ملفات وحوارات

«طارق الجيوشي» في حوار مع «البورصجية»: «أكتوبر الجديدة» تستعد لنهضة صناعية غير مسبوقة

في لحظة فارقة من تاريخ الاقتصاد المصري، حيث تتضافر الجهود لبناء “جمهورية جديدة” قوامها الإنتاج والتنمية، تأتي شهادة ورؤية الفاعلين الرئيسيين في قلب هذا الحراك لتكون بمثابة بوصلة للمستقبل. “جريدة البورصجية” تفتح حوارًا استراتيجيًا وعميقًا مع شخصية تجمع بين ميادين الصناعة والسياسة والعمل المجتمعي. إنه المهندس طارق الجيوشي، رئيس مجلس إدارة “مجموعة الجيوشي للصلب”، والذي تتعدد مسؤولياته لتشمل رئاسة جمعية مستثمري مدينة 6 أكتوبر الجديدة، ورئاسة مجلس أمناء المدينة، إلى جانب موقعه كوكيل للجنة الصناعة بحزب الشعب الجمهوري وعضوية مجلس إدارة غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات.
ويقدم الجيوشي رؤية بانورامية لا تقتصر على مشروع مدينة صناعية واحدة، بل تمتد لتشخيص واقع ومستقبل الصناعة المصرية بأكملها.
وفي هذا الحوار، نغوص معه في خريطة الامتيازات التي تؤهل «أكتوبر الجديدة» لتكون قاطرة صناعية ضخمة، ونستمع إلى تقييمه الصريح للسياسات الاقتصادية، واستراتيجيته لمواجهة التقلبات العالمية، ودوره في رسم ملامح تنمية متكاملة لا تقتصر على المصانع، بل تبني مجتمعًا واقتصادًا صلبًا.
** كيف ترسم خريطة الامتيازات الحقيقية التي تجعل من “أكتوبر الجديدة” أرضًا خصبة للاستثمارات الصناعية الكبرى؟
دعنا نتحدث عن الامتيازات لا التحديات، فنحن مدينة وليدة تمتلك مقومات جذب فريدة، نمتلك اليوم بنية تحتية صناعية على أعلى مستوى؛ فالطاقة من كهرباء وغاز متوفرة بكفاءة، وشبكة الطرق الحديثة تربطنا بكافة المنافذ الحيوية.
الأهم من ذلك، هو الموقع الاستراتيجي الذي يخدمه ميناء جاف ومناطق لوجيستية تم افتتاحها بالفعل، مما يضمن إنسيابية حركة الإنتاج وصولًا إلى موانئ التصدير بأقل تكلفة وأسرع وقت.
إن الكثافة السكانية المتنامية في المدينة تضمن توفير العمالة اللازمة بمختلف مستوياتها، فهذه الإمكانيات والمساحات الشاسعة، التي لم تعد متوفرة في أكتوبر القديمة، تؤهلنا لنشهد نهضة صناعية غير مسبوقة خلال الأعوام الثلاثة القادمة، لتكون “أكتوبر الجديدة” بحق النموذج العصري لمدن الجمهورية الجديدة.

** هل البنية التحتية والخدمات اللوجستية الراهنة قادرة على استيعاب الصناعات الثقيلة والمتقدمة تكنولوجيًا، أم أننا لا نزال في طور التأسيس؟
بالطبع قادرة، فالبنية التحتية صُممت بمعايير عالمية حديثة لتستوعب المستقبل، ونحن نستقطب أكبر المطورين الصناعيين في مصر، والذين سيطبقون أحدث الأنظمة التكنولوجية في إدارة المناطق الصناعية. فالميناء الجاف والمناطق اللوجستية الملحقة به يعملان بالفعل بأعلى كفاءة لتسهيل عمليات التخليص الجمركي ونقل البضائع، فضلا عن شبكة الطرق العملاقة التي تم تنفيذها لا تختصر المسافات فحسب، بل تخفض تكلفة النقل بشكل جذري، وهو ما يمنح المدينة ميزة تنافسية حاسمة.

** ما رؤيتك لدمج الصناعات الخضراء والذكية في نسيج المدينة الصناعي، وما دور الجمعية في تحقيق ذلك؟
نحن نضع الآن اللبنات الأولى، قمنا بتأسيس الجمعية وانضممنا للاتحاد العام للمستثمرين، ونعمل على تجهيز مقرنا لاستقبال الأعضاء. وفور بدء المصانع في التشغيل، سنفتح حوارًا واسعًا مع كافة المستثمرين للاستماع إلى مقترحاتهم، وسنكون الداعم الأول لتبني التكنولوجيا النظيفة والصناعات الذكية. ودورنا كجمعية لا يقتصر على خدمة أعضائنا، بل يمتد ليشمل مسؤولية تنمية المدينة بأكملها، بما في ذلك الحفاظ على بيئتها والمساهمة في تطورها لتصبح مدينة مستدامة ومتكاملة.

