ملفات وحوارات

شكوك تحيط بصفقة “منجم السكري”.. هل يمكن تهريب كنوز مصر؟

على الرغم من تأكيد الحكومة أن صفقة “منجم السكري” لن تمس حقوق الدولة المصرية أو الحصة الخاصة بها، لم يهدأ الجدل ولا التساؤلات عن أسباب لجوء مصر للشركات الأجنبية للتنقيب عن ذهبها، وعن تفاصيل الصفقة.

وقد أثار الإعلان عن الصفقة تباينا في الآراء، بين منتقدٍ يرى أن المنجم الذي يعد أحد أهم أصول مصر، تجب إدارته محليا، ومؤيدٍ يعتقد أن هذه الصفقة ستعود بالنفع على الدولة، حيث سيزيد إنتاج المنجم بعد تنفيذ خطط الاستثمار المقررة له، مما سيصب في النهاية في احتياطي مصر من المعدن النفيس لدى البنك المركزي.

تفاصيل الصفقة

في سبتمبر الماضي، وافقت شركة “أنجلو جولد أشانتي”، على الاستحواذ على شركة سنتامين في صفقة تقدر قيمتها بنحو 2.5 مليار دولار، لتمنح هذه الصفقة “أنجلو جولد” السيطرة على منجم السكري في مصر، الذي يُعد واحداً من أكبر وأهم مناجم الذهب في العالم.

وشركة سنتامين هي شريك الحكومة المصرية، ففي عام 1994، وقّعت هيئة الثروة المعدنية المصرية مع الشركة الفرعونية لمناجم الذهب التابعة لـ “سنتامين” اتفاقية عام 1994، وتم الإعلان عن الكشف التجاري، وتأسيس شركة لتنفيذ العمليات تحت اسم “السكري لمناجم الذهب” بدأت الإنتاج عام 2009 ككيان مشترك بين “سنتامين” والهيئة.

أي إن شركة السكري نتجت عن شراكة بين الحكومة المصرية “ممثلة في هيئة الثروة المعدنية” والشركة الفرعونية المسماة “سنتامين إيجيبت”؛ وتمتلك هيئة الثروة 50 بالمئة من الشركة، فيما تمتلك سنتامين (التي استحوذت عليها شركة أنجلو جولد) النسبة المتبقية.

ووفق المدير التنفيذي لشركتي السكري لمناجم الذهب وسنتامين مصر، عمرو حسونة، حصلت الحكومة المصرية، ممثلة في هيئة الثروة المعدنية، على دخل مباشر من المنجم بقيمة تجاوزت مليار دولار بين حصص أرباح وإتاوات، منذ بداية المشروع حتى نهاية يونيو الماضي.

وتصف شركة “أنجلو جولد” والتي يقع مقرها الرئيسي في جوهانسبرج بجنوب افريقيا، ومدرجة في بورصة نيويورك، منجم السكري بأنه “أصل عالمي من الدرجة الأولى” يتميز بتكاليف تشغيل تنافسية وإمكانات تطوير واعدة.

وبلغ حجم إنتاج الذهب في مصر نحو 559 ألف أونصة خلال العام المالي 2023-2024، وأغلب هذه الكمية يأتي من منجم السكري في الصحراء الشرقية، بالإضافة إلى منجمي “حمش” و”إيقات”.

ويُعد السكري المنجم الوحيد لاستخراج الذهب بشكلٍ تجاري في مصر، وقد حقق إنتاجا بلغ 5.2 مليون أوقية من الذهب منذ بدء الإنتاج وحتى نهاية فبراير الماضي 2023، بحسب بيانات رسمية لوزارة البترول والثروة المعدنية. وتستهدف الوزارة الوصول بالإنتاج إلى 800 ألف أوقية بحلول عام 2030.

آلية العمل

“اتفاقية التنقيب عن الذهب في منجم السكري موقعة وسارية منذ التسعينات،” وفقا لوزير البترول المصري السابق، عبد الله غراب، الذي يقول في تصريحات صحفية إنه “بموجب الاتفاقية بين الطرفين، الحكومة المصرية والمقاول الذي يحصل على حق التنفيذ، يتحمل المقاول على نفقته الخاصة مخاطر الاستكشاف ثم تحصل الحكومة على نسبتها بعد استخراج الذهب”.

ولذلك يرى غراب “أن الاتفاقية لا تمس الحكومة بشيء، ولا تحتاج الشركة إلى موافقة الحكومة المصرية قبل إتمام عملية البيع، لأن هناك بند في الاتفاقية يضمن للشريك التنازل لأي شركة أخرى، الشرط الوحيد أن تعتمد الحكومة المصرية ممثلة في وزير البترول عملية البيع بعد تعهد الشريك بالالتزام بجميع بنود الاتفاقية في استخراج الذهب”.

ووفقا للاتفاقية تدفع الشركة 3 بالمئة إتاوة من إجمالي إيراد المبيعات، ويتم تقاسم الأرباح بعد استرداد التكاليف والمصروفات.

لماذا الأجانب؟

وزير البترول السابق عبد الله غراب، يرى أن الصفقة إشارة جيدة أمام المستثمرين الأجانب، قائلا “أن تقرر شركة دفع 2.5 مليار دولار، فهذا يعني أن منطقة التنقيب آمنة وواعدة، ما يروج بشكل أكبر لقطاع التعدين المصري”.

ويضيف “سيزيد إنتاج شركة أنجلو جولد ما يقرب من 500 ألف أونصة من الذهب سنوياً، ما سيرفع إجمالي إنتاجها السنوي إلى أكثر من 3 ملايين أونصة، والنتيجة أن الحكومة المصرية، أو صاحب البيت كما نقول في اللهجة العامية، زادت قيمة ممتلكاتها دون بذل أي مجهود”.

ويرى غراب “أنه لا يمكن الاستغناء عن الشريك الأجنبي في التنقيب عن المعادن، لأنه قد يصرف 100 مليون جنيه في البحث فقط، ولا يتوصل إلى اكتشاف، إذا فالحكومة المصرية هي المستفيد لأنها لن تستطيع تحمل تكاليف البحث والتنقيب”.

هل هناك رقابة؟

تخضع عملية صب الذهب في موقع السكري للرقابة حيث يوجد مراقبون من هيئة الثروة المعدنية وممثلون لمصلحة الدمغة والموازين المصرية حيث يتم دمغ السبيكة وإعطاؤها شهادة بالوزن وعيار الذهب.

تحتوى السبائك المستخرجة من منجم السكري على متوسط نسبة 90 بالمئة تقريبا من الذهب 10 بالمئة شوائب من فلزات أخرى، ولكي يمكن تداول هذه السبائك في السوق العالمي يجب أن تصل درجة نقاء السبائك إلى 99.99 بالمئة ولا يتم ذلك إلا في معامل معينة لتنقية خام الذهب، ولا توجد مثل هذه المعامل في مصر، و لذلك يجب أن يسافر الذهب للتنقية في الخارج.

وكانت الشركة الفرعونية “سنتامين” قد تعاقدت مع معمل “جونسون ماثي” في كندا للقيام بإنتاج سبائك الذهب المنقى والجاهزة ليتم التعامل بها في الأسواق العالمية.

تسافر الشحنة بعد اطلاع هيئة الجمارك على موافقة الهيئة الثروة المعدنية على سفر الشحنة، ومقارنتها بالمحاضر المرفقة من قبل مصلحة الدمغة والموازين قبل التصريح لها بالسفر.

كل هذه الإجراءات تحول دون إمكانية تهريب الذهب إلى الخارج سواء أكان عن طريق مطار مرسى علم أو عن طريق المطار السري الواقع على بعد 300 كم جنوب غرب مرسى علم (أي بالقرب من بحيرة السد العالي)، كما تدعي بعض التقارير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *