التفاوض فن، وأخذ الحق حرفة لا يتقنها الكثيرون، وتحتاج إلى قدرات خاصة مرتبطة بنوايا صادقة للحل والحصول على أكبر المكاسب بالضمانات الكافية، وقد لعب المفاوض المصري دورا بارز عقب اتفاقية كامب ديفيد، واستطاع بحرفية بالغة استرداد كافة الأراضي المصرية المحتلة من دون نقطة دماء.
سامي أبو العز يكتب: ماذا لو عاد ترامب؟
المفاوض الفلسطيني عنده مشكلة كبيرة أنه دائما يرفض الحلول والمقترحات، وينظر بعين الشك والريبة للوسطاء، ومن ناحية أخري هناك جماعات مستفيدة من استمرار المعارك والحرب، وتجني مكاسب من وراء ذلك بصورة أو بأخري.
الرئيس السادات رحمة الله عليه طلب من الراحل ياسر عرفات الانضمام في مفاوضات سلام مع إسرائيل في القاهرة، إلا أن الثاني رفض، وبقي المقعد المخصص له شاغرا.
الحقيقة أن الزمن وسوء التقدير هو العدو الأول لـ القضية الفلسطينية، فمنذ بداية الصراع في العام 1947، وحتى اليوم مرورا بعام 1967 وغيرها من محطات التفاوض التي بلغت العشرات يتناقص سقف التفاوض، وما رفض في الأمس لا يصبح متاحا اليوم، بل بات حلما نتمنى أن تدور عجلة الزمان للخلف لنصل إليه.
مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل بعضها كلل بالنجاح كما حدث مع مصر والأردن، إلا أن المسار الفلسطيني الإسرائيلي دائما لا يحالفه الحظ.
وقد طرحت عدة خطط للسلام بعد نكسة 1967، إلا أن مياه التفاوضات ظلت راكدة حتى نصر أكتوبر عام 1973، حيث تهيأت الأرض في اتجاه السلام، خاصة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس السادات إلى القدس عام 1977.
استغل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر تلك الأجواء، ودعا السادات وبيجن لمباحثات سلام في كامب ديفيد التي انتهت بإبرام اتفاقيتين كانت الأولى منها في إطار السلام في الشرق الأوسط عبر وضع أسس السلام بتوسيع القرار 242 لإبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل من ناحية ودعا إلى إبرام معاهدات أخري بين إسرائيل وجيرانها.
ورعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مؤتمر مدريد 1991 بهدف تشجيع البلدان العربية على توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وشارك الفلسطينيين في المؤتمر من خلال وفد مشترك مع الأردن في ظل رفض إسرائيل لمشاركة عرفات وأخرين في المؤتمر، وأسفر عن معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، وتعثرت المباحثات مع سوريا ولبنان، وتعقدت عام 2006، بسبب الحرب مع حزب الله.
وكانت مفاوضات أوسلو عام 1993 التي تمثلت أهميتها في التوصل إلى اعتراف نهائي متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت حماس الاتفاق، وشنت عمليات انتحارية ضد الإسرائيليين، وتواصلت المفاوضات في كامب ديفيد 2000، ولكنها فشلت كسابقاتها مما أدى إلى استئناف الانتفاضة الفلسطينية.
وفي العام 2002 طرحت المملكة العربية السعودية خطة للسلام في القمة العربية التي عقدت في بيروت وتنص على انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 والسماح بإقامة دولة فلسطينية وإيجاد حل عادل للقضية اللاجئين في مقابل اعتراف الدول العربية بحق إسرائيل في الوجود، وأعادت طرح نفس المبادرة مرة أخري في قمة الرياض 2007.
وأعدت اللجنة الرباعية التي ضمت الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عام 2003، خارطة طريق على ثلاث مراحل لدعم حل الدولتين، أعقبها اتفاق جينيف 2003، وأنابوليس 2007، وصدر عن المؤتمر بيان مشترك، وحققت المفاوضات تقدما جيدا بخصوص قضايا الحدود، لكنها توقفت فجأة عندما بدأ الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة 2008.
وأطلق باراك أوباما في عام 2010، مباحثات مباشرة بين محمود عباس ونتنياهو، لكن عمليات الاستيطان الإسرائيلي أدت إلى انهيار المفاوضات، واستمرت المفاوضات المتعثرة طوال سنوات عجاف تزيد الأمور تعقيدا، وتقلل من مكاسب الفلسطينيين في حقوقهم المشروعة، حتى بدأت المحطة الأخيرة عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، لتبذل مصر وقطر جهودا كبيرة لوقف إطلاق النار وإعادة الرهائن، ودخول المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار والانسحاب من غزة وتمكين النازحين من العودة، وما زالت المفاوضات مستمرة بين قبول ورفض متبادل من طرفي النزاع.
باختصار.. فلسطين قضية الفرص الضائعة تاريخيا، حيث تتقلص الأرض، ويتراجع سقف المطالب، وما حدث على مدار أكثر من 7 عقود يتكرر اليوم، ونخشى من نفس السيناريوهات، فإذا استمرت الأمور على هذا المنوال فسنجد غضاضة يوم عندما تفجعنا الكارثة، ولا نجد وطنا لنتفاوض عليه.