** بالحديث عن التنمية المتكاملة، كيف ستؤثر هذه المنطقة الصناعية الضخمة على النسيج المجتمعي والسكاني للمدينة؟

الصناعة قاطرة الاقتصاد والتنمية، حين نتحدث عن صناعة، فنحن نتحدث عن توفير فرص عمل كثيفة لكافة الفئات والتخصصات، من الإدارة العليا إلى أحدث عامل، وهذا بدوره يخلق مجتمعًا حيويًا ومستقرًا، فالأثر الأعمق هو على المستوى الوطني، فنهضة الصناعة تعني “توطين الصناعة”، أي أن نصنع محليًا ما كنا نستورده، ونوفر العملة الصعبة، بل وننتقل إلى التصدير، مما يعزز قوة الاقتصاد ويخفض معدلات التضخم تدريجيًا.

** كم تبلغ استثمارات مدينة أكتوبر الجديدة ؟
المدينة ما زالت في طورها الأول وهي من المدن الواعدة والجاذبة للاستثمارات الكبرى، فالمنطقة الصناعية بالمدينة، تغطي نحو 11 ألف فدان، فقد جذبت بالفعل اهتمامًا ملحوظًا من المستثمرين، وبلغ في الوقت الحالي بيع أو تخصيص 70% من مساحتها لكبرى الشركات والمطورين الصناعيين .
أما بالنسبة لحجم الفرص الاستثمارية المعلنة داخل المدينة فبلغت نحو 100 مليار جنيه، وتجاوز فعلياً 92 مليار جنيه، أي ما يمثل نحو 92% من إجمالي الاستثمارات المخططة.

** هل تتوقع أن تزيد هذه القيمة الاستثمارية خلال الأعوام القادمة؟
هذا أمر مؤكداً، ففي إطار خطة العام المالي 2025‑2026، أعلنت هيئة المجتمعات العمرانية عن رفع الخطة الاستثمارية للمدينة إلى 3.7 مليار جنيه، مقابل 3.0 مليار جنيه خلال العام المالي المنتهي في 30 يونيو 2025، وذلك لتوجيهها نحو الإسكان وأعمال الترفيق والخدمات داخل المشروع، بالإضافة أن تكلفة تنفيذ المشروعات تجاوزت نحو 70 مليار جنيه، والمرافق والبنية التحتية بلغت حوالي 20 مليار جنيه، أما المشروعات الخدمية تجاوزت استثماراتها 2 مليار جنيه .

** هل يمثل المناخ الحالي حافزًا أم عائقًا أمام التوسع الصناعي المنشود؟
استقرار السياسة النقدية هو حجر الزاوية، أنا أؤيد بشكل مطلق وجود سعر صرف موحد وشفاف تحت إشراف البنك المركزي، والقضاء التام على السوق الموازية. وقوة عملتنا لا تأتي إلا من خلال زيادة الإنتاج والتصدير، كلما صنعنا أكثر وصدرنا أكثر، ارتفعت قيمة الجنيه، وانعكس ذلك إيجابًا على حياة المواطن، ولا يمكن تحميل الحكومة مسؤولية كل شيء، خاصة ما كان خارجًا عن إرادتها، الميزة الآن هي أننا نرى تحركًا لمعالجة المشكلات، وفتح الباب أمام تقنين الأوضاع المستثمرين والمطورين، وتيسيرات ضريبية تبعث على الطمأنينة.

** ما الاستراتيجية المثلى للصناعات المعدنية في مصر لمواجهة هذه التحديات؟
أسعار المعادن تخضع لبورصة عالمية، والتأثر بها أمر حتمي يطال العالم أجمع وليس مصر وحدها، فالعاملان الرئيسيان هما سعر البورصة العالمي وسعر صرف العملة التي نستورد بها، ومع استقرار سعر الصرف الذي نشهده حاليًا، يبقى التحدي في تقلبات البورصة، النصيحة والاستراتيجية التي أتبعها هي العمل بنظام “المتوسط الحسابي” للتكلفة، فعندما ترتفع الأسعار، لا أرفع أسعاري فورًا على مخزون تم شراؤه بسعر أقل، والعكس صحيح في حالة الهبوط، هذا النظام يضمن العدالة والإنصاف، فلا نظلم المستهلك في الصعود، ولا نظلم أنفسنا في الهبوط، ونحافظ على استقرار السوق قدر الإمكان في مواجهة بورصة تتغير كل ساعة.

** ما تقييمك لأداء الدولة في إدارة الملف الاقتصادي وسط هذه الأزمات؟
لست في موقع يؤهلني لتقييم أداء الحكومة بشكل كامل، فهناك ملفات كثيرة لا نعلم كافة أبعادها والعقبات التي تواجهها، وهذا دور الأجهزة الرقابية والبرلمان، لكن ما أستطيع تقييمه هو ما أراه بعيني على أرض الواقع، حركة السوق، التطور الملموس، والمشروعات العملاقة والمدن الجديدة التي تنشأ. هناك إنجاز ملموس، وتوجد تحديات أو بعض البطء في ملفات معينة، ولكن الأهم هو رؤية إرادة حقيقية للإنجاز وتذليل العقبات، ودورنا كمتخصصين ومستثمرين ليس تصدير المشاكل والنقد السلبي، بل أن نقدم الحلول العملية والمقترحات البناءة، لنكون يدًا واحدة تساهم في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *