ملفات وحوارات

«علي عوف» فى حوار مع «البورصجية»: 185 مليار جنيه مبيعات الأدوية خلال 9 أشهر

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية وتذبذب الأسواق، يبرز قطاع الدواء المصري كأحد أكثر القطاعات قدرة على الصمود والحفاظ على توازنه، مستندًا إلى سياسات داعمة من الدولة وجهود مكثفة من هيئة الدواء المصرية وشعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية.

ورغم ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار المواد الخام المستوردة، استطاع السوق المصري تجنّب أية أزمات في توفير الأدوية الحيوية والمزمنة، ما يعكس متانة الصناعة الوطنية وكفاءة إدارتها.

في هذا الحوار، يتحدث الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، عن واقع سوق الدواء خلال عام 2025، وأبرز التحديات التي يواجهها القطاع، إلى جانب رؤيته لمستقبل صناعة الدواء في مصر خلال المرحلة المقبلة.

** كيف تقيّمون أداء سوق الدواء المصري خلال عام 2025؟

سوق الدواء المصري نجح في الحفاظ على استقراره رغم التحديات الاقتصادية، إذ سجلت مبيعات الأدوية المحلية نحو 185 مليار جنيه حتى نهاية سبتمبر 2025، بزيادة بلغت 18% عن العام الماضي.

جاءت هذه الزيادة نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج والخامات المستوردة، لا بسبب زيادة الاستهلاك، ومع ذلك حافظ السوق على توافر الأدوية الحيوية والمزمنة دون أي نقص؛ ما يؤكد قوة الصناعة الوطنية وقدرتها على الاستمرار والإنتاج بثبات.

** ما العوامل التي ساعدت على استقرار سوق الدواء المصري؟

التنسيق المستمر بين هيئة الدواء المصرية وشعبة الأدوية كان له دور مباشر في ضبط السوق وتحقيق الاستقرار، فقد وضعت الهيئة آلية تسعير متوازنة تراعي مصلحة المريض من جهة، والمصنع من جهة أخرى، وأجرت مراجعة شاملة لأسعار أكثر من 1200 صنف دوائي تأثر بتغيرات سعر الصرف، ووافقت فقط على زيادات محدودة تراوحت بين 7 و10%، بينما رفضت زيادات غير مبررة لحوالي 600 صنف. هذه السياسة عززت الثقة داخل السوق وحمت المستهلك من موجة تضخم في أسعار الأدوية.

** كيف يسهم قطاع الدواء في دعم الاقتصاد الوطني؟

قطاع الأدوية يُعد من الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، إذ يمثل نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر ما يزيد على 300 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، حيث إن لدينا أكثر من 165 مصنعًا مرخصًا وأكثر من 1500 شركة توزيع تغطي جميع المحافظات، كما يُصنع محليًا حوالي 60% من احتياجات السوق، ما يعكس قوة الصناعة الوطنية وقدرتها على تحقيق نمو مستدام.

** ما حجم الاستثمارات في قطاع الدواء خلال عام 2025 وما التوقعات لعام 2026؟

بلغت الاستثمارات في قطاع الدواء عام 2025 نحو 300 مليار جنيه، تشمل توسعات في خطوط الإنتاج وتطوير المصانع القائمة وإنشاء مشروعات جديدة لإنتاج المواد الخام والمستحضرات الحيوية.

ومن المتوقع أن ترتفع هذه الاستثمارات إلى نحو 400 مليار جنيه في عام 2026؛ ما يعزز فرص النمو والتصدير ويضع مصر على خريطة التصنيع الدوائي العالمية.

** هل ما زالت المصانع تواجه صعوبات في توفير الخامات؟

نعم، هناك تحديات تتعلق بتقلبات أسعار العملات وصعوبة فتح الاعتمادات في فترات معينة، لكن بفضل التنسيق مع البنك المركزي ووزارة المالية تم تجاوز جزء كبير من تلك العقبات، كما بدأت بعض الشركات في توطين إنتاج المواد الخام كمرحلة أولى، وهي خطوة استراتيجية لتعزيز استقلال الصناعة الوطنية.

** كيف ترون مستقبل صادرات الدواء المصرية؟

لدينا طموح كبير في ملف التصدير، فقد ارتفعت الصادرات خلال عام 2025 بنسبة 12% لتصل إلى نحو 960 مليون دولار، رغم ارتفاع تكاليف الشحن العالمية.

وتركّز خطتنا الحالية على التوسع في الأسواق الإفريقية والعربية باعتبارها الامتداد الطبيعي للصناعة المصرية، مع فتح مكاتب تمثيل تجاري في كينيا ونيجيريا وتنزانيا، وتعزيز وجودنا في الأسواق السودانية والليبية والخليجية.

** ما أبرز الخطوات التي تتخذها الشعبة لزيادة الصادرات؟

نعمل بالتنسيق مع هيئة تنمية الصادرات وهيئة الدواء المصرية على تنفيذ خطة متكاملة تشمل تبسيط إجراءات التسجيل في الدول الإفريقية، وتخصيص خطوط شحن للأدوية عبر موانئ الإسكندرية والعين السخنة، كما نخطط لإنشاء مراكز لوجستية لتخزين وتوزيع الدواء داخل القارة، ما يسهم في تقليل تكلفة النقل وزمن التسليم ويعزز تنافسية المنتج المصري.

** هل يمكن أن تصبح مصر مركزًا إقليميًا لتصنيع وتصدير الدواء؟

بكل تأكيد، فمصر تمتلك كل المقومات: بنية تحتية متطورة، كوادر بشرية مؤهلة، ومصانع حديثة إلى جانب إرادة سياسية داعمة، ما نحتاجه فقط هو الاستمرار في دعم التصدير وفتح أسواق جديدة.

هدفنا الوصول بحجم الصادرات إلى 2 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، وهو هدف واقعي في ظل الزخم الحالي.

** كيف تعاملت هيئة الدواء مع طلبات رفع الأسعار؟

الهيئة اتبعت سياسة متوازنة، حيث وافقت فقط على زيادات محدودة تتراوح بين 7 و10% للأصناف التي ارتفعت تكاليف إنتاجها بشكل حاد، بينما رفضت مئات الطلبات الأخرى لغياب المبررات. هذا الموقف عزز الثقة بين الدولة والمجتمع الصيدلي وساهم في استقرار السوق.

** مصر حققت 91% من الاكتفاء الذاتي من الدواء.. ما دلالات هذا الإنجاز؟

هذا إنجاز حقيقي يعكس نجاح الدولة في توطين صناعة الدواء وتقليل الاعتماد على الاستيراد، أغلب الأدوية المتداولة في السوق أصبحت محلية الصنع، ونعمل حاليًا على سد النسبة المتبقية من خلال التوسع في إنتاج المستحضرات الاستراتيجية مثل: مشتقات الدم، الأنسولين، الهرمونات، وأدوية الأورام.

** كيف تقيّمون مبادرة سحب الأدوية منتهية الصلاحية؟

المبادرة خطوة قومية مهمة، لكنها تحتاج إلى إدارة عادلة؛ فالصيدليات ليست المسؤولة وحدها عن تراكم الأدوية المنتهية، بل يجب أن تتحمل الشركات المنتجة جزءًا من المسؤولية عبر سحب تلك الأدوية دون شروط، حماية لصحة المواطن ومنعًا لإعادة تدويرها بطرق غير شرعية.

** ما أبرز التحديات التي تعرقل تطبيق المنظومة الجديدة؟

أبرز العقبات تتمثل في نقص السيولة، فشركات الدواء تواجه التزامات ضخمة منها ديون بقيمة 12 مليار جنيه نتيجة إفلاس شركة توزيع كبرى، وديون على هيئة الشراء الموحد تبلغ 42 مليار جنيه تم الاتفاق على جدولتها، إضافة إلى فروق سعر صرف تتجاوز 20 مليار جنيه. لذلك نطالب بدراسة تمويلية قبل بدء التنفيذ.

** هل الصناعة جاهزة تكنولوجيًا لتطبيق المنظومة؟

ليست جاهزة بعد؛ فحوالي 40% من الصيدليات في القرى والمناطق الريفية لا تمتلك أجهزة كمبيوتر أو إنترنت ثابت، كما أن سرعة الشبكة لا تسمح بتطبيق نظام يعتمد كليًا على التقنية. لذا يجب تطوير البنية التكنولوجية قبل فرض أي التزامات مكلفة.

** ما آخر مستجدات أزمة نواقص الأدوية في السوق المصري؟

الوضع تحسن كثيرًا مقارنة بعام 2024، إذ انخفض عدد النواقص من نحو 3 آلاف صنف إلى 200 فقط، وهو معدل طبيعي عالميًا. بعض الأدوية المستوردة ما زالت تواجه أزمة بسبب التسعير الجبري الذي لا يغطي التكلفة الحقيقية، ما تسبب في ظهور سوق سوداء بأسعار مرتفعة جدًا.

** ما خطط مصر المستقبلية لتوسيع صادرات الدواء؟

مصر اليوم تحتل موقعًا متقدمًا في صناعة الدواء بالشرق الأوسط وأفريقيا. بدأنا منذ أكتوبر 2024 إنتاج أدوية الأورام داخل مدينة الدواء بالتعاون مع شركات عالمية، وسنبدأ إنتاج الأنسولين محليًا بنهاية العام، بما يضمن تغطية 100% من احتياجات السوق المحلي، كما نستعد لتصدير مشتقات الدم بحلول 2026، لنصبح ضمن أربع دول فقط في العالم تنتجها وفق معايير الجودة العالمية.

** إلى أي مدى يمكن للقطاع جذب استثمارات جديدة؟

القطاع بطبيعته جاذب، لكنه بحاجة إلى حوافز عملية، مثل تسريع تسجيل الأدوية، وحماية الصناعة من الإغراق، وتطوير التحول الرقمي في التسعير والمراقبة، لدينا استثمارات جديدة متوقعة تتجاوز 1.5 مليار دولار خلال العامين المقبلين في مشروعات توطين أدوية الأورام والأنسولين والهرمونات، ما يعكس ثقة المستثمرين في السوق المصري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *