى الأزمة، التي أسفرت عن حالة من “الزعل المقبول” على حد وصفه، لافتا إلى أنه لا أحد في البلاد “لا يشكو”، خاصة أن “كل شيء زاد (سعره)”.

واستغرب موسى “ارتفاع الأسعار في مصر” على الرغم من تراجعها في أنحاء العالم، معتبرا أن ما يحدث في الأسعار بمصر “أمر غريب وغير طبيعي”. ولكنه طالب المواطنين بتحمل الأوضاع لأن “هذه بلدنا ويجب أن ندعمها ونتحمل”، نظرا إلى أن ما يعانيه العالم حاليا أخطر كثيرا من الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008. وكانت الأزمة المالية العالمية بدأت في الولايات المتحدة في سبتمبر من عام 2008 عندما انهارت مجموعة من المؤسسات المالية الأمريكية في أسبوع واحد ومن ثم انتقلت الأزمة إلى العديد من أنحاء العالم.

وسبق أن قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، إن “الاقتصاد المصري تعرض لضغوط كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، منها أزمة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية”، مؤكدا أن الاقتصاد المصري “يتعرض لشائعات يروجها متربصون بمصر، في محاولة بائسة منهم لزعزعة استقراره وتماسكه”.

لكنّ الإعلامي إبراهيم عيسى، قال إن الأسعار “في زيادة مستمرة، منذ عام 2016، وليس كما تدافع الحكومة عن نفسها بأن الأسعار زادت في الفترة الأخيرة، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية”.

وقال إنه “منذ أول رفع للدعم في عام 2016 تغيرت أسعار الخدمات، ولكن ما يحدث الآن أن معدل الزيادة كبير ومتسارع (…) أسعار البنزين والكهرباء والغاز والمواد الغذائية والاستهلاكية والأجهزة الكهربائية كانت تزيد، ولكن بنسب يمكن تحملها، أما الآن فنحن أمام نسب أعلى وأسعار مرتفعة للغاية”.

هل تضبط سلوكيات المواطن؟

بدوره، تساءل الإعلامي عمرو أديب، عن سبب عدم اهتمام الحكومة بشرح أسباب ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستراتيجية في السوق، قائلا إنّ “الحكومة نمّلت” في إشارة إلى أنها لم تعد في مستوى اليقظة الذي يسمح لها بأداء دورها. وقال أديب إن أسعار السلع الغذائية والاستراتيجية ترتفع أسبوعا تلو الآخر، منتقدًا من يطالبونه بعدم الحديث عن الأزمة لكونه غنيًا: “ليس معنى أنني لست فقيرا، ألا أتكلم عن غلاء الأسعار، فجميعنا يشتري ويلاحظ الغلاء”.

أما الإعلامي يوسف الحسيني، فقد نظر إلى نصف الكوب الممتلئ، فمع أنه أقر بأن “الأسعار في الأسواق أصبحت مرتفعة للغاية، وأكبر من تصورات المواطنين” أشاد بتأثير ذلك في السلوك الاستهلاكي والإنفاقي للمواطنين، موضحا أن التعامل مع الأزمة، ساعد المصريين في العمل على التوفير في الاستهلاك والإنفاق.

وأضاف أنه لا يتحدث فقط عن الطعام والشراب بل عن الأجهزة الكهربائية وغيرها، قائلا إن أزمة ارتفاع الأسعار ستنتهي، ولكن حينما تنتهي “هل سيحافظ المواطن على السلوك الجديد أو سيعود إلى سابق عهده؟”.

وتعاني مصر المعتمدة بشكل كبير على الاستيراد من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات نتيجة زيادة سعر الدولار وصعوبة توفيره، وقد ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 36.5 % في يوليو من 35.7% في يونيو، وفقا لأحدث بيانات نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وسجل معدل التضخم الشهري في المدن في يوليو 1.9 %. وأظهر المؤشر زيادة وتيرة ارتفاع أسعار الطعام والمشروبات ب68.4% على أساس سنوي و2% على أساس شهري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *