اقتصادسلايدر

سوق السيارات تحتضر… من يتحمل مسئولية “الهبوط الحاد” في المبيعات؟

لم يكن قطاع السيارات بمعزل عن الحال الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد؛ فلقد أظهرت البيانات الحديثة أن حجم المبيعات في هذه السوق قد تراجع خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، بنحو 70 بالمئة.

وبحسب البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات المصري “أميك”، باع الموزعون نحو 36 ألف سيارة مقابل 122 ألف سيارة خلال نفس الفترة من العام الماضي. وانخفض إجمالي حجم مبيعات السيارات بأكثر من الثلث في عام 2022 بسبب قيود الاستيراد التي جعلت من الصعوبة على الموزعين استيراد سيارات تامة الصنع ومستلزمات تجميع السيارات وقطع الغيار، وأجبرت عددا من شركات تصنيع السيارات العالمية على وقف مبيعاتها لمصر.

وكان لاتجاه الحكومة المصرية نحو تقنين عمليات الاستيراد، لتوفير العملة الصعبة، بعد خروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة بشكل مفاجئ من البلاد، أثر سلبي كبير على قطاع السيارات، الذي شهد ارتفاعات قياسية في الأسعار، تجاوزت 100 في المئة خلال الفترة الأخيرة، مع خفض قيمة الجنيه عدة مرات، ما نجم عنه تغيُّر مستوى الشرائح التي كانت تشتري السيارات، وانخفاض عدد العملاء المستهدفين للشراء بالتزامن مع نقص المعروض، وفقا لتفسير عضو شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية، علاء السبع. وأشار السبع حدوث حالة من الركود التضخمي لأن ارتفاع الأسعار بشدة في الوقت الحالي فوق إمكانيات العملاء.

وأظهرت بيانات “أميك” انخفاضا في مبيعات السيارات المستوردة خلال تلك المدة لتسجل 14 ألف سيارة مقابل 70 ألف سيارة في الأشهر الستة الأولى من العام الماضي، فيما انخفضت مبيعات السيارات المحلية الصنع خلال الفترة من يناير حتى يونيو الماضي لتسجل 21 ألف سيارة بانخفاض يقدر بنحو 58% عن نفس الفترة من العام الماضي.

الوضع سيبقى كما هو عليه

ويرتبط استقرار سوق السيارات باستقرار أسعار الدولار ووفرته، بما يضمن جدية التعامل مع الشركات المصنعة في الخارج، وفقا لرئيس شعبة السيارات بالغرفة التجارية، عمر بلبع، الذي عزا تراجع نسب بيع “بصورة كبيرة” إلى جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، بجانب أسعار الدولار وندرته.

ومن غير المتوقع أن تزول الأزمة، إذا ما بقيت أسبابها قائمة؛ فارتفاع الأسعار الذي أدى إلى خروج شريحة كبيرة من السوق، بعدما تجاوزت “طاقة” أغلب المستهلكين، هو المسؤول الأول عن بطء حركة المبيعات، وفقا للمدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات، اللواء حسين مصطفى، الذي يؤكد أنه على الرغم من بطء الحركة مقارنة بالمعدلات الطبيعية “لم تصل السوق بعدُ إلى مرحلة الركود”.

من جهته، قال أسامة أبو المجد رئيس رابطة تجار السيارات، إن مستقبل السوق سيظل بهذا الوضع حتى نهاية العام الجاري، متوقعًا أن يشهد السوق مزيدا من ارتفاع الأسعار على نحو يعمّق حالة الركود وقلة القدرة الشرائية.

وأضاف أن إجمالي مبيعات السيارات بحلول نهاية العام الجاري لن تتخطى 150 ألف سيارة، وهو ما لم يتوقعه أحد من الخبراء مع بدء هذا العام، لكنه توقع أن يتحسن الوضع نسبيًا إذا توفرت العملة الصعبة وأزيلت القيود على الاستيراد مع بداية الربع الثاني من العام المقبل.

من جهته قال المهندس خالد سعد الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، إن التجار ووكلاء السيارات بالسوق سيواصلون رفع الأسعار التي تضاعفت 3 مرات عن الأرقام الرسمية خلال الأشهر الماضية، ناصحا مالكي السيارات المستعملة بتطوير سياراتهم القديمة، وعدم شراء سيارات أخرى حديثة، من أجل المساعدة في ضبط الأسعار، وتقليل الفجوة بين العرض والطلب.

وأوضح سعد، أن الفئة المتوسطة من المستهلك المصري التي تمثل 70% من السوق، أصبحت غير مقتدرة على شراء نفس الموديلات بسبب زيادة الأسعار بنسبة كبيرة، حيث إن السيارات المسعرة 200 ألف جنيه و300 ألف جنيه، أصحبت تسعر بـ 800 ألف جنيه فأكثر.

ولكي تعود سوق السيارات إلى وضعها الطبيعي، يشدد عضو الشعبة العامة للسيارات، منتصر زيتون، على ضرورة وجود عمليات استيرادية كاملة، وفتح السوق على مصراعيه للوكيل والسوق الموازية حتى يستوردا بحرية، وبما يدفع نحو زيادة المنافسة وتراجع الأسعار. ولن يحدث ذلك -وفقا لزيتون- إلا بتوفير رصيد دولاري فائض عن السلع الأساسية، ليغطي العملية الاستيرادية الخاصة بالسيارات، قائلًا: “حاليًّا، الأزمة العالمية، وخروج الأموال الساخنة واعتماد الدولة الرئيسي على الاستيراد في كل السلع الاستراتيجية، يعطل عودة السوق إلى وضعها الطبيعي بشكل سريع”.

تراجع واردات مكونات الإنتاج

وانعكست أزمة العملة الصعبة على واردات الدولة من السيارات، إذ تراجعت خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 56% لتسجل 531 مليونًا و445 ألف دولار، مقابل مليار و208 ملايين و49 ألف دولار فى الفترة نفسها من العام السابق، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتراجعت قيمة واردات عربات السيارات للاستعمالات الخاصة نحو 24.808 مليون دولار في مقابل 76.087 مليون دولار بانخفاض 67.4%، ومن سيارات نقل البضائع لنحو 63.929 مليون دولار مقابل 209.228 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي بتراجع 69.4%.

وسجلت قيمة الواردات من مكونات إنتاج السيارات تراجعًا بنسبة 25.5% لتصل إلى 241 مليونًا و925 ألف دولار، مقابل 325 مليونًا و35 ألفًا فى الفترة المقابلة من العام الماضي، وهو ما عزاه مدير أعمال التطوير برابطة الصناعات المغذية للسيارات، إيهاب أبو العينين، إلى القيود المفروضة على الاستيراد وضعف التمويلات الممنوحة من قِبل البنوك منذ فبراير 2022.

وأضاف أن العديد من مصنعي السيارات ومكوناتها اضطروا إلى تخفيض الطاقة الإنتاجية بنسبة تصل إلى 70% بالتزامن مع قرب نفاد المخزون لديهم، بالإضافة إلى عدم تمكنهم من التعاقد على استيراد شحنات جديدة خلال الفترة الحالية، لافتا إلى أن هناك بعض شركات الصناعات المغذية توقفت عن الإنتاج بشكل مؤقت بهدف تجنب الخسائر المالية الفادحة جراء تراجع الطاقة الإنتاجية بالمصانع وانخفاض المبيعات بشكل حاد.

وكان عمرو سليمان رئيس شركة الأمل المُجمّعة لسيارات “BYD” الصينية فى مصر، قد صرح بأن مصنع العلامة في مصر قد يتوقف عن الإنتاج مؤقتا خلال أيام، بسبب عدم توفّر مكونات الإنتاج لصعوبة تدبير العملة الصعبة، لفتح اعتمادات مستندية من جهة البنوك.

وسعيا إلى تعزيز قطاع السيارات، كانت الحكومة قد أصدرت عام 2018 قرارا بألا تقل نسبة المكونات المصنعة محليا في السيارات المجمعة بمصر عن 46%.

جهود حكومية على رأسها “التوطين”

ولم تهدأ جهود الحكومة التي تحاول حل الأزمة، فقد ترأس الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء اجتماع المجلس الأعلى لصناعة السيارات؛ في يونيو الماضي، بحضور ممثلين عن كبرى شركات صناعة السيارات، وناقش الجهود المبذولة من جميع الوزارات والجهات المعنية من أجل تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لصناعة السيارات في مصر، مؤكدا أن الصناعة تحتل أولوية متقدمة لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة.

وأعرب مدبولي عن أمل الحكومة أن تصبح مصر أحد المراكز المهمة لتوطين هذه الصناعة، مشددا على أهمية البرنامج الوطني لتطوير صناعة السيارات في مصر، الذي تم إعداده بناء على منظومة تشاركية بين الجهات والأجهزة المعنية، والقطاع الخاص.

ومن بين الجهود الحكومية، تأسيس صندوق لدعم صناعة السيارات في الدولة. فقد كشف الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، حسام هيبة الذي كشف عن “توقيع 3 مذكرات تفاهم مع أكبر منتجي السيارات عالميا لتوطين الصناعة”. وأضاف “نعمل على مضاعفة الطاقات الإنتاجية لشركات الصناعات المغذية للسيارات في مصر ولدينا استثمارات يابانية وتونسية في هذا القطاع”.

وفى نوفمبر 2022، أطلقت وزارة المالية، مبادرة “تيسير استيراد سيارات المصريين فى الخارج”، التي بموجبها تُعفى السيارات المستوردة من الضرائب والرسوم مقابل وديعة في البنك المركزي بالعملة الأجنبية لمدّة 5 سنوات، تُسترد بعدها بالجنيه المصري بسعر الصرف وقت الاسترداد. وكانت تستهدف منها جمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار.

استمرت المبادرة لنحو 5 أشهر وجذبت نحو 170 ألفا من المصريين في الخارج، لكنها على ما يبدو لم تلق صدى قويا، إذ تجاوزت حصيلتها بعد انتهائها في منتصف مايو الماضي، بالكاد ثلث الرقم المستهدف، مسجلةً 900 مليون دولار. وردًا على انتقادات طالتها، اضطرت الحكومة إلى تعديلها في مارس الماضي. وتضمّنت التعديلات تخفيض 70% من قيمة الرسوم الجمركية، ليقوم المستفيد بإيداع 30% من قيمة تلك الرسوم بالدولار، ثم يستردها بعد 5 سنوات بدلا من سنة واحدة، كما أُلغي الحظر على بيع سيارات المصريين بالخارج، ومدّ فترة السداد أو التسجيل من 4 إلى 6 أشهر.

كما تسعى الدولة إلى المشاركة في ماراثون صناعة السيارات الكهربائية، ومن المقرر بعد 9 أشهر طرح أول سيارة كهربائية مصرية محلية الصنع، في إطار استراتيجية الحكومة لتعميق التصنيع المحلي. وقال النائب إبراهيم نظير، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن هذه “خطوة عظيمة ستُضع مصر في مصاف الدول التي تنتج بغرض التصدير، خصوصا أن هذه السيارات توفر الوقود الأحفوري، وتعمل بالكهرباء التي تمتلك مصر فائضا منها، ما يعني توفير العملة الصعبة، وتخفيف الضغط عن ميزان المدفوعات، فضلا عن توفير فرص عمل للشباب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *