صدقت آراء خبراء الاقتصاد، الذين ربطوا بين تأجيل مناقشة صندوق النقد الدولي للمراجعة الثالثة لبرنامج قرض مصر، وبين تأجيل الحكومة قرار زيادة أسعار المحروقات.
وقدّر صندوق النقد في أبريل الماضي أن دعم الوقود في مصر يتعين أن ينخفض من 331 مليار جنيه مصري (6.8 مليار دولار) في العام المالي 2023-2024 إلى 245 مليار جنيه (5.1 مليار دولار) في 2024-2025.
وكان صندوق النقد مُصرَّا على موقفه من هذا الأمر، ولم يتراجع أمام محاولات الحكومة إقناعه أن الظروف الاقتصادية لا تسمح بقرار كهذا في توقيتٍ كهذا، خصوصًا أنها ستكون الزيادة الثانية منذ مارس الماضي.
وأجّل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إقرار المراجعة الثالثة لتسليم مصر 820 مليون دولار والذي كان مقررًا في 10 يوليو الجاري إلى 29 من الشهر نفسه.
وقد فسر الخبير الاقتصادي مدحت نافع، هذا التأجيل بالقول “كوْن الصندوق ضرب موعدا بديلا في فترة قصيرة، ولم يؤجل الأمر إلى أجل غير مسمى، ربما يشير إلى أنه (الصندوق) حصل على وعد من الطرف المصري بأن هذه النقطة العالقة سيتم العمل عليها سريعا قبل موعد الاجتماع القادم. وأضاف في تصريحات تلفزيونية “أتصور أن الأمر مرتبط بأسعار المحروقات، فربما يكون هناك مراجعة في هذا الشأن”.
قرار ليس مفاجئًا
القرار نفسه ليس مفاجئًا، سواءٌ أكان مرتبطا بشروط صندوق النقد أم لا، فقد مهّد له رئيس الوزراء قبل شهرين، عندما اتخذت الحكومة قرارا برفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشا؛ وهو القرار الذي تجنبته الحكومات السابقة على مدى أكثر من 30 عاما.
وقتذاك قال رئيس الوزراء، خلال جولة كان يتفقد فيها عددا من المشروعات الزراعية والصناعية والتكنولوجية بمحافظتي البحيرة والإسكندرية، إن الحكومة قررت البدء في زيادة حوكمة منظومة الدعم بهدف تقليل الأعباء المالية التي تتحملها الدولة وضمان وصول الدعم لمستحقيه.
وقال مدبولي إن فاتورة الدعم للعام المقبل ارتفعت إلى 636 مليار جنيه بزيادة 20 بالمئة عن العام الحالي، ما دفع الدولة إلى التفكير في ثلاثة ملفات حيوية هي الخبز والكهرباء والمواد البترولية، وهي ملفات ستنعكس بقوة على فاتورة تكاليف المعيشة الخاصة بالمواطنين.
بلغ حجم استهلاك مصر من المواد البترولية 55 مليار دولار خلال العام الماضي، وقد وضعت الدولة خطة متدرجة لإحداث توازن في أسعار المنتجات البترولية بنهاية عام 2025، مع بقاء السولار مدعمًا حتى بعد 2025، وفقا لمدبولي الذي شدد على ضرورة العودة مجددا “إلى ما كنا عليه في 2021، وهو الوصول إلى أن كل المنتجات البترولية قادرة على تغطية نفسها”.
وتحاول وزارة المالية إيجاد حل، لكن الدعم المطلوب كبير، إذ إن قطاع البترول يستورد نحو ما يوازي 170 مليون برميل بالزيادة والنقصان، بحسب وزير المالية السابق محمد معيط، الذي أوضح أن ثمة تغيرات دولية طارئة، أحدها غلاء سعر برميل البترول الذي بات يتحرك بين 83-93 دولارًا، فضلا عن تغير سعر الصرف.
من جهته، أكد المتحدث باسم مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني، أن الدولة وضعت خطة لرفع الدعم عن الوقود والمواد البترولية تدريجيًّا على مدى سنة ونصف، أي بنهاية 2025، لافتًا إلى أن السولار سيكون خارج خطة إلغاء الدعم النهائي.
في المقابل، أكد رئيس الوزراء أن الدولة لن تتأخر عن تقديم حزم حماية اجتماعية جديدة للمواطنين، للتخفيف من تبعات تلك الإجراءات عليهم، مشددا على أن الدولة لا تستهدف تقليل الدعم وإنما تسعى إلى وصوله إلى نحو 90 بالمئة على الأقل من مستحقيه، خاصة وسط التجاوزات التي تمت ممارستها في منظومة الدعم على مدار عقود.
الزيادة الحادية عشرة
تراجع الحكومة أسعار الوقود بشكل دوري كل 3 أشهر، منذ بدأت تطبيق آلية تسعير تلقائي على عدد من المنتجات البترولية، في عام 2019.
واعتبارا من اليوم، الخميس، قررت هذه اللجنة تحريك سعر البنزين بأنواعه والسولار، إذ رفعت سعر لتر بنزين 80 من 11 جنيها إلى 12.25 جنيه، بزيادة 1.25 جنيه. كما تقرر رفع سعر لتر بنزين 92 من 12.5 جنيه إلى 13.75 جنيه، بزيادة 1.25 جنيه.
وتقرر رفع سعر لتر بنزين 95 من 13.5 جنيه إلى 15 جنيهاً، بزيادة 1.5 جنيه. وأيضا تقرر زيادة سعر لتر السولار من 10 جنيهات إلى 11.5 جنيه، بزيادة 1.5 جنيه. كما تقرر رفع سعر لتر الكيروسين من 10 جنيها إلى 11.5 جنيهات، بزيادة 1.5 جنيه.
وهذه هي الزيادة الثانية خلال العام الحالي، لكنها الزيادة الحادية عشرة على مدار 10 سنوات، فقد كانت الأولى في يونيو 2014 حينما تقرر رفع أسعار جميع الأنواع بنسبة 50%.
وتتوقع الحكومة أن تؤدي هذه الزيادة إلى توفير 36 مليار جنيه (745 مليون دولار) في ميزانية الدولة خلال العام المالي 2024-2025، وفق مسؤول حكومي تحدث لمنصة “الشرق”.
الصندوق لا يرحم
كانت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك، صرّحت خلال الشهر الجاري، بأن المجلس أرجأ النظر في صرف الشريحة الثالثة من قرض مصر لوضع اللمسات النهائية على بعض التفاصيل المتعلقة بالسياسات، مضيفة أن مثل هذه التأجيلات ليست بالأمر غير المعتاد خلال الظروف الصعبة.
وأضافت في إفادة صحفية دورية، أن مصر تواصل العمل وسط ظروف إقليمية صعبة ناجمة عن حرب إسرائيل على قطاع غزة وتصاعد هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر، مما أدى إلى تراجع إيرادات قناة السويس بأكثر من النصف مقارنة بالعام الماضي.
لكنها أكدت في المقابل، أنه وسط المخاطر والتحديات الهيكلية، يتعين على مصر أن “تواصل اتباع السياسات الاقتصادية التي من شأنها أن تخدم الشعب المصري على أفضل وجه في نهاية المطاف. ويمكنني القول إن فريقنا، بطبيعة الحال، يعمل مع السلطات المصرية عن كثب”.
وعلى الرغم من أن الصندوق أعلن مرارا أن من “محاربة التضخم” أحد أهدافه الرئيسية في مصر، فمن شأن زيادة أسعار فئات المحروقات أن تغذي التضخم في مصر الذي تباطأ الشهر الماضي للمرة الرابعة على التوالي، ووصل إلى 27.5% خلال يونيو على أساس سنوي وفق بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وحول التضارب بين ما يقوله الصندوق وما يفعله، يقول الخبير الاقتصادي مدحت نافع “هذه أهمية المفاوض المصري، الذي يستطيع أن يناقش هذه التوازنات مع الصندوق، ونؤمل على المجموعة الاقتصادية الجديدة في هذا الأمر، ومن هنا أجدد اقتراحي بأن يكون لدينا لجنة غير حكومية تتابع هذا الملف مع الصندوق، والتي من شأنها أن تُعفي الحكومة من الحرج، وأن تقنع الصندوق”.