تجارة وصناعة

«صافى يا لبن مستورد» من غير «شهادة الحلال»

الإعفاء لتخفيف الأعباء المالية..

تشهد مصر في هذه الأيام حالة من الجدل والاهتمام الواسع بين المواطنين وخبراء الصناعة الغذائية بعد إعلان الحكومة قرارًا مثيرًا بإعفاء منتجات الألبان ومشتقاتها الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية من شرط الحصول على شهادة «الحلال». هذا القرار الذي وصفه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بـ«غير المسبوق» يثير تساؤلات واسعة حول أبعاده وأهدافه، وكيف سيؤثر على الأسواق المحلية، خاصة وأن منتجات الألبان تعد جزءًا أساسيًا من غذاء المواطن المصري.

خلال منتدى الأعمال المصري – الأمريكي الذي انعقد بالقاهرة، أعلن رئيس الوزراء أن الحكومة أصدرت قرارًا يسمح حتى نهاية عام 2025 باستيراد منتجات الألبان الأمريكية دون الحاجة إلى شهادة «الحلال» أو دفع رسوم متعلقة بها، مشيرًا إلى أن الرسوم ستبدأ من عام 2026 بمبلغ يقدر بـ1500 دولار لكل حاوية. وأضاف مدبولي أن القرار يهدف إلى دعم حضور شركات الألبان الأمريكية في السوق المصرية وتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين.

ردود الأفعال جاءت متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا مع القلق من تأثير هذا الإعفاء على جودة المنتجات ومدى التزامها بمعايير الشريعة الإسلامية. غير أن وزير الزراعة علاء فاروق أوضح أن هذا الإعفاء خاص فقط بمنتجات الألبان «لأن الألبان لا تخضع لمسألة الذبح ولا يوجد ما هو حلال أو حرام فيها»، مؤكدا خلال تصريحات صحفية أن شهادات الحلال مستمرة فقط على منتجات اللحوم والدواجن.

وأضاف الوزير أن هناك قرارًا من هيئة الخدمات البيطرية لضمان استيفاء المنتجات المستوردة للشروط الإسلامية المتعلقة بشهادات الحلال، ولكن استثناء الألبان كان بناءً على منطق أن هذا الشرط غير مبرر بالنسبة لها. ويأتي هذا ضمن إطار تسهيلات تتخذها الحكومة بهدف خفض تكلفة الاستيراد وتحسين الأسعار للمستهلك المصري.

من جانبه، أكد المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، أن الحكومة تستهدف تنويع وزيادة عدد الجهات المخوّلة بإصدار شهادات الحلال، مع دراسة خفض رسوم تقييم مدى مطابقة المنتجات، وهو ما من شأنه تعزيز المنافسة وتخفيف الأعباء المالية على المستوردين والمنتجين. وقال الحمصاني إن هذا الإجراء «سيسهم في تخفيض قيمة وصول السلعة إلى المواطن»، ويأتي ضمن سلسلة من التيسيرات في مختلف القطاعات.

فيما أوضح حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية، أن قرار الإعفاء يمثل خطوة مهمة لتخفيف الأعباء المالية على المستوردين، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على أسعار منتجات الألبان داخل السوق المصري. وذكر في بيانه أن مصر تستورد سنويًا نحو 300 ألف طن من الألبان ومشتقاتها، منها حوالي 220 ألف طن من اللبن البودرة و30 ألف طن من المنتجات تامة الصنع مثل الجبن الشيدر والفلامنك، إلى جانب 50 ألف طن من الزبدة والسمنة الطبيعية. وأضاف أن أبرز الدول الموردة لمصر تشمل الدنمارك، هولندا، أستراليا، والولايات المتحدة.

وتشير بيانات حديثة إلى أن الإنتاج المحلي من الألبان في مصر يبلغ حوالي 5.6 مليون طن سنويًا، بينما تصل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك إلى نحو 2.5 إلى 3 ملايين طن، حسب ما قاله الدكتور محمد فراج، رئيس قطاع تنمية الثروة الحيوانية ومدير معهد الإنتاج الحيواني الأسبق. وأكد فراج أهمية التخطيط الاستراتيجي لزيادة الإنتاج حتى يتجاوز الاستهلاك المحلي، ما يتيح الفرصة للتصدير خصوصًا إلى الأسواق الأفريقية والعربية.

وأوضح فراج أن استهلاك الفرد المصري من الألبان ومنتجاتها لا يتجاوز 25 كيلوغرامًا سنويًا، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ حوالي 100 كيلوغرام، و180 كيلو في الولايات المتحدة. وهو ما يجعل الحاجة ماسة لتطوير قطاع الألبان وتنمية الثروة الحيوانية، مع دعم صغار المربين والمتوسطين لتحسين الإنتاجية.

من الناحية الاقتصادية، بلغ حجم صادرات مصر من الألبان ومنتجاتها 100 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2024، في حين بلغت وارداتها 368 مليون دولار خلال نفس الفترة. وتُشكل الألبان حوالي 14% من إجمالي الصادرات الغذائية، مما يجعلها ثاني أكبر منتج تصديري بعد الخضر والفواكه، مع استهداف زيادة نصيب الفرد من الألبان إلى 70 لترًا سنويًا بحلول عام 2030.

ويؤكد المسؤولون أن قرار إعفاء منتجات الألبان الأمريكية من شرط شهادة الحلال يأتي في إطار التزام الحكومة بتحسين تنافسية السوق المحلية، وخفض تكاليف الاستيراد التي تؤثر مباشرة على أسعار المنتجات في الأسواق، دون المساس بالضوابط الشرعية التي تنطبق على باقي المنتجات الغذائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *