غير مصنف

شرم الشيخ.. المدينة التي لا تتوقف عن صناعة السلام

في مدينة السلام شرم الشيخ، التي طالما كانت شاهدًا على لحظات حاسمة في تاريخ المنطقة، شهد العالم اليوم حدثًا استثنائيًا جديدًا، حين احتضنت المدينة مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بمشاركة كل من مصر وقطر وتركيا، إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مشهد يؤكد من جديد مكانة شرم الشيخ كمنصة عالمية لإرساء السلام وحل النزاعات.

جاء التوقيع تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لعب الدور المحوري في إنجاح المفاوضات، عبر وساطة مكثفة بدأت منذ أسابيع وشملت جولات تنسيق في القاهرة والدوحة وأنقرة وواشنطن، وقد شارك في مراسم التوقيع كل من وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلى جانب مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وبحضور وفود أممية وإقليمية رفيعة المستوى.

وتنص بنود الاتفاق على وقف شامل وفوري لإطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، مع ضمانات مصرية-قطرية-تركية لمراقبة التنفيذ، وتشكيل لجنة ثلاثية لتنسيق عمليات إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية بإشراف الأمم المتحدة، بالإضافة إلى بدء مفاوضات تفصيلية حول تبادل الأسرى وإعادة الإعمار خلال الأسابيع المقبلة، كما نص الاتفاق على التزام الأطراف بعدم اتخاذ أي إجراءات استفزازية، مع وضع جدول زمني لإعادة فتح المعابر وعودة النشاط التجاري والمدني بشكل تدريجي.

وفي كلمته خلال مراسم التوقيع، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر كانت وستظل حجر الزاوية في دعم القضية الفلسطينية، وأن دورها في الوساطة ينبع من إيمانها العميق بأن الأمن في غزة جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة بأكملها، قائلاً: ”ليوم نكتب فصلًا جديدًا من فصول السلام، من أرض مصر التي كانت دائمًا حاضنة للسلام وصانعة للأمل“، مضيفاً أن استضافة شرم الشيخ لهذا الاتفاق تمثل تأكيدًا جديدًا على رسوخ مكانتها كمنصة حوار إقليمي ودولي، ومركز لصناعة التفاهمات لا النزاعات.

ويُعد هذا الاتفاق امتدادًا لدور شرم الشيخ التاريخي كمدينة تجمع بين الدبلوماسية والسياسة والإنسانية، فقد احتضنت المدينة منذ تسعينيات القرن الماضي عشرات القمم والمؤتمرات التي غيّرت وجه المنطقة.

ففي 4 سبتمبر 1999، شهدت المدينة توقيع مذكرة شرم الشيخ بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (الراحل) ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك (الأسبق)، بحضور مصر والولايات المتحدة والأردن، في إطار تنفيذ بنود اتفاق واي ريفر.

كما استضافت في 8 فبراير 2005 قمة شرم الشيخ للسلام التي جمعت الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك (الراحل)، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون (الراحل)، والتي أسفرت عن إعلان متبادل لوقف العنف وإعادة بناء الثقة.

ولم يكن دور المدينة مقتصرًا على السياسة فحسب، بل امتد إلى القضايا العالمية الكبرى، حيث استضافت في نوفمبر 2022 مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27)، بمشاركة نحو 120 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 35 ألف مشارك، لتصبح شرم الشيخ عنوانًا عالميًا للتحول الأخضر.

وشهد المؤتمر توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والإمارات لإنشاء مشروع ضخم لطاقة الرياح بقدرة 10 جيجاوات، واتفاقات تعاون بين مصر والسعودية في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، كما أُعلن خلال المؤتمر إنشاء صندوق الخسائر والأضرار للدول المتضررة من التغير المناخي، في إنجاز تاريخي للدبلوماسية المصرية.

وفي مارس 2009، احتضنت المدينة مؤتمر إعادة إعمار غزة، بمشاركة ممثلين عن أكثر من 75 دولة ومنظمة، ونجحت القاهرة وقتها في جمع 4.5 مليار دولار من التعهدات الدولية لإعادة إعمار القطاع بعد العدوان، بحضور وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بان كي مون.

هذه المحطات المتتابعة تؤكد أن شرم الشيخ لم تعد مجرد مدينة سياحية، بل باتت رمزًا لسياسة مصر الخارجية القائمة على الحوار والتوازن وحماية الاستقرار الإقليمي، ومن اتفاقات السلام في التسعينيات إلى القمم البيئية والاقتصادية في الألفية الثالثة، ظلت المدينة حاضرة في كل منعطف دولي، تحمل للعالم رسالة واحدة مفادها أن مصر ما زالت القلب النابض للسلام في الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *