عالم

غزة.. جوع يفتك وقصف لا يتوقف وسط «صمت دولي» يدمي القلوب

تتكشف فصول مأساة إنسانية عميقة في قطاع غزة، حيث تحول الحصار المستمر والهجمات المتواصلة إلى كابوس يطارد السكان، إنها قصة معاناة يومية تتجاوز الأرقام، لتلامس جوهر الإنسانية وتكشف عن واقع يفيض بالألم والخسارة، حيث تتوالى التقارير المروعة من القطاع، كاشفة عن تفاقم الكارثة مع استمرار هجمات الاحتلال الإسرائيلي والحصار الخانق، الذي أدى إلى وفاة الكثيرين جوعًا، بينهم أطفال رضع، وارتفع عدد القتلى جراء القصف، بالتزامن مع تصاعد الأصوات الدولية المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات العاجلة، محذرة من “جريمة التجويع” التي يتعرض لها سكان القطاع.

الموت يخيم على غزة من القصف إلى التجويع:

في غزة، أصبحت الحياة محفوفة بالموت، كل يوم يحمل في طياته أنباء جديدة عن أرواح تُزهق تحت القصف العنيف الذي لا يميز بين هدف عسكري ومدني، تاركًا وراءه دمارًا هائلاً ووجعًا لا يُحصى، وتتحدث التقارير عن أعداد كبيرة من الضحايا يتساقطون يوميًا، لتضاف كل روح جديدة إلى قائمة طويلة من الشهداء، في حرب لا تعرف الرحمة.

لكن المأساة لا تتوقف عند حدود القصف، فبين جدران المنازل المدمرة ومخيمات النزوح المكتظة، ينمو شبح آخر أكثر فتكًا، “الجوع”، فلقد تحول التجويع إلى سلاح صامت يفتك بالسكان، خصوصًا الفئات الأكثر ضعفًا كالأطفال، الذين تتلاشى حياتهم قبل أن تبدأ، ويُشير الواقع الأليم إلى أن عددًا كبيرًا من الناس، بمن فيهم الصغار جدًا، قد لقوا حتفهم بسبب نقص الغذاء، مع تزايد هذه الحالات بشكل مقلق في الآونة الأخيرة.

هذا الواقع المروع ينبع من تحكم الاحتلال الإسرائيلي الشامل في كافة المعابر وإمدادات المساعدات، مما خلق نقصًا كارثيًا في أبسط مقومات الحياة، فلقد أُجبر السكان، الذين نزح معظمهم مرارًا وتكرارًا، على مواجهة ظروف لا تُطاق، يدفعهم فيها الحصار الخانق نحو هاوية المجاعة.

إدانات دولية تتصاعد، لكن الأفعال غائبة:

تُقابل هذه الفظائع إدانات واسعة النطاق من مختلف الأطراف الدولية، فالمنظمات والهيئات العالمية، وصولاً إلى كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، والدول الأقليمية، يُعربون عن قلقهم البالغ ويصفون مقتل المدنيين بأنه “أمر لا يمكن الدفاع عنه”. فلقد أكدت “كايا كالاس”، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، لوزير خارجية الكيان الإسرائيلي ضرورة توقف جيش الاحتلال عن قتل سكان غزة في نقاط توزيع المساعدات، ملوحة بأن “جميع الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة إذا لم تفِ إسرائيل بتعهداتها”.

وتتصاعد التحذيرات من أن الصمت في وجه هذه المعاناة يُعد “خيانة للضمير”، وأن “شرايين الحياة” لسكان القطاع تنهار، فوصف البطريرك “ثيوفيلوس الثالث”، بطريرك القدس للروم الأرثوذكس، غزة بأنها “أرض كُسرت من جراء المعاناة الطويلة وثقبتها صرخات أهلها”، مؤكدًا أن “الصمت في وجه المعاناة هو خيانة للضمير”.

وأدانت الأمم المتحدة بشدة استهداف المدنيين وإطلاق النار عليهم أثناء محاولاتهم اليائسة للحصول على الطعام، وأكدت على ضرورة التزام الاحتلال بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية وتسهيلها.

“ستيفان دوجاريك”، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو جوتيريش”، أعرب عن أسفه للتقارير المتزايدة التي تشير إلى معاناة الأطفال والبالغين من سوء التغذية، مؤكداً أن المدنيين “يجب ألا يُستهدفوا أبدًا” وأن على إسرائيل “التزام بالسماح بوصول الإغاثة الإنسانية”.

وحتى وكالات الإغاثة، التي تُقدم دعمًا حيويًا، تُعاني هي الأخرى من ظروف قاسية، حيث يواصل العاملون فيها عملهم رغم ما يواجهونه من جوع وإرهاق.

“الأونروا”، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ذكرت في منشوراتها أن “مشاهد الرعب القادمة من غزة تُبث أمام العالم”، مشددة على أنه “لا أحد يستطيع الادعاء بأنه لم يكن يعلم”.

لكن ورغم كل هذه الإدانات، تبقى الإجراءات الفعالة غائبة، فالمشاهد المرعبة التي تُبث للعالم من غزة، والتي تؤكد أنه “لا مكان آمن” وأن “لا أحد يستطيع الادعاء بأنه لم يكن يعلم”، لم تُفلح بعد في ترجمة الأقوال إلى أفعال تُنهي هذا الكابوس المستمر.

نداءات فلسطينية عاجلة: أوقفوا “جريمة التجويع”..

من قلب المعاناة، تتصاعد النداءات الفلسطينية العاجلة، فقد أطلق رئيس دولة فلسطين، “محمود عباس”، حملة اتصالات دولية واسعة، مُطالبًا بـ “التدخل الفوري لوقف جريمة التجويع” وإدخال المساعدات بشكل عاجل، مُحذرًا من أن استمرار التجويع المتعمد يُعد “جريمة حرب” تُهدد بتقويض أي أمل في حل الدولتين.

أيضا المركز الإعلامي في غزة جدد بدوره نداءاته للمجتمع الدولي بضرورة فتح المعابر فورًا وإدخال المساعدات، مُؤكدًا أن الوضع الإنساني كارثي ولا يحتمل أي تأخير إضافي.

وفي خضم هذه المأساة، تبرز جمهورية مصر العربية كشريان حياة أساسي لقطاع غزة، وتلعب دورًا محوريًا في التخفيف من معاناة سكانه، فعلى الرغم من التعقيدات والتحديات، تواصل مصر جهودها الدبلوماسية والإغاثية لتقديم يد العون للشعب الفلسطيني المحاصر، فالدولة المصرية تُبذل مساعي حثيثة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإدخال المساعدات بشكل دائم ومستدام، وتُؤكد على رفضها القاطع لسيناريوهات التهجير القسري لسكان غزة، وتُشدد على أن الأمن القومي المصري خط أحمر لا يمكن المساس به، وإن الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية هو عقيدة راسخة، تتجلى في كل تحركاتها الرامية لإنهاء هذه الأزمة وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

في ظل هذه الصرخات المتواصلة، يبقى السؤال معلقًا: متى ستتحرك الإرادة الدولية بجدية لإنقاذ غزة من هذه الكارثة، ومتى سيتوقف هذا النزيف البشري الذي يدمي قلوب كل من يرى ويسمع؟

اقرأ أيضا: حصيلة ضحايا غزة ومأساة «شهداء المساعدات» تتفاقم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *