قلنا وحذرنا كثيرا أن الهدنة المؤقتة خلفها علامات استفهام، فالعدو الإسرائيلي لا يصون عهد ولا وعد ولا يحترم مواثيق ولا قوانين، أو اتفاقيات حقوق إنسان وغيرها من كافة القوانين الدولية والأخلاقية خلال تاريخه الدموي وخاصة ما يحدث مؤخرا في حربه على غزة التي يرتكب فيها جرائم حرب تستوجب المسائلة أمام محكمة العدل الدولية.. ولكنه لجأ إلى الهدنة الإنسانية استجابة للضغوط الداخلية بخصوص الأسرى اليهود لدى حماس.
لسنا متفائلين أن تمتد الهدنة، وإنما نتوقع أن يكون الحرب بعدها أشد ضراوة لحصول الاحتلال على الغرض منها، وهناك عدة دلائل تؤكد أن الذئب ليس له دين ليحاسب بناء عليه.
مساء الأربعاء الماضي هدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن عفير، بالاستقالة من الحكومة إذا لم تستأنف الحرب على قطاع غزة بعد انتهاء الهدنة، وقال في تصريحات أدلى بها خلال مقابلة مع القناة 14 التابعة لليمين الإسرائيلي قبل يوم من دخول صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ، أن القتال سيستأنف.
وقبله بساعات تعهد نتنياهو بالاستمرار في الحرب على غزة حتى تحقق أهدافها كاملة بما فيها القضاء التام على حماس، وغيرها من الأهداف الغير مشروعة والتي تصل إلى التهجير الجماعي وتصفية القضية الفلسطينية والسيطرة على الأرض كاملة.
وأرجأ الاتفاق على وقف إطلاق من الخميس إلى صباح الجمعة، على أن تبدأ الهدنة الإنسانية بالإفراج عن الدفعة الأولي من الرهائن المدنيين لدى حركة حماس، واستغلت إسرائيل تأجيل الهدنة لمدة يوم لتواصل القصف المستمر على قطاع غزة طوال يوم الخميس ليسقط عشرات الشهداء ومعظمهم من النساء والأطفال.
وسوف يتم خلال أيام الهدنة الأربع الإفراج عن 50 أسيرا يهوديا من النساء والأطفال دون الـ19 عاما على أن يفرج مقابل كل واحد منهم عن 3 أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال، واشترطت حماس أن إطلاق سراح الأسيرات الفلسطينيات والأطفال حسب الأقدمية.
ارتفعت حصيلة شهداء الحرب على غزة إلى ما يقرب من 15 ألف شهيد بينهم أكثر من 6150 طفلا و4000 امرأة ما يعني أن 70% من الشهداء تقريبا من النساء والأطفال.
وفي السياق ذاته زاد عدد المصابين عن 36 ألف إصابة أكثر من 75% منها نساء وأطفال، في حين بلغ عدد المفقودين 7000 مفقود جثامينهم ملقاة في الشوارع أو تحت الأنقاض.
وفي المقابل منذ بداية الحرب 392 جنديا وضابطا إسرائيليا وفقا لجيش الاحتلال حتى مساء الخميس الماضي.
باختصار.. رغم الهدنة التي جاءت متأخرة بعد 48 يوما من الحرب الشرسة ضد أهالي غزة إلا أنها فرصة لالتقاط الأنفاس ودفن الجثامين المنتشرة في الشوارع واستقبال المساعدات الإنسانية والإغاثية لواحدة من أبشع جرائم التاريخ الإنساني.
تبقى كلمة.. الموقف المصري الصلب تجاه ما يحدث في غزة منذ الساعات الأولى لم يتغير، وإنما زاد صلابة كلما زادت الأزمة عنفا وقوة وكانت اللاءات المصرية الثلاثة لا للتهجير ولا للنزوح ولا لتصفية القضية، حائط صد أمام تحقيق الحلم الصهيوني وأسفرت جهود الدبلوماسية المصرية مع أمريكا وقطر عن الهدنة الإنسانية.
وجاءت تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال إطلاق قافلة مساعدات جديدة لغزة يوم الخميس الماضي، أن القضية الفلسطينية تواجه منحنى شديد الخطورة والحساسية في ظل التصعيد غير الإنساني من قبل الاحتلال الذي اتخذ منهج العقاب الجماعي وارتكاب المجازر وسيلة لتصفية القضية والاستيلاء على الأرض.
وأشار السيسي أنه على الرغم من ضراوة القتال إلا أن مصر حافظت على فتح معبر رفح لتدفق المساعدات بأنواعها واستقبال الجرحى والمصابين مبينا أن المساعدات التي قدمتها مصر إلى قطاع قدرت بـ70% من إجمالي المساعدات، حيث تضمنت 12 ألف طن تم نقلهم عبر 130 شاحنة.
ستبقى مصر قلب العروبة النابض بالحياة، وستبقى فلسطين عربية أبد الآبدين، وستبقى القضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية لمصر والمصريين، ولن تألوا مصر جهدا إلا بوقف النزيف العربي عبر حل الدولتين، الذي يعد الطريق الأمثل والوحيد لإنهاء صراع دموي دام أكثر من 7 عقود وعودة الاستقرار للمنطقة والهدوء للعالم أجمع